مقالات

“كورونا “تعدَل البوصلة

خولة شبح
صحفية

«لدينا فرصة لاستغلال إرتفاع منسوب ثقة المواطنين في الإعلام خلال هذه الأزمة من أجل الإصلاح ورأب الصدع معه وكسبه في صفنا»، هكذا تحدثت الصحفية المستقلة مبروكة خذير عن تمثلها لمستقبل العلاقة بين الإعلام والمجتمع.

لا يشك اثنان في أن الإعلام لعب دورا كبيرا وطيلة شهرين في نقل المتغيرات في ظل «فيروس كورونا» الجديد. وبارتفاع نسب المتابعة في ظل تعطش المواطنين لمعرفة المستجدات شكلت وسائل الإعلام منسوب ثقة محترم يمكن البناء عليه في المستقبل.

لكن الأكيد أيضا أنه داخل المنظومة الإعلامية نفسها بدأت حالة من التفكر والنقاش، ولو بنسب متفاوتة، حول الدروس المستخلصة من الأزمة ومدى تأثيرها على الإعلام والصحفيين أنفسهم.

خلية نحل …

نحن نتحدث هنا عن دور الإعلام الذي يستمد شرعية وجوده من حاجة المجتمع إليه، وسط هذا الزخم الهائل من المعلومات التي تتطلب كنس وتحليل دقيق قبل نشرها، يعمل آلاف الصحفيين والمراسلين الصحفيين عليها كخلية نحل.

داخل هذه القاعات بدأت مراجعة أولويات التحرير، إذ بان بالكاشف أن كثيرا من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية اللصيقة بحياة المواطن لم تأخذ الحيز الكافي إلى الآن، فقطاع الصحة مثلا كان شبه مغيب في المحتويات الإعلامية باستثناء بعض البرامج والتقارير الصحفية التي تنشر بين الفينة والأخرى ولم يكن هذا النوع من المواضيع محور اهتمام بالنسبة لوسائل الإعلام الا في مناسبات قليلة كان آخر ملف «اللوالب القلبية منتهية الصلوحية» الذي أثير في 2017 والذي مازال مصير التحقيق فيه مجهولا.

تقول الصحفية مبروك خذير أنه «بعد سنوات من العمل اكتشفنا أننا لم نركز سابقا بما يكفي على هذا الموضوع رغم أهميته القصوى على صحة المواطن ولو عملنا عليه سابقا لكان وعي المواطن أكبر وكان واقع المنظومة الصحية أفضل».

ويغيب على المشهد، مع بعض الاستثناءات، الصحفيون المختصون في المجال الصحي والضيوف المؤهلون للحديث حول الوضع الصحي من باحثين وجاءت كورونا لتضع الصحفيين أمام ضرورة تحديد من يخبر ومن يفسر.

وبالنسبة لمبروكة «الأمر ليس متعلقا بالكورونا فقط»، ففي ظل هذا الزخم الكبير من الأخبار لا بد من وجود مختصين في بلاتوهات وسائل الإعلام وأجناس صحفية أخرى تعنى بمسائل حيوية تحدث بالتوازي مع التغطية اليومية للأخبار، من ذلك ملفات الاحتكار والفساد التي لم يخض فيها في السابق ولم يعاقب المسؤولون عنها.

وبات من الثابت بالنسبة للصحفية المحترفة «أهمية القيام بأعمال صحفية على مواضيع استقصائية تهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بهدف تغيير واقع المواطن والتي ان تم العمل عليها سابقا كان يمكن أن تكون وطأة الأزمة أقل مما هي عليه الآن».

ولكن الزخم الكبير للمعلومات التي تنشر حاليا عبر وسائل الإعلام تميزت بالانتقائية في اختيار المواضيع وتوجيه التركيز على المعلومة أو النقاش حول فيروس «كورونا» فقط وهو ما قد يؤدي إلى تسطيح الأفكار وتوحيدها إلغاء التعدد في الرأي في ظل دور متزايد للأخبار والخطابات التبسيطية الجاهزة التي يمكن أن تؤثر بطريقة غير مباشرة على معالجة المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان، وهو ما يضعنا صلب أخلاقيات ورهانات وسائل الإعلام.

واليوم بات في ظل انتشار فيروس كورونا «تحدي دعم تقرير أو تحقيق خارج دائرة تداعيات الفيروس» تحدي حقيقي قد يجعل الوسيلة خارج دائرة اهتمام المواطن.

الجواب جاء من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، حيث دعت الهيئة وسائل الإعلام إلى ضرورة تنويع برمجتها عملا بكراسات الشروط التي أمضت عليها، قرار وجه بعديد الانتقادات من قبل وسائل الإعلام ولكنها سرعان ما اختفت في ظل التفسيرات التي بدت منطقية لأغلبهم.

ويقول نائب رئيس الهيئة عمر الوسلاتي أن «الهيئة لاحظت في رصدها لوسائل الإعلام أنه حتى الحصص الترفيهية باتت تتحدث عن فيروس كورونا وهو ما قد يسطح الموضوع ويضع المواطن في مواجهة أزمات نفسية وتوترات داخل العائلات في ظل تواصل الحجر الصحي العام».

بالنسبة لعضو الهيئة فإن غياب التنوع في البرامج الإعلامية هو خسارة للمجتمع، لأن المجتمع حرم مصدرا مختلفا من حيث الشكل، فلا يجب أن تتغير الاهتمامات السابقة حول الحريات الأساسية والديمقراطية والرقابة على عمل الحكومة، واليوم التحدي المطروح أمام وسائل الإعلام هي كيف تلعب دورها المحوري في تطوير المجتمع والاستجابة لتطلعات المواطن؟

أخلقة المجتمع

لم تكن مراجعة الأوليات هي النقطة الوحيدة في سلم نقاش المهنين، ولكن ما يحصل في المشهد الإعلامي حسب الدكتور فرج زميط الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار «يندرج ضمن المنظومة التفكرية حيث بات الصحفيون ينظرون إلى ممارساتهم عن بعد وهي نقطة جيدة تمكنهم من النقاش حول المنظومة الإعلامية وتطوير نفسها