مقالات

المحكمة الدستورية بين واقعية الفكرة وصعوبات إرسائها

لمياء بوزيان
صحفية

المحكمة الدستورية مطلب شعبيّ أريد له أن يكون بعيدا عن التحقق، وفي ذلك تعددت الأسباب والنتيجة واحدة فتأخر إرساء هذه المحكمة يعود إلى أهمية السلطة التي تتمتع بها ممّا يجعل القوى السياسية تخشاها وتخشى الرقابة التي ستبسطها عليها وتميل إلى وضع يدها عليها إلى جانب أن أعضاء مجلس نواب الشعب اختلفوا حول المرشحين لها ونزع بعضهم إلى إقصاء أعلى الكفاءات منها.

ما هي المحكمة الدستورية ؟

المحكمة الدستورية هيئة قضائية مكونة من 12 عضوا ينتخب أربعة منهم مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلثي أعضائه وأربعة من قبل المجلس الأعلى للقضاء بنفس الأغلبية وأربعة يعينهم رئيس الجمهورية. وهي مؤسسة كرّسها دستور 27 جانفي 2014 في القسم الثاني من بابها الخامس المتعلّق بالسلطة القضائية. وظائفها متعدّدة ومتنوعة تشترك في كونها مهام تجعل منها أهمّ سلطة في الدولة بما أنها وحسب منطوق الفصل الأول من قانونها الأساسي “هيئة قضائية مستقلة ضامنة لعلويّة الدستور وحامية للنظام الجمهوري الديمقراطي وللحقوق والحريّات”.

ولأنها تسهر على ضمان علوية الدستور فهي مسؤولة على فرض احترامه من قبل جميع الأسلاك التي أسسها هذا الدستور وبشكل خاص احترامه و الالتزام بأحكامه من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية برأسيها أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

المحكمة الدستوريّة والسلطة التشريعيّة

تؤكّد الأستاذة سلسبيل القليبي أنّ المحكمة الدستورية تقوم بوظيفة مراقبة السلطة التشريعية وفق الفصل 120 من الدستور، في مدى تطابق وتلاؤم مشاريع القوانين التي صادق عليها مجلس نواب الشعب قبل ختمها من قبل رئيس الجمهورية وبالتالي قبل دخولها حيز التنفيذ كما أنها تبسط نفس الرقابة على القوانين النافذة وذلك في صورة ما إذا دفع

أحد المتقاضين في أي قضية كانت بعدم دستوريتها حيث يرفع في هذه الحالة القاضي الأمر إلى المحكمة الدستورية لكي تتثبت من جدية المسألة ثم تبُت في دستورية القانون من عدمه وفي صورة إقرارها بعدم دستوريته يتمّ إيقاف العمل به.

وتجدر الإشارة إلى أنّ المحكمة الدستورية مختصة كذلك بمراقبة عملية تنقيح الدستور فهي تنظر أوّلا في ما إذا كانت المبادرة بتعديله لا تمسّ من المسائل التي أقرّ الدستور عدم جواز تعديلها على غرار مكتسبات حقوق الإنسان التي ضمنها الدستور كما تراقب المحكمة الدستورية مدى التزام الأطراف المتدخلة في عملية التعديل بالإجراءات التي نصّ عليها الدستور نفسه لتعديله.

المحكمة الدستورية والسلطة التنفيذية

أما في ما يتعلق بمراقبة مدى احترام السلطة التنفيذية لأحكام الدستور تضيف الأستاذة سلسبيل القليبي فإن المحكمة الدستورية تبتّ أولا في التنازع حول الاختصاص بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وذلك وفق الفصل 101 من الدستور كما أنها تبتّ في لائحة إعفاء رئيس الجمهورية من مهامه بسبب الخرق الفادح للدستور وفق الفصل 88 من الدستور. وتكون المبادرة بمثل هذه اللائحة من قبل أغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب وإذا صادق ثلثي أعضاء المجلس على هذه اللائحة ترفع آنذاك إلى المحكمة الدستورية التي تبتّ في مسألة الخرق الفادح للدستور من قبل رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائها وفي صورة ما إذا أدانت المحكمة الدستورية رئيس الجمهورية فهي تحكم بعزله.

المحكمة الدستورية … المؤسّسة ذات الأهميّة البالغة

الأستاذة القليبي تؤكّد أنّه من خلال بعض هذه اللّمحات حول اختصاصات المحكمة الدستورية يتجلى لنا أنها مؤسسة على غاية من الأهمية وأنها مدعوة لمراقبة سلط منتخبة على غرار مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية حيث يكمن أن تحمل البعض على إعادة النظر في ما اتخذته من تدابير أو توقف العمل بها هذا عند مراقبتها لدستورية مشاريع القوانين أو القوانين ويمكن أن تعزل البعض الأخر وتحديدا رئيس الجمهورية إذا كان محل لائحة إعفاء من قبل مجلس نواب الشعب، وبالتالي تفهم أن انتقاء أعضاء المحكمة الدستورية مسألة على غاية من الجدية وقد أحاطها كل من الدستور والقانون الأساسي للمحكمة باهتمام كبير فجعل من الكفاءة والخبرة والنزاهة والاستقلالية شروطا ضرورية في أعضائها.

المحكمة الدستوريّة ولادة قيصريّة لم تحن بعد

لا شكّ أنّ وراء تأخر ظهور المحكمة الدستورية أمر دبّر بليل. وليس من الطبيعي أن يستغرق ظهورها سنوات عدّة ومازلت إلى الآن تحت القيد والأسر.

ولاستجلاء الأمر كان لنا اتصال بالسيد زهير المغزاوي أمين عام حزب حركة الشعب الذي أفاد أنّ الائتلاف الحاكم لم تكن لديه الإرادة السياسية لتشكيل هذه المحكمة، كانت لدية الأغلبية الساحقة في البرلمان بلغت في بعض الأحيان 170 نائبا.

وبالنسبة لهذه الدورة قدّمت الترشحات وهناك البعض منها تنقصها بعض الوثائق وكان موعد 3 جويلية 2020 كأجل أقصى لاستكمال الوثائق انطلقت يوم 6 جويلية 2020 رحلة البحث عن التوافقات عبر جلسات بين الكتل البرلمانية في البرلمان من أجل التوافق على أعضاء المحكمة الدستورية. 

والتي ستكشف مدى رغبة القوى السياسية في تأسيس محكمة دستورية من عدمها.

فالمحكمة الدستورية في نظر محدّثنا هي عماد النظام الديمقراطي في تونس، تنظر في دستورية القوانين وفي غيابها لا يمكن الحديث عن مسار ديمقراطي يحمي من مخاطر الانزلاق في هذا الاتجاه أو ذاك.

وأشار المغزاوي إلى أنّ الدستور هو الضامن والحامي للمحكمة الدستوريّة من الوقوع في ب التجاذبات السياسيّة. وأيضا الضمان الأخلاقي. فالأطراف السياسية والكتل البرلمانية يجب أن تعي أنناّ في مرحلة التأسيس لنظام ديمقراطي للأجيال القادمة، وليس للجيل الحالي فحسب.       

Skip to content