حوارات

بعض الأطراف تريد أن تكون مهيمنة على الهيئات الدستورية ولها وزن كبير فيها، أو أنها تعطل تأسيسها

العياشي الهمامي
صور محمد كريم السعدي

الأستاذ العياشي الهمامي
الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بحقوق الإنسان
والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني

أنا أؤمن أن المساواة في الميراث واجب، وأن هذا طبيعي في إطار المساواة بين الناس

التقاه سمير بوعزيز

في نسختها الإلكترونية تقترح “الجريدة المدنية” أن يكون أوّل حوار مع الأستاذ العياشي الهمامي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، قصد تقديم الوزارة ومهامها والأهداف التي وضعت لأجلها وأهمّ برامجها خلال الأزمة الصحية الأخيرة.

كما بحثنا مع الوزير أولويات الحكومة في علاقة بعدد من مجالات حقوق الإنسان ومسؤولية الدولة لإصلاح التشريعات ووضع سياسات تضمن الحرية والكرامة. كانت فرصة للسؤال على تنزيل أحكام الدستور والهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية ودور الدولة في ضمان حقوق الفئات المحرومة والأكثر هشاشة.

العياشي الهمامي مناضل في مجال حقوق إنسان وقطاع المحاماة. وكانت له جملة من المبادرات السياسية في عهد الدكتاتورية وكان عضوا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي.

العياشي الهمامي هو الوزير الرابع، والثالث من مناضلي حقوق الإنسان، الذي يتولى هذه الوزارة، هل فعلا هنالك حاجة لهذه الوزارة؟ وهل أمكن أن تحقق جملة من الأهداف؟

هنالك حاجة أكيدة لأن تعمل الدولة على تعزيز حقوق الإنسان وتوفير الضمانات والإمكانيات للمجتمع المدني بمكوناته المتعددة لكي ينشط في البلاد من أجل تعزيز حقوق الإنسان. وهنالك حاجة إلى أن تنظم الدولة علاقاتها بالهيئات الدستورية وهي هيئات جديدة على الدولة التونسية، وعلى الادارة والسلطة السياسية تنظيم علاقاتها بهذه الهيئات.

وبالتالي فمهام الوزارة ليست مركبة على الواقع بل هي إفراز لواقع جديد احدثته الثورة التونسية ثورة الحرية والكرامة. والحرية والكرامة هما مبدآن من مبادئ حقوق الإنسان .

وهل حققت بالفعل جملة من الأهداف خلال المرحلة السابقة؟

أنا بصراحة تقييمي ايجابي، وليس بحكم أنني الآن وزير حقوق الإنسان.

عمليا ما هي الأهداف التي حققتها؟

هذه الوزارة تمثل الدولة في مهمة خدمة المجتمع المدني، الذي يعرف بقوه وصلابته، وتوفير الظروف الملائمة لكي ينشط بصفة حرة وبما يمكنه من تفعيل ما يريده.

صور محمد كريم السعدي

أنظر مثلا دوره مع أزمة كوفيد ودوره السياسي من أجل تفعيل الحريات في تونس، والدور الذي لعبه بعد الثورة ثم في الحوار الوطني حيث أن مؤسسات المجتمع المدني مكنت تونس من الخروج من تلك الأزمة، فواجب الدولة أن توفر للمجتمع المدني الضمانات والظروف لكي ينشط ويكون فاعلا.

ويمثّل الدور الثاني للوزارة في العلاقات مع الهيئات الدستورية الخمسة، وللذكير فإنّ هيئة واحدة تم تجديد أعضائها، وذلك بحكم الضرورة، وهي الهيئة المستقلة للانتخابات وبقية الهيئات مازالت وقتية لم ينتخب أعضاؤها طبق القانون، حيث صدرت قوانين ومازلنا تحت نظر السلطة التشريعية لانتخاب أعضائها. وواجب الدولة أن توفر لهذه الهيئات الإمكانيات المادية لكي تمارس مهامها باستقلالية وتساعدها في إصدار القوانين المناسبة والأوامر التطبيقية.

أمّا الدور الثالث الأهم فهم أنها وزارة حقوق الإنسان وهذه مهمة شاملة ومتواصلة ولا تنتهي. وما دام هنالك إنسان له حقوق فعلى الدولة تعزيز هذه الحقوق ودعمها.

