حوارات

تونس هبة مجتمعها المدني والحقوقي …

يسرى فراوس رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات

يسرى فراوس
حوار محمد سفينة
صحفي

على مدى عقود من الزمن وحتى في أحلك الفترات السياسية في تونس ظل المجتمع المدني والحقوقي قوة فاعلة في المجتمع وحركة مقاومة قادرة على التغيير من خلال منظمات وجمعيات قدمت الكثير من المكاسب للتونسيات والتونسيين حول محاور نضالية عدة في طليعتها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي ظلت على مدى ثلاثة عقود تقاوم من اجل المساواة بين الجنسين دون تمييز كأساس للديمقراطية وللدولة المدنية، حول الواقع المدني والحقوقي في تونس اليوم كان لنا هذا الحوار مع رئيسة الجمعية يسرى فراوس .

كيف تقدمين الحركة المدنية التونسية؟

في المطلق يقال أن مصر هبة النيل وأعتقد أن تونس هي هبة مجتمعها المدني والحقوقي تحديدا، ومنذ سنة 2011 الى الان ارتفع عدد المنظمات والجمعيات في تونس وقد غير هذا الارتفاع العددي نوعيا في العمل الجمعياتي والمدني، بمعنى أن هناك جمعيات تاريخية مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والرابطة التونسية لحقوق الانسان وغيرها قد كافحت من أجل البقاء ومثلت تاريخيا حصن الدفاع عن الحريات وعن المجتمع عرفت مع اتساع هامش الحرية بفضل الثورة انتقالا سلسا من ناحية نحو صدّ هجمات التشكيك في شرعيتها ومطالبها التاريخية والثورية والنضالية التي رافقت صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم إبان الثورة وأثبتت قدرتها من ناحية أخرى على التأثير في الواقع والسياسات والتشريعات وعلى التجذر من أجل بناء ديمقراطي حقيقي ومن ناحية ثالثة عملت على التأقلم مع المتغيرات الجديدة والطفرة العددية في الجمعيات لتساهم في تحول نوعي للمجتمع المدني كقوة ضغط واقتراح على أسس كونية حقوق الإنسان الأمر الذي ساهم في تعزيز وبروز لاعبين جدد في الحقل الحقوقي واليوم يعترف الجميع بأهمية جمعيات تأسست بعد الثورة ولا نتصور العمل الحقوقي بدونها، من ضمنها على سبيل الذكر لا الحصر جمعية البوصلة وأنا يقظ وغيرها. 

بصفة عامة يمكن أن نقول أن مميزات المدني اليوم هي التعدد، الانفتاح، المشروعية النضالية، طبعا مع وجود تحديات كبرى تتعلق  أساسا بانحسار فضاء المجتمع المدني بفعل القوانين التي تحاول أن تمس من حرية التنظم وهناك نداءات متكررة منذ سنوات لتغيير الاطار القانوني أي المرسوم عدد 88 لسنة 2011 تحت مسميات مكافحة الارهاب ثم قانون الارهاب لسنة 2015 وهو أيضا محاولة للنيل من فضاء المجتمع المدني، ثم القانون عدد 52 لسنة 2019 الذي يجبر منظمات المجتمع المدني على التسجيل في نفس السجل الذي توجد فيه المنظمات والمؤسسات ذات البعد الاقتصادي،

وكلها محاولات لإرباك فكرة العمل التطوعي والنضالي لأننا عندما نرى العقوبات الزجرية السالبة للحرية التي تتكبدها الجمعيات اذا لم تحترم مثل هذه  النصوص القانونية فإنها مهددة دائما بالغلق وبالتالي هناك الآن تحديات كبرى وهي الحفاظ أولا على الديمومة القانونية لحرية الجمعيات واحترام حرية العمل المدني وهناك التحدي الأكبر وهو الرؤية  المشتركة لكافة المنظمات المبنية على ترابط الحقوق وعدم تجزئتها وعلى الاستقلالية عن دوائر الحكم والقطع مع الزبونية لأي جهة كانت بما في ذلك دوائر التمويل مع احترام خصوصيات كل طرف لكي يلعب كل دوره على الميدان.

