أخبار مدنية

الانتقال الديمقراطي في تونس و ليبيا و مصر : تعثر التحول بين الفساد وعسكرة الدولة والمجتمع

قدم مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان تقريره نصف السنوي الثاني للفترة الممتدة من 01 أفريل إلى 30 سبتمبر 2020، ليُغطي جوانب مهمة ومؤثرة على مسارات التحول نحو الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان.

و مثّل غياب تصور قوي ومتكامل للأمن الصحي في تونس ومصر وليبيا ثغرة وعقبة في عملية التحول الديمقراطي حيث تحدت الأزمة الصحية منظومات الأمان الاجتماعي والمؤسسات التعليمية والصحية والأطر التشريعية المعمول بها.

تونس: تواصل الفساد و أزمة الحكم

واجهت تونس عدم تحيين المنظومة الاجتماعية وانفصالها عن واقع طبقات واسعة من الفقراء والمهمشين والمتضررين من الوباء الصحي وتداعياته الاجتماعية والإقتصادية.

أثبتت سياسة المنح والمساعدات محدوديتها من حيث التأثير ومداه. لا تغير المساعدات الاجتماعية من واقع المواطنين في ظل انسداد الأفق الاقتصادي وغياب برامج تنموية شاملة خاصة مع تراجع دور القطاع العام كضمانة للفئات الأكثر ضعفا وهشاشة.

على مستوى متصل، تصدر الفساد في القطاع العام المشهد مرة أخرى. بناء على بلاغات هيئة مكافحة الفساد ثمة 871 موظفا محل شبهة فساد ممن استغل الظرف الصحي لمصالح خاصة.

وتوزعت أرقام الفساد على جميع ولايات الجمهورية. وهو ما أثبت مرة أخرى أن الفساد عائق رئيسي في مشروع إصلاح الدولة والتحول نحو الديمقراطية. يضرب الفساد، خاصة في القطاع العام، قيم المواطنة وثقة المواطن في المنظومة القائمة وممكن إصلاحها. الفساد هو المتهم الأول في ضرب إعادة الصلة بين المواطن والدولة، كما هو شأن هيمنة الصراع السياسوي على إدارة دواليب الدولة وعودة التيارات الشعبوية وضعف الأحزاب.

كما تواصلت أزمة الحكم في تونس في ظل صراع رأسي السلطة التنفيذية وتعطل العمل البرلماني. بينما تتواصل أزمة تكريس سلطة قوية قادرة على الإشراف على الإنتقال وإنهاءه، تواصل التداخل بين المهمة التشريعية للنواب ومهمتهم السياسية، حيث تبين عدم وجود حدود واضحة بينهما لدى أعضاء مجلس نواب الشعب. من بين أسباب ضعف العمل البرلماني المتواصلة هو النظام الداخلي للمجلس ومحدودية ضمانات استقلاليته المالية والإدارية، لكن من بين أسبابه أيضا هي نوعية الشخصيات المتصدية لمهام الوظيفة السياسية.

مصر : تواصل سياسة عسكرة الدولة

عانت مصر من إشكاليات مشابهة فيما يتعلق بالأمن الصحي ومحدودية السياسات الاجتماعية. إلا أنها في الأثناء، عاشت تحت إدارة تسلطية للنظام الذي استغل المؤسسة البرلمانية وتحكم في مخرجات الانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس الشيوخ، عبر تعديل النصوص القانونية المتعلقة بها. لكن الأخطر خلال فترة الرصد، هي التعديلات المجراة على جملة من القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة. أشار التقرير نصف السنوي الأول لمركز دعم إلى مأسسة حكم العسكر التي تتم على مستويات عديدة، أولها الإعلام، إلا أن سياسات عسكرة الدولة والمجتمع بلغت مراحل متقدمة. هيكليا، تم خلق منصب المستشار العسكري في المحافظات ليزيد من هيمنة المؤسسة العسكرية على دواليب الدولة.