ضَمِن دستور 2014 أغلب الحقوق والحريات ولكن بعد أكثر من 5 سنوات لم يقع تنزيل أغلب أحكام الدستور ومنها أنه لم يقع التأسيس الفعلي للهيئات الدستورية وكذلك المحكمة الدستورية التي مثل غيابُها خللا في اتجاه التأسيس للجمهورية الثانية وحماية الديمقراطية وضمان الحقوق. من يتحمّل المسؤوليّة في هذا الخلل الجسيم؟

المسؤولية مشتركة، ولكن إذا قامت الحكومة بالمبادرة التشريعية وأصدرت مشاريع قوانين وأحالتها إلى السلطة التشريعية فهذه الأخيرة لها المسؤولة القانونية الأساسية. أما عن المسؤولية السياسية فهي مشتركة، لأن الحكومة مكونة من أحزاب لها نواب في المجلس فمن المفروض أن تكون الأحزاب الحاكمة ونوابها متناغمين وعندهم أولويات كانتخاب أعضاء الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية، وهذا ما يفرضه المنطق السليم، لكن التجاذبات السياسية وحداثة التجربة التونسية كان لها أثرها، إضافة إلى إرادة بعض الأطراف السياسية في أن تكون مهيمنة على هذه الهيئات ولها وزن كبير أو أنها تعطل تأسيسها. ونتمنى مع الحكومة الجديدة أن ننجح في إيجاد حد كاف من الانسجام بين الجانب الحكومي والبرلماني لكي ينطلق التأسيس.

ما هي كلفة غياب المحكمة الدستورية في مجال حماية الحقوق والحريات؟

غياب المحكمة الدستورية خلل كبير في البناء القانوني والسياسي للدولة التونسية لأنها مؤسسة عماد من أعمدة الدولة الديمقراطية التي أردناها. وهي التي تفصل في النزاعات التي يمكن أن تحدث بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، ولها سلطة تفعيل قرار منع رئيس الدولة من مواصلة مهامه، وتنظر خاصة في دستورية القوانين. فبإمكان المواطنين الذين لهم قضايا منشورة أن يحيلوا الملف إلى المحكمة لتقول مثلا أن هذا القانون لا يطبق وإذا حكمت بعدم تطبيقه يصبح حكمها عبارة على قانون، لهذا هي هامة جدا في مؤسسات الدولة الديمقراطية، وهي سلطة مستقلة تماما على الحكومة وتمارس مهامها كسلطة تشريعية وأقوى حتى من بقية السلط لأنها تشرف على دستورية القوانين في البلاد، ولغيابها كُلفة. وحتى على المستوى الشخصي فلقد كنت مترشحا للمحكمة ولم أحض بقبول الأغلبية المطلوبة في مجلس النواب، وأعتقد أن هنالك اليوم محاولة التوافق بين الكتل حول ثلاث أسماء وبعد ذلك نمر إلى مجلس القضاء ورئيس الجمهورية. فيبدو أن الوعي حاصل لدى هذا المجلس الجديد بضرورة هذا الأمر، وقد حدد روزنامة ولكن ألغتها أزمة كورونا حيث أن الجلسة الأولى كانت في 19 مارس، واليوم عادوا لفتح الباب لتأسيس المحكمة وانتخاب كوتا مجلس النواب، ونتمنى أن يحدث هذا. كل الأطراف التي تحترم الدستور تطالب بها.

من عطّل لا يحترم الدستور، ومن له مصالح في تعطيلها؟

التعطيل في المجلس النيابي حاليا.

هنالك أطراف كانت في المجلس النيابي في المدة النيابة الفارطة ومازالت فيه، ولم تدفع في اتجاه انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، والتفاؤل الذي قدمته قبل قليل هل هو في محله وأن هذه الأطراف ستمضي فعلا في حلّ الإشكال وإرساء المحكمة الدستورية؟

عندما تشاهد ما كان مؤخرا في البرلمان يجعلك تتشاءم ولا تتفاءل فالأطراف السياسية المكونة للائتلاف غير متفقة فما بالك ببقية الأطراف. لكن في نفس الوقت عندما تنظر إلى ضرورة محكمة دستورية اليوم والوعي الذي عبرت عليه جميع قيادات الأطراف السياسية فإنه ليس لها إلا الاتفاق على أعضاء المحكمة فالتفاؤل له ما يبرره وهو محكومة بضرورة ذلك وأنه ليس لهم إلا أن ينجحوا.