ما هي أولويات الحركة المدنية التونسية في ظل الراهن السياسي الحالي؟

السياق الذي تمر به بلادنا هو سياق عودة اليمين للتمترس في السلطة بشقيه سواء من بقايا نظام الاستبداد أو كذلك الشق الديني ولأنهما يلتقيان بسهولة عكس ما يروج له فالمرحلة تنبئ بجولة جديدة من التضحية بالمشروع المجتمعي الذي نطالب به أي مجتمع الحريات العامة والفردية والمساواة التامة بين النساء والرجال والديمقراطية العادلة مما يعني كذلك أننا مهددون بتواصل سياسات التفقير والتهميش والتي تسقط بثقلها على أكثر الفئات الاجتماعية هشاشة  أي النساء والشباب بالتالي فإن الأولوية الكبرى بالنسبة للمجتمع المدني بصفة عامة هي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وإعادة النظر في المنوال التنموي للقطع مع المديونية والاحتكار والتهريب واقتصاد الريع والتهرب الجبائي.

الرهان الثاني يتمثل بلا شك في المحافظة على دستور 2014 وتجسيده خاصة وأن الهجمات على الدستور قد خرجت من الاستهداف الفردي الى الاستهداف المؤسساتي فقبل تفعيله سواء بإصلاح النصوص المخالفة له كالمجلة الجزائية أو مجلة الأحوال الشخصية المخالفة كليا اليوم لباب الحقوق والحريات في الدستور أو كذلك بتركيز المؤسسات التي أحدثها منها المحكمة الدستورية تتعالى أصوات الخبراء بل وحتى مؤسسات كفل الدستور تواجدها في السلطة اليوم من أجل تعديله وهو أمر مقلق للغاية لأننا نشعر بهشاشة المرحلة بانتهاج سياسات وإطلاق خطابات الورقة البيضاء والعود على البدء بعد مسار مضن كلفنا سنوات من النضال وشهداء ومقدرات مالية هامة. هذا المنطق ينسف إمكانية استمرارية الدولة حيث يظن كل طرف أن فوزه بالانتخابات يجُبُّ ما قبله بما في ذلك ثوابت الجمهورية الثانية من حرية وكرامة ومساواة وعدل.

الموضوع الثالث وهو مهم جدا بالنسبة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات هو ملف العدالة الانتقالية وقد كنا من المتضررات كجمعية من الاستبداد وعانينا القمع والحصار والهرسلة وكذلك لدينا ملفات نساء ضحايا النظام السابق وتقدمنا بها لهيئة الحقيقة والكرامة. الملف لا يزال متعثرا وبشكل ممنهج. من المخزي اليوم أن نرى القوى التي ثار ضدها الشعب التونسي قد عادت الى الساحة من جديد بذات الخطاب وذات العنتريات. اليوم أصبح موت أحد جرحى الثورة لا يثير اكثر من امتعاض بعض الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي ويحرك بعض الاجتماعات والزيارات الرسمية بينما كل الأطراف السياسية تقريبا صامتة أمام هذا الخذلان اليومي لجرحى وشهداء الثورة. هذا الى جانب أن المحاكمات التي تجري أمام الدوائر المختصة في العدالة الانتقالية والتي تتحول تدريجيا إلى محاكمات صورية إذ لا نرى المتهمين والجلادين يقفون أمام المحكمة ويحاسبون فندرك أنه ثمة عطب كبير في مسار العدالة الانتقالية. ضف إلى ذلك أننا بعد تسع سنوات من الثورة لا نملك قائمة رسمية ونهائية منشورة لشهداء وجرحى الثورة وهي محاولة لتأجيل الأزمة وتمييع التاريخ. اليوم من واجبنا الالتفات إلى الملف بالكثير من الحزم  ومن الضروري أن نواصل مسار العدالة الانتقالية بما في ذلك من خلال نشر تقرير هيئة الحقيقة والكرامة وكذلك متابعة توصياته من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية فربما يساعد ذلك على إعادة الاعتبار للضحايا وإنصافهم ولعل ذلك يخمد الصوات الناعقة لتقزيم المنجز التونسي أي الثورة ضد الاستبداد والفساد.