وفي نفس الوقت، أتاح التنقيح الجديد لقانون رقم 46 لسنة 1973 بشأن التربية العسكرية بمرحلتي التعليم الثانوي والعالي للمستشار صلاحيات التدخل في البرامج التعليمية. بالإضافة إلى التدخل في جميع شؤون المحافظة. الأمر الذي ينذر أكثر بمزيد عسكرة القيم والقوانين والمؤسسات. يتجه النظام إلى خلق “المواطن المنضبط” تحت إشراف وتوجيه العسكر.

ليبيا :

كما استعرض التقرير بخصوص ليبيا مسار الحوار السياسي منذ غدامس إلى فرصة الحوار السياسي في تونس بالتوازي مع مفاوضات اللجنة العسكرية 5+5. وقد أكد على أن فوضى السلاح وسطوة الجماعات المسلحة شبه العسكرية عائق رئيسي في ظل التدخل الأجنبي وحرص الأطراف الدوليين على ضمان مخرجات المفاوضات كما تواصلت عمليات الإنتقام والتصفية والقتل بين الليبيين رغم أن طاولة المفاوضات تجمع ممثليهم. لكن الإستثنائي خلال فترة الرصد هو تحول الحراك الشعبي إلى عنصر ضاغط على الساحة السياسية.

و مثلت الطبيعة المطلبية الاجتماعية والإقتصادية المباشرة للتظاهرات في ليبيا التي غطت أهم مدنها، عنصرا محفزا على الرجوع الى المفاوضات. كما أن الأزمة الصحية استدعت ضرورة العمل السريع لتجنب مزيد تأزيم الوضع المعيشي لليبيين.

بالإضافة إلى سطوة الجماعات المسلحة وشبه العسكرية ميدانيا، تسبب الإنقسام المؤسساتي في تدعيم وجودها، خاصة أن وزارتي الدفاع والداخلية في الغرب تعرفان خللا هيكليا وضعفا في إدارتهما. يغيب في هذه المؤسسات المدنية التحديد الواضح للمسؤولية الوظيفية والسلم التراتبي الكفيل بتحديد مصدر القرارات ومنفذيها، لتجنب تدخل التنظيمات المسلحة وشبه العسكرية.

 رغم محاولات إعادة الهيكلة للأجهزة الأمنية ودمج بعض التشكيلات المسلحة، إلا أن العملية محدودة النتائج. فقد كانت الجماعات المسلحة هي المؤثرة في الرد على التظاهرات الشعبية، الأمر الذي من غضب المواطنين في ظل الإستجابة المحدودة من السلطات لمطالبهم.

على المستوى الحقوقي، تراوح تونس بين النصوص والتأصيل المؤسساتي والمجتمعي لحقوق الإنسان. علاوة على الحق في الصحة الذي يواجه عوائق عديدة خاصة منها المنظومة العمومية المؤطرة له، عادت حقوق المرأة لتصدّر المشهد بعد تصريح رئيس الجمهورية عن أولوية النص القرآني بخصوص المساواة في الميراث. فيما المؤسسة الأمنية تفضل التراجع إلى مربع القطاع الأمني بدل الأمن الجمهوري، بعد عودة قانون زجر الإعتداء على القوات المسلحة إلى أروقة مجلس النواب. في الأثناء، بقي سؤال الحريات الفردية على هامش الأحكام القضائية الزجرية. في الاثناء، فتح النظام المصري حربا مفتوحة على المجتمع المدني المصري بالدفع أكثر بسياسة التدوير وفبركة القضايا في حق الناشطين. وقد مثل الحجر الصحي مناسبة ليكون الفيروس سلاحا جديدا بيد القمع البوليسي. يتعرض الناشطون لخطر الموت بالكورونا عبر الزج بهم في مؤسسات سجنية هي في الأصل مكتظة.

Skip to content