هل بدأ العمل على إيجاد آلية دائمة للتنسيق مع المجتمع المدني؟ خاصة فيما تعلق بإصلاح التشريعات وملاءمتها مع المنظوم الدولية لحقوق الإنسان.

هنالك تواصل دائما، وهنالك عدة آليات متوفرة حاليا.هنا سأحدثك عن مسألة تلاؤم القوانين فهنالك لجان مفتوحة للمجتمع المدني، لكن دور المجتمع المدني أن يكون مستقلا للضغط وألا يرتبط بأي سلطة، فحينها إن لم يفقد كل استقلاليته فإنه سيفقد جزء منها ولا يستطيع العمل بحرية،

فكلما كان مستقلا كان أفضل له ولو كانت الإمكانيات أقل، فمن الممكن لو أعطيك الكثير من الإمكانيات أن أُصبح متحكما بك.

بالنسبة إلى النقطة التي أشرت إليها والمتعلقة بالتلاؤم بين الدستور والمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، فبالفعل لدينا عدد كبير من القوانين التي لم تعد متلائمة مع الدستور ومن المفروض أن تبدأ مراجعاتها على مستوى مجلس النواب لتنقيحها لتلائم الدستور، وفي نفس الوقت تلائم الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس بصفة طوعية، لهذا تم إنشاء اللجنة الوطنية لملاءمة القوانين مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، صلب الوزارة، وهي لجنة رسمية صدرت بأمر من رئيس الحكومة السابق السيد يوسف الشاهد. وقد تكوّنت اللجنة وبدأت نشاطها وتمثّل فيها عدد من الوزارات وممثلي المجتمع المدني، ودورها أن تضع أولويات وتقوم بجرد للقوانين غير الملائمة للدستور، وتحدد الأولويات لإعداد مشاريع قوانين ولتنقيح قوانين. وقد أنجزت اللجنة ندوتين في فيفري وبداية شهر مارس وتوقف نشاطها بسبب الأزمة الصحية، وستستأنف نشاطها خلال أسبوع.

وفعلا إذا لم تتم ملاءمة القوانين مع التعهدات الدولية ومع مبادئ حقوق الإنسان التي نؤمن بها، بعد الثورة بعشرة سنين، فهذا نقص كبير. ولهذا فبالنسبة لي على المستوى السياسي في الوزارة فإننا نمضي في هذا ونركز الاستشارات الواسعة مع المجتمع المدني والأطراف المعنية في كل مجال، ثم نعد مشاريع تنقيح قوانين أو إعداد مشاريع قوانين جديدة ونحيلها على مجلس الوزراء لكي تمر بعد ذلك إلى مجلس النواب.

هنالك قوانين أعدتها الوزارة ولم ترفع إلى مجلس النواب على غرار قانون الأحزاب وقانون الجمعيات.

هذه المرة ستمر، وقانون الأحزاب موجود على مستوى مجلس الوزراء قبل هذه الحكومة. أما بالنسبة للجمعيات فهنالك قانونين أحدهما يهمّ تمويل الجمعيات، بما في ذلك التمويل العمومي، لضمان الشفافية، وقانون إحداث منصة إلكترونية لتسجيل الجمعيات حتى يصبح مبسطا أكثر. وتعطل الأمر بسبب أزمة كورونا، حيث قررنا على مستوى سياسي أن كل الجهود نوجهها لمجابهة هذه الأزمة.

وما هي أهمّ البرامج التي اشتغلت عليها الوزارة خلال هذه الأزمة؟

عملنا على مساعدة عدد كبير من المهاجرين، وخاصة من جنوب الصحراء، والذين يعملون خاصة في مجال الخدمات، كمعينات منزليات وفي المقاهي والمطاعم وحتى في القطاع الفلاحي، وليس لهم وثائق أو عقود كراء المنازل التي يسكنونها. ولقد عقدت اجتماعا مع السيد وزير الداخلية وصدر قرار رسمي، ولأول مرة من الحكومة التونسية، بتعليق الآجال في كل ما يتعلق بشهادة الإقامة والأوراق الثبوتية للأجانب في تونس ورفع المراقبة عليهم خلال الأزمة، فالمهم صحة الناس في تلك الفترة، وهذا ما مكنهم من الخروج من أجل الحصول على الإعانات أو التسجيل في قائمة والاتصال بالأقارب. وقمنا بنفس المجهود مع الطلبة الأفارقة وعددهم في تونس وعددهم 7000 طالبا من جنوب الصحراء فتم توفير الاعانات وابقاؤهم في المبيتات الجامعية بالاتفاق مع وزير التعليم العالي ومع وزير التكوين المهني. كما اعتنينا باللاجئين وطالبي اللجوء، وعددهم في تونس أكثر من 4000، وهم من جنوب الصحراء ولكن أيضا من سوريا ودول أخرى وهؤلاء أيضا عاشوا وضعية صعبة أثناء الأزمة وركزنا جهدنا في تحسين ظروف الإقامة وتوفير المواد الصحية والمواد الغذائية بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية واتحاد الضمان الاجتماعي.

ويهمني أن أشير هنا إلى ما نلاحظه من تعامل عنصري مع المهاجرين من جنوب الصحراء، وهو أمر لا يليق بنا ويناقض مبادئنا وأيضا غباء سياسي فنحن ننوي العمل معهم مستقبلا ولا يجب معاملتهم بشكل سيء.

نحن لم نضع قانونا وطنيا للجوء والهجرة، ونفتقر إلى سياسات واضحة.

هذا صحيح فقط لو تركتني أكمل حديثي، حدثتك عن مهاجرين غير نظاميين وهنالك طلبة وجودهم قانوني إضافة إلى اللاجئين وطالبي اللجوء ليس للدولة استراتيجية في هذا المجال، رغم بعض المبادرات التي لم ترتق إلى سياسات ومشاريع واضحة.

وجب وضع استراتيجية وطنية في علاقة بالهجرة الوافدة، وحتى عندما وجدت كتابة دولة للهجرة فإنها وجهت أساسا لخدمة المهاجرين التونسيين، ويجب تدقيق الإحصائيات حيث أنه ثمة من يقول أنه بيننا 20 ألف من المهاجرين غير النظاميين الوافدين من افريقيا جنوب الصحراء وثمة من يقول 40 ألف مهاجر غير نظامي وكيف نتعامل معهم في المستقبل؟

سيدي الوزير وكأننا الآن نتحدث عن دولة أخرى؟

فعلا ليس لدينا إحصائيات، ومن البلديات من اكتشفت العدد الكبير أثناء الأزمة وعند تقديم الإعانات، فمنها من كانت تتوقع حضور مائة فحضر خمس مائة وعدد كبير منهم من النساء والأطفال وهذا يضاعف المسؤولية. وبالنسبة لي، من ضمن الاستنتاجات في هذه الأزمة أنني سأعمل على جرد للواقع وبالتعاون مع المنظمات الدولية، هذا إضافة إلى قانون اللجوء ويجب العمل على المشروع ليكون ملائما للالتزامات الدولية ونحيله إلى السلطة التشريعية، وهذا ما أقدمه على مستوى معنوي لأن التنفيذ يبقى صعبا.

المجال الآخر الذي اشتغلنا عليه أثناء الأزمة، هو أنه تكونت على المستوى الحكومة لجنة وطنية لجمع وتوزيع التبرعات في أكثر من 290 مدرسة ابتدائية تشمل أغلب المعتمديات. وكونت الوزارة 1600 متطوعا وهم أفراد أو منتمين إلى جمعيات ويعملون داخل المدارس الابتدائية فيقومون بجرد الإعانات وينظمونها ثم يساهمون في التوزيع، إلى جانب 500 منسق بمعدل 2 على كل معتمدية ثم على مستوى الولايات. وكان على المستوى المركزي فريق بستة أشخاص وهذا الفريق هو الذي نسق عمل المتطوعين طيلة الأزمة.

واليوم لدينا خزان من شباب متطوع وله تجربة ودون أن يكون تابعا لحزب أو أي جهة أخرى، فقط هو تابع للدولة التونسية وفخور بذلك.

حسب متابعتنا فإن أغلب هؤلاء الشباب ينتمون إلى جمعيات مدنية محلية، وهذه الجمعيات طالبت بعدم ادراج الجمعيات في القانون الخاص بالسجل الوطني للمؤسسات، وقد وعد الأستاذ فاضل محفوظ بسحبها وطالب بذلك المقرر المعني بحرية التنظم لدى الأمم المتحدة، هل ستلتزمون بما وعد به سلفكم؟

من المفروض عندما توضع المنصة الوطنية لتسجيل الجمعيات ستتنظم العملية، وحاليا هنالك اتفاق سياسي لدى الحكومة الحالية لعدم متابعة الجمعيات بالسجل الوطني للمؤسسات في انتظار صدور القانون الخاص بالجمعيات.

متى سيصدر هذا القانون؟

نحن سنحيله إلى مجلس النواب، فالأمر موكول للسلطة التشريعية، وبالنسبة لي سأتثبت إن لم يكن للمجتمع المدني أي إشكال مع مشروع قانون المنصة الالكترونية للجمعيات، ومبدؤنا أنه كلما وضعنا نص تشريعي يهمّ طرف معين إلا وتشاورنا معه، وليس بالضرورة أن نأخذ رأيه مائة بالمائة، ولكن علينا الاستماع إليه، وعندي مواعيد مع الخبراء للنظر في الملاحظات التي وردت على المشروع من مختلف الوزارات فعندما نتقدّم في مشروع القانون يمكنني الدفاع عنه في مجلس النواب.

سحبت الحكومة مشروعها بخصوص هيئة السمعي البصري فهل ستدعم مشروع الهيئة الحالية المدعوم من المجتمع المدني ويقع تقديمه باعتباره مشروعا مشتركا بين كل الأطراف؟

سحب مشروع الحكومة السابقة كان مطلب عدد من الفاعلين في قطاع الإعلام، وحال تولي هذه الحكومة عبرت شخصيا وعلنيا على سحب مشروع الحكومة ثم كانت لي جلسة مع السيد نوري اللجمي والسيد ناجي البغوري، وعطلت أزمة كوفيد المسار. وثمة مشروع قانون تمت فيه الاستشارات الوجوبية وصادقت عليه النقابة، وكما قانون المنصة ينقصني استشارة بقية الأطراف لأنو ليست الهايكا والنقابة فقط معنيين.

هل كانت لكم اتصالات بالاتحاد العام التونسي للشغل وأساسا النقابة العامة للإعلام؟

ليس بعد، ولكن سنستشير كل الأطراف وسنعمل على عرضه على مجلس الوزراء وإحالته على البرلمان ونعتقد أنه لا يجب الإبطاء في تقديمه.

في التشريعات المتعلقة بالصحافة، هنالك الـ 115 والـ116 ولكن أيضا ترسانة كاملة من القوانين المتعلقة بالصحافة التي يجب تغييرها على غرار فصول في المجلة الجزائية ومجلة الاتصالات تمس بحرية الصحافة، حيث أن إحالات كثيرة لا تكون باعتبار قانون الصحافة ولكن القانون الجزائي. إضافة إلى أننا نلاحظ الآن هجمة على قطاع الإعلام من قبل جهات سياسية، فكيف يمكن للسلطة التنفيذية أن تحمي هذا الحق وأن تنأى به عن التجاذبات السياسية ومحاولات التوظيف؟

يكون هذا باحترام مبادئ الدولة الديمقراطية واحترام القانون وتعزيز الحريات في القانون وتمكين المعنيين بالأمر كالنقابات والهيئة من آليات العمل وتوفير الظروف الملائمة، ولكن لا يمكن أن نتدخل فيما يفعل هذا أو ما يقول ذاك.

وتنفيذ الأحكام من مسؤولية السلطة التنفيذية! فعندما تصدر أحكام عن هيئة السمعي البصري تمتنع السلطة التنفيذية عن التنفيذ.

هذا من الأشياء التي كنا ننتقدها قبل أن نكون في هذا المنصب، وجميع الوزراء في هذه الحكومة سيتجهون إلى هذا فنقوم بجرد اليوم لجميع القرارات والأحكام الصادرة ولها قوة باتة وهي غير منفذة والسيد رئيس الحكومة يقوم بهذا مع كل الوزارات.

هل سيقع التنفيذ على القنوات غير القانونية؟

سيقع تنفيذ الأحكام التي أصبحت باتة، بما في ذلك القرارات الصادرة عن الهيئة، هي هيئة شرعية، ولا يمكنني القول أن هذا الأمر سيتم غدا، ولكن هذا الأمر تحدثنا فيه مع رئيس الهيئة وأكدنا له أننا سنذهب في هذا الأمر بصفة تامة واتفقنا على إجراء لوضع الأمر على الطاولة

الائتلاف الحكومي فيه أطراف كانت مشاركة في الحكومة السابقة التي لم تنفذ ومازالت موجودة اليوم في حكومة فيها وزراء ينوون التنفيذ، هل يمكن أن يكون هنالك تعطيل من جديد؟

ليس تعطيل، تعرف ما هي الديمقراطية؟ الديمقراطية هي قيم كالحرية والكرامة وآليات كالانتخابات وميزان قوى.

ميزان قوى! هنالك قنوات عندها كتل نيابية ووزراء.

دعني أنهي، يمكن أن تكون متبنيا للقيم ووضعت الآليات ولكن ميزان القوى يجعل طرفا ما دائما هو المسيطر، هذا الطرف يمكن أن يقضي على القيم والآليات وهذا من طبيعة البشر فالإنسان عندما تكون لديه سلطة يميل إلى التعسف.

إذا لا يكفي أن توفر قيما وآليات بل وأيضا ميزان قوى، والضعيف لا يجب أن يقبل كل شيء لأنه كذلك بل يجب أن يرفض… يقبل المهادنة والمخاتلة ثم يبيع نفسه!! فلا يجب أن تسهم فيما هو ضد مبادئك.

ونعتقد اليوم أن الوضع يسمح لتنفيذ ما التزمنا به، ومن ضمن تعهداتنا تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة.

لاحظنا أن أزمة كورونا كشفت أكثر فأكثر التفاوت بين الفئات والجهات. وما يراد هو أن تكون هنالك حكومة لها إستراتيجية للعدالة الاجتماعية ويمكن للتونسيات والتونسيين أن يصبروا على هذا الحكومة. ولكن لا نلاحظ وجود إستراتيجية واضحة للكرامة كحق. وهنالك قوى نفوذ هي التي تهيمن وتضمن مصالحها على حساب حقوق الفئات الأقل حظا.

سأجيبك على مستويين: مستوى الحكومة عامة ثم على مستوى العمل في هذه الوزارة. على مستوى الحكومة فثمة وثيقة التعاقد التي على أساسها جئنا للحكم والتي سهر عليها بصفة خاصة رئيس الحكومة الياس الفخفاخ. فإضافة إلى القيم والآليات، سمح ميزان القوى بالتوجه الاجتماعي والحقوقي والتوازن بين الجهات ومقاومة البطالة ودعم الفئات الهشة إلخ.. فحينما بدأت أزمة كورونا وفي ظرف أسبوع واحد تقرر وبدأ ضبط العائلات المعوزة وتوزيع المنح التي استفاد منها أربعة ملاين مواطن، وهذا لم يكن ليتحقق لولا وجود قرار سياسي ووعي بالجانب الاجتماعي.

بالنسبة للإستراتيجية، أكدنا أنه لنا أولويات عاجلة ومخطط كبير، فالأولويات أكد عليها رئيس الحكومة مرات وهذا ما نمارسه على المستوى العاجل. في المستوى المتوسط هنالك فرق عمل بدأت العمل وقلنا أنه في ظرف سنة ستكون هنالك ستة أو سبعة إصلاحات كبرى وفي كل وزارة هنالك فريق عمل سيضع مخططا لإصلاح القطاع الذي يعنيها على مدى خمس أو ستة سنوات.

هل هنالك تقدم في هذا الاتجاه؟

مازلنا في بعض الإجراءات العاجلة.

هل هنالك مشاريع أو دراسات جاهزة طالما نتحدث عن استمرارية الدولة؟

لسنا منطلقين من الصفر، وأصدرنا مراسيم في علاقة بهذا التوجه وفي آخر هذا الشهر يقدّم رئيس الحكومة مخططا بخصوص الأولويات ويعلن على إطلاق الفرق بعلاقة بالإصلاحات الكبرى.

وهنا أوجه بعض النقد إلى زملائي الذين سبقوني في هذه الوزارة، ولكن دون لوم، فلو سمينا هذه الوزارة وزارة حقوق الإنسان المدنية والسياسية يكون الاسم صحيح نظرا لغياب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهي في الحقيقة ليست غائبة نهائيا، فالوزارة تعمل مع بقية الوزارات المعنية ولكن بأقل مما تطلبه الحاجة، وبعد 10 سنوات عن الثورة وقد حققنا مكاسب على مستوى الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الفردية ويجب تعزيزها والانتباه ألا نتأخر فيها والعمل على دعم المجتمع المدني في هذا المجال.

والمجال الثاني هو ملائمة القوانين للمنظومة الدولية، وهو أمر يمكن أن يدوم شهرا كما يمكن أن يدوم خمس سنوات. ولكن علينا أن نعمل على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ونقوم بجرد للجمعيات المعنية وتأمين اللقاءات على مستوى قطاعي وجهوي والبحث على مشاريع وتوفير تمويلها، والدفع حتى يقتنع المواطن التونسي أن حقوق الانسان مسألة مهمة ومفيدة له ولا تهم فقط نخبة معينة.

ما تحدثت عنه في علاقة بجائحة كورنا مهمّ، لكن المنح التي اسندت كانت الخيار الوحيد للحكومة وليست فضلا. كما أن المنظمة الشغيلة كانت المبادر بالتبرع بيوم عمل فكان أن ساعد الفقراءُ الفقراءَ وليست الدولة وحدها من تحمل المسؤولية. من ناحية أخرى كان خطاب السيد رئيس الحكومة لصالح مؤسسات لم تلتزم في الكثير منها باتفاقية 14 أفريل. للدولة المسؤولية ولكن حتى في الأزمة فإن الفئات الأكثر فقرا لم تتمتع بإجراءات أكثر عدالة، فكيف يمكن ارساء استراتيجية وطنية للعدالة الاجتماعية؟

أحيانا وخلال “مصيبة” يمكن أن تجد اشياء ايجابية، فلقد مكنتنا الأزمة من معرفة الأرقام الحقيقية، فثمة أكثر من 200 ألف لم يكونوا في الاحصاء وليست لهم أي بطاقة ضمان أو هم مسجلين أصلا ويعيشون في الاقتصاد الموازي. وقد تم اقحامهم في القائمات.

وعندما تقول أنه لم يقع اتخاذ لفائدة الفئات الضعيفة فلا أوافقك في هذا، ولكن عندما تقول أن عندنا فقراء أقول أن هذا الأمر صحيح ويجب أن نراجع النظام الضريبي

الطبقة الفقيرة هي التي تدفع الضرائب

ثمة طبقة وسطى.

أصبحت الآن فقيرة

الأستاذ والممرض والمعلم ليسو من الطبقة الفقيرة

هم قاربوا الفقراء

المهم أن نظامنا الضريبي غير عادل والأجراء هم من يدفع الضريبية والآخرون لا يدفعون. والأثرياء جدا متهربون أصلا، ولكن أيضا “الطبقة الوسطى العليا” كالمحامين والأطباء فالمطلوب منهم المساهمة أفضل ومطلوب وضع نظام ضريبي أكثر عدالة.

يهمنا أن نتحدث عن فئة اجتماعية أخرى، وهي فئة ذوي الاعاقة، فوزارة الشؤون الاجتماعية لا تحصي إلا من لهم بطاقة وليس لهؤلاء نفاذ لا للتشغيل ولا للصحة والتعليم. هل من برامج لحماية حقوق ذوي الاعاقة؟

هذا الأمر في مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية، ونتواصل في وزارتنا هذه مع جميع الفئات والأطراف للبحث في حلول ولكن البرنامج في وزارة الشؤون الاجتماعية فهي المعنية مباشرة ووزارة حقوق الانسان هي وزارة شاملة فهي تدفع أن تفعل كل الوزارات، عمل حقوق الانسان في ميدان معيّن وتعزز المجتمع المدني في ذلك المجال.

لم توضع الآليات الكافية لإنفاذ للقانون 58/ 2017 الذي يتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، وقد تعززت كل أنواع العنف على النساء، ومنها العنف الاقتصادي، كيف لنا أن نضع آليات ونحمي النساء وثمة عاملات لم تتمتعن بأجرهنّ، ومن هنّ من طردن ولم تلتزم مؤسسات باتفاق 14 أفريل؟

يجب أن نفعّل جميع القوانين حتى تأخذ جميع الأطراف حقوقها، ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن نُسأل ونحن نخرج من أزمة صحية، ماذا فعلنا في هذا؟ نحن نعد برامج ونتصل ببقية الأطراف ومع المجتمع المدني كي ندفع نحو تحسين الوضع. والحكومة ساعدت المؤسسات حتى لا يطرد العمال.

لكن ثمة مؤسسات أخذت المساعدات وطردت العمال ولم تعطهم/ن حقهم، كيف سنتصرف؟

هذا موجود ولا ننكره، ولكن في نفس الوقت لو لم تساعد الدولة لكان ثمة طرد كبير للعمال والدولة دعمت لخلاص جزء من أجور العمال.

ووضعنا اليوم على المستوى الاقتصادي، حسب المختصين الذين نتواصل معهم، سيء جدا وقادمين على أزمة لا نظير لها في تاريخ تونس الذي نعرفه، واكتشفنا أن ديوننا في الواقع أكثر بكثير مما نعلم، فثمة ديون لم تكن مدرجة في الميزانية وهذا يعود إلى الطريقة المعتمدة في المحاسبة العمومية.

انضاف إلى هذا أزمة كفيد بإغلاق الاقتصاد والآن نحن أمام صعوبة ارجاعه، وسينجر على كل هذا خروج عدد كبير من سوق الشغل.

فنحن قادمون على أزمة كبيرة وتعبئة الموارد ليست بالمسألة السهلة ولا نريد أن نبقى دائما في الاقتراض ولكن يجب أن تكون مساهمة الأكثر غنى أكبر.

ارتباطا بمسألة الحقوق الاقتصادية للنساء، هل تعبر أن المساواة في الميراث يمكن أن تكون أحد المداخل لحماية حقوق النساء؟

أنا أؤمن أن المساواة في الميراث واجب، وأن هذا طبيعي في إطار المساواة بين الناس بما في ذلك بين المرأة والرجل، والمبدأ هو المساواة.

وهل تدافع على مجلة الحريات والحقوق الفردية؟

ليس هنالك مجلة للحريات والحقوق الفردية.

بل يوجد مشروع.

من الممكن أن يكون ثمة مشروع، لكن بالنسبة إلى مسألة المساواة في الميراث أساسية. فأنا أدافع عليه وأتمنى أن يكون موجودا وأنا أمارسه وهذا من الحقوق الأساسية وهي المساواة وهذا من المفروض ألا يخلق اشكالا، وعلى مستوى الحكومة ليس هنالك اشكال

هل سيكون لهذه الحكومة رأي في مسألة اصلاح منظومة التعليم؟ ومن نتائج تعطل المشروع أن هنالك تقريبا 110 آلف طفل يغادرون مقاعد الدراسة كل عام، وهذا يعتبر خزانا للعنف والارهاب. كيف يمكن أن نحمي الحق في التعليم الذي هو حق أساسي والذي بغيابه يفقد الطفل حقوق أخرى مثل الحق في الصحة والرعابة وغيرها؟

أولا يجب أن تكون لوزارة التربية ميزانية كافية. والمشكل من أين سنأتي بهذه الميزانية!. وتعرف أن عددا من المعلمين والأساتذة الذين وقع تكوينهم ليكونوا مختصين في التعليم، وليسوا فقط حاملي الاجازة، يتقاضون أجرا اليوم كنواب وهذا يجب أن يحل على مستوى وزارة التربية، لكن على مستوى وزارة حقوق الانسان فالإضافة التي يمكن أن نقوم بها أن نساهم في اعداد البرمجة حتى تكون حقوق الانسان مدرجة بشكل متواصل من السنة الأولى ثانوي إلى آخر سنة.

هنالك فرص كثيرة ضاعت، كيف يمكن لنا أن نتدارك من أجل حماية المكاسب في مجال الحقوق والحريات وتعزيزها؟

على قدر الفرص التي ضاعت فإنه ثمة فرص ممكنة اليوم لتعزيز حقوق الإنسان وتعزيز مبدأ المساواة والكرامة وما علينا إلا نعمل معا، ولدينا مجتمع مدني تحسدنا عليه بقية الشعوب، وعلينا إلا أن نوفر له الضمانات والظروف ليقوى أكثر ويعمل أكثر، ولكن دور الدولة أيضا أن تكون لها سياسة لتعزيز هذه الحقوق، وبالنسبة لي وجب الحفاظ على الحقوق المدنية وتعزيزها، والعمل كذلك على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإعانة المواطنين داخل الجمهورية لفهم أنّ حقوق الإنسان تفيدهم في حياتهم اليومية وليست أمرا على مستوى الشعارات.

Skip to content