لماذا تراجع فعل المجتمع المدني في تونس رغم تصاعد وتيرة الانتهاكات التي من المفترض أن تواجه بحراك مدني قوي؟؟

هناك مغالطة كبرى في بلادنا يتم الترويج لها منذ سنوات وهي العمل على تداخل الادوار وتوزيع المسؤوليات وتراشق التهم. فالسلطة اليوم  تمرر قانون المصالحة وتحاول توسيع مدى هذا القانون حيث كان هناك في السنة الفارطة مشروع لجعلها مصالحة شاملة، كما أنهم يرفضون منذ 2011 أي شكل من أشكال تحصين الثورة حيث قبلوا بالمناشدين على رأس المؤسسات والوزارات ويعينون رموز الفساد والاستبداد ويطبعون معهم ويقايضون الملفات بينهم وبعد ذلك يطالبون المجتمع المدني بعكس ما يفعلون وبأكثر مما يسمح به دوره كقوة رقابة وضغط واقتراح  مع حملات التشكيك التي تقودها بعض الأحزاب ضد المنظمات والجمعيات الوطنية ونحن في جمعية النساء الديمقراطيات نتعرض منذ 2011 لأقذر التشويهات دون أن نرى مساندة من طرف سياسي أو من سلطة  وطبعا دون تحرك جدي لوقف حملات التشويه والمغالطة تلك. هم لا يتذكرون المجتمع المدني إلا حين يتم استهدافهم في ضرب من التعامل الانتهازي فيحاولون توظيفه لفائدتهم أو استمالته أو كذلك تحميله مسؤولياتهم وهنا لا يفوتني التذكير بعدد النساء ضحايا العنف اللائي ترسلهن لنا مختلف المؤسسات العمومية لنتكفل بالإنصات والتعهد النفسي والاجتماعي والقضائي باعتبار أن الدولة لم توفر بعد مراكز التعهد بهن مثلما يقتضيه القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة وكذلك أضرب مثالا آخر عن التفصي من المسؤولية فبموت العاملات الفلاحيات في شاحنات الموت في سيدي بوزيد كان لوزيرة المرأة تصريح غير مسؤول قائلة بأن الدولة غير مسؤولة عن الحادث وأن المجتمع المدني تراجع وكأن هذا الأخير هو الذي يضرب يوميا مرفق النقل العمومي.

كيف يمكن التأسيس لحركة مقاومة مدنية من أجل حماية الحقوق والحريات؟

المجتمع المدني التونسي له ميزة خاصة ومهمة  مقارنة بالحركات المدنية والحقوقية الاخرى في المنطقة العربية وهو أنه مجتمع مدني قصووي، بمعنى أنه يطالب دائما بالأقصى ولا يقبل المساومة في الحقوق والحريات وحاليا أنا اعتبرها أفضل استراتيجيا للتعامل مع السلطة القائمة، ومهما كانت هذه السلطة هناك عقد مشترك بيننا اسمه «دستور 27 جانفي 2014» وفي المطلق مهما كان الذين يحكمون سنرجعهم دائما الى هذا الدستور الذي كتب بدماء الشهداء وبمسيرة النساء في13 أوت 2013.

كيف يمكن المحافظة على المكاسب المدنية بعد صعود أغلبية دينية في البرلمان وانتخاب رئيس جمهورية محافظ ؟

علمتنا التجربة أنه حتى مع نظام بن علي الذي كان محافظا هو الاخر استطعنا ان نقتلع منه مكاسب حقوقية وهامشا من الحرية رغم كل القمع الذي مارسه ضدنا، في المقابل المنصف المرزوقي كان حقوقيا ولكنه قبل بانتهاكات حقوق الانسان ومع ذلك اقتلعنا في مدة حكمه حقوقا معينة وواجهناه كسلطة.

العبرة إذا أن من يحكم تونس عليه أن يلتزم بثوابتها أيا كان لونه. والثابت اليوم أنه لا مجال للعودة لمربع الخوف ولا تنازل عن الحريات والمساواة بين النساء والرجال وأن الرهان هو مشروع تنموي يعزز مناخ الحرية ويسير بنا نحو الرفاه الاجتماعي.

كيف يمكن اعادة استثمار الرصيد المدني الذي راكمه مناضلون ومناضلات طيلة عقود من الزمن؟

اعتقد ان الرصيد المدني في تونس له من الادبيات ومن الذكاء المشترك ومن أدوات العمل التي تتطور، واليوم اعتقد اننا لسنا في حاجة الى أدبيات جديدة بقدر ما أننا في حاجة الى أن نقترب أكثر من الناس وأن ندخل نحن ايضا في «حملات تفسيرية» ونغادر نوعا ما اللغة والمصطلحات والخطاب الذين دأبنا على استعمالهم طيلة عقود. المجتمع يتطور وعليه يجب أن نطور خطابنا الذي أصبح تقليديا وأن يتم تبسيطه، وعليه فإن الحركة الحقوقية مطالبة اليوم بمراجعة خطابها وليس مراجعة افكارها.

في ظل الصراع الهووي المتواصل منذ سنوات، ما هو موقع النضال النسوي في النضال المدني ؟؟

نحن في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نمثل الضمير النسوي للمجتمع التونسي على مدى حوالي ثلاثة عقود عشنا خلالها محنا كبرى سواء قبل الثورة أو بعدها. من ضمن المحن الأخيرة نذكر مسودة دستور 2012 وقلنا «لا للتكامل نعم للمساواة « واعتقد أن خطابنا قد مر الى كل النخب التونسية الفاعلة وتضامنت معنا وخاضت النضال المشترك حتى كرسنا المساواة في الدستور. اليوم نطرح إلغاء أوجه تمييز أخرى منها المساواة في الإرث ونعتقد أننا نجحنا في توسيع دائرة المطالبة بهذا الحق وسنواصل سويا العمل على تحقيقه.  بالتالي نحن عازمات وماضيات لاقتلاع مزيد الحقوق للتونسيات.

من ناحية أخرى، لم يعقنا الصراع الهووي من ربط قضايا النساء بالقضايا الديمقراطية والاجتماعية وهو ما يميز نضال الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن النسوية الرسمية والتي تقودها الدولة منذ الاستقلال وعليه فنحن نواصل في نفس النهج أي أنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية دون احترام وضمان حقوق النساء والعكس صحيح فلا تقدم ولا ديمقراطية إذا كانت النساء مضطهدات ومفقرات. ونرى اليوم أن بعض الفاعلين السياسيين بدؤوا يقتربون من هذه الرؤيا رغم تصاعد الخطاب الهووي والعمل من خلال التدافع الاجتماعي على أخونة المجتمع وستظل الجمعية تفضح هذه التوجهات عبر مراقبة الخطاب والممارسة السياسية وعبر اليقظة الدائمة.

كذلك اعتقد ان الحركة النسوية اليوم في تونس منفتحة جدا على ما يحدث في العالم ، حيث أن النساء من الشيلي إلى تركيا إلى فرنسا إلى الجزائر والسودان والعراق تثور على رأس المال وعلى الاستغلال الفاحش للنساء في الاقتصاد وعلى العنف بوجوهه المختلفة وأيضا على تهرئة المجتمع النسوي بعزله عن الحركات الشبابية، ونحن في تونس لسنا بمنأى عن هذه التحركات التي نتأثر بها ونؤثر فيها وبالتالي فنحن جزء من كل التحركات التواقة إلى الحرية والعدالة والمساواة وسنواصل النضال المتضامن للنساء في كل بقاع الأرض ضد المشروع العالمي لتفقير الشعوب وعزلها وإغراقها في المديونية والإرهاب والحروب.

هل تعتقدين أن هناك عداء متصاعدا تجاه المرأة في الفضاءات الخاصة والعامة؟ 

ليس هناك عداء تلقائيا تجاه النساء. هنالك أبوية تشق كل المجتمعات وتحاول أن تكرس دونية النساء بالقوانين والسياسات ومن خلال الخطاب الذي يعيد إنتاج علاقات الهيمنة على حريات وأجساد النساء. باستغلال كل ذلكـ نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة أصبح هناك شحذ لقوى المجتمع ضد بعضها بصفة عامة عبر تقزيم النخب أو تفكيك المؤسسات أو إثارة النعرات الجهوية وغيرها من فنون الشعبوية وهي أزمات مفتعلة يقع الترويج لها للتغطية على الأزمات الحقيقية التي تعيشها البلاد ونحن كنساء ندفع ثمنه بصفة عامة وهو أمر منتظر على اعتبار هشاشة المرحلة سياسيا وهشاشة مؤسسات الدولة وعودة قوى اليمين التي تدغدغ النعرات الشوفينية لدى الناس والتي تستثمر في الأرضية الذكورية الخصبة في مجتمعنا.

رغم كل ذلك يدافع المجتمع عن نفسه، عن قيمه عن استحقاقاته وهنالك مقومات تساعده في ذلك منها الدستور ويكفي أن نحاول أن نقرأ نسب النساء اللواتي تتوجهن اليوم للقضاء رافضات للعنف عليهن لنفهم أنهن خرجن إلى حد ما عن منطق قبول العنف أو التسليم به ويكفي أن نرى إقبال الشباب على الانتخابات في استفتاء ضد الفساد لكي نفهم تطلعه إلى مشهد سياسي مغاير للسائد.

كيف يمكن برأيك تعزيز المشاركة السياسية للنساء؟

الواقع السياسي اليوم يعاني من انحدار عدد النساء في البرلمان التونسي حيث مررنا من مرحلة نسبة تفوق الثلاثين بالمائة الى ما يقارب الأربع وعشرين بالمائة وذلك يعود الى ان قاعدة التناصف لم تكن مطبقة بشكل جدي من قبل الأحزاب السياسية وأيضا لأنه لم يفرض القانون التناصف في رئاسة القائمات (التناصف الأفقي). وبالنسبة لنا  تعزيز المشاركة السياسية للمرأة يجب أن يمر عبر توسيع التناصف لكي يكون في الهياكل المنتخبة ولكن أيضا المعينة من بينها الحكومة وأيضا من خلال التناصف العمودي والأفقي والذي حاليا يشمل الانتخابات البلدية ويجب أن يشمل الانتخابات التشريعية. من الضروري أيضا أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها لتغيير نظمها الأساسية لتكون قائمة على التناصف في كل هياكلها المركزية والجهوية.

هل تعتقدين في قدرة نظام الحكم الحالي على القيام بإصلاحات ضرورية في مجال الحضور السياسي للنساء؟

سيكون عدد النساء والمهام الموكولة لهن ومدى تجربتهن فيما يتعلق بقضايا المساواة بين الجنسين في حكومة إلياس فخفاخ امتحانا حقيقيا نفهم من خلال توجه السلطة التنفيذية.

في علاقة بالسلطة التشريعية نعتقد أنه لا زلنا بعيدين عن المأمول بالنظر لا فقط لتركيبة المجلس وإنما خاصة لبرامج الأحزاب والصمت أمام ازدراء عدد منهم لحقوق النساء وكذلك لغياب مشاريع القوانين المتعلقة بالنساء والمودعة بالمجلس ومنها مشروع التساوي في الميراث ومشروع مجلة الحريات الفردية عن جدول أعمال مختلف اللجان وسنعمل على أن يلتفت المجلس إلى استحقاقاتنا تلك وإلى عدم تجاهلها.

هل تعتقدين في امكانية صعود قوى مدنية واجتماعية شبابية جديدة يمكنها تغيير المعادلات الراهنة وخلق ثورة سلمية مدنية تؤسس لدولة الحقوق والقانون؟

هذه القوى موجودة في المجالات الحقوقية والثقافية والفنية والاجتماعية وليس أجمل من حراك «مانيش مسامح» الذي خاض حملة نموذجية ضد قانون المصالحة أو مجموعة « فلقطنا» كحراك نسوي ضد العنف مثلا لكن المشكل يبقى في غياب القوى السياسية الشبابية الجديدة.  الشباب بقي إما وفيا لهياكل سياسية قديمة جدا اهترأت بفعل التغيرات والزعامتية أو أنه يساير القديم ولم يخرج إلى الان من جبة الأب من حيث الفكر ووسائل العمل ولذلك من الضروري أن يؤسس الشباب حركة سياسية شبابية ضاغطة ومؤثرة في المشهد السياسي.

وعليه فان الشباب ليس في حاجة الى ثورة جديدة بقدر ما يحتاج الى الفعل السياسي الحقيقي وهو قادر على تغيير اللعبة السياسية وتحويل كل ذلك لصالحه طالما استطاع أن يهيئه لغيره. 

ماهي الأدوار التي يمكن ان يضطلع بها الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره القوة الاجتماعية الأكبر في دعم الحقوق والحريات ؟

نحن نعتقد ان الاتحاد العام التونسي للشغل يقوم بثلاث أدوار مركزية مهمة، حيث انه يمثل قوة اقتراح وبالتالي في كل مرة ومع كل امتحان صعب نجد ان مقترحاته جاهزة لأنه من القوى القليلة في البلاد التي تعرف الأوضاع الحقيقية وتعرف العلاج اللازم للازمات.

الاتحاد أيضا هو قوة تعديلية وطنية، بمعنى أنه الوسيط بين المتنافرين لتحكيم وإعلاء مصلحة الشعب والبلاد والدور الثالث الذي يضطلع به هو كقوة ضغط واحتجاج فليس هناك قوة اليوم قادرة على تحريك الشارع مثل اتحاد الشغل ويكون في ذلك وبذلك سدا أمام مشاريع ضرب الدولة أو المس من الديمقراطية التي أجمع عليها الشعب التونسي أو محاولات ارتهان البلاد للقوى الخارجية أو كذلك العبث اليومي بقوت التونسيات والتونسيين.

كما لاحظنا مؤخرا أن هناك تطورا نسبيا في خطاب الاتحاد مع التركيز على مدنية الدولة وعلى مبدأ المساواة بين الجنسين وهذا التوجه يهمنا كثيرا إذ نلتقي في المطلب. وهنا لدينا محاور عمل مشتركة كثيرة مع النقابيات والنقابيين إذ نسجل بكل تثمين ان الاتحاد يقود حملة من أجل اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 190 المتعلقة بالتحرش والعنف في عالم العمل ويدعو الدولة التونسية للمصادقة عليها ونعتقد أنها خطوات هامة لربط النضال الاجتماعي والنقابي بالنضال النسوي والحقوقي وعناوين أساسية للتنسيق ضد العنف ومن أجل المساواة التامة.

لذلك نراهن على هذه التوجهات لتتطور في الممارسة النقابية بما في ذلك مزيد تمكين النقابيات من مواقع القرار.

ما هي المحاور التي يتم الاشتغال عليها داخل جمعية النساء الديمقراطيات من أجل ضمان الحقوق المدنية للنساء التونسيات؟

بالإضافة إلى المسائل الوطنية كقضية الديمقراطية والحريات العامة والفردية والسيادة الوطنية والمنوال التنموي ومكافحة الإرهاب والتطرف، لدينا في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات  محاور أساسية نشتغل عليها غير منفصلة عن العناوين الكبرى المذكورة تلك.

يسرى فراوس

المحور الاساسي هو مكافحة العنف ضد النساء ومراقبة مدى تطبيق القانون عدد 58 خاصة مع غياب الارادة السياسية لتفعيله وعدم رصد ميزانية لازمة له. فبالإضافة إلى ما تقوم به مراكزنا في تونس والجهات من استقبال وإنصات ومرافقة للضحايا نحن نعمل على إنجاز دراسة حول التعاطي القضائي مع ضحايا العنف وكيفية تطبيقهم للقانون عدد 58 وسنرفع على ضوء الدراسة توصياتنا للجهات القضائية والهياكل المعنية هذا فضلا عن تنسيقنا مع بقية الشركاء في المجتمع المدني وخاصة التحالف الوطني ضد العنف لتفعيل القانون عبر الضغط لإصدار النصوص التكميلية له وإرساء المرصد الوطني ضد العنف وتوفير البنية التحتية للتعهد بالضحايا بشكل كاف ولائق من ذلك بعث مراكز استقبال وإيواء النساء في مختلف الجهات. نواصل أيضا التعريف بالقانون والتوعية بمحتواه الهام وكذلك التثقيف ضد العنف والتمييز.

المحور الثاني هو محور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء حيث سندعم مستقبلا بشكل أكبر المرصد الوطني للنساء ضحايا الانتهاكات الاقتصادية- مرصد أسماء فني- الذي لن نكتفي بعمله على مستوى تونس الكبرى وإنما سنعززه في فروع الجمعية خاصة بصفاقس والقيروان وسوسة ليواصل توثيق انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء في مختلف القطاعات من طرد تعسفي وعنف وتحرش جنسي وتمييز في الأجر وغيرها كما سنوجه عملنا نحو الفئات الأكثر تضررا مثل المهاجرات وكذلك المعينات المنزليات وما تتعرضن له من استغلال وعنف حيث أنجزنا دراسة ميدانية في الغرض وبناء على نتائجها اتفقنا مبدئيا مع اتحاد الشغل على القيام بحملة مناصرة لهذه الفئة وتنظيم هذا القطاع بنص تشريعي يكفل حقوق هذه الفئة الكادحة وهيكلته نقابيا .

المحور الثالث هو محور الحقوق الجنسية والانجابية للنساء خاصة امام تراجع دور الدولة في المجال مع انقطاعات متواصلة في توفير وسائل منع الحمل والخدمات المتردية للديوان الوطني للأسرة والعمران البشري والوصم الاجتماعي للأمهات العازبات والممارسات التمييزية ضد أصحاب الهوية الجندرية غير المعيارية وهي جميعا ممارسات تعكس محاولات أخونة الدولة ونحن نواصل الضغط لمراجعة القوانين التي تقيد هذه الحريات وكذلك لإعادة النظر في السياسات العمومية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية كما ستعمل فروعنا على معاضدة ومشاركة وزارة التربية في برامج التربية الجنسية التي تساهم فب الحد من العنف الجنسي ضد الأطفال.

الملف الرابع هو المساواة في القانون وإلغاء مختلف أشكال التمييز في مجلة الأحوال الشخصية ومنها التمييز في الإرث. نعتقد اننا حققنا نتائج مهمة حيث خرجت القضية من المحظورات والقدسية الزائفة وتحولت الى قضية نقاش مجتمعي رغم الحملة المفتعلة ضد هذا المشروع وسنواصل الدفع الى ان تحترم تونس التزاماتها الدولية في مجال حقوق النساء بمراجعة كل براثن التمييز وإحقاق المساواة الكاملة كما نص عليها الفصل 21 من دستور 2014. 

ملفنا الخامس يتعلق بالمشاركة السياسية للنساء وهنا نعمل على الدفع باتجاه تحمل كافة الفاعلين سواء في السلطة أو الأحزاب السياسية أو حتى الهياكل الهامة ومنها هيئة الانتخابات لتطوير مشاركة النساء في القرار سواء عبر التشريعات أو الممارسة ونواصل إدارة النقاش وتطويره مع مختلف الأطراف وخاصة مع النساء لتطوير قدراتهن وتحفيزهن على الانخراط في الشأن العام وأيضا على المشاركة النوعية أي بحمل قضايا النساء كأولوية لإرساء الديمقراطية.

وفي كل ذلك نحن نتصدى إلى محاولات الردة وسنفضح كل محاولات النيل من حقوق التونسيات أو تكليس وتأبيد واقع الفقر والتهميش والعنف المسلط عليهن تحت أي غطاء.

Skip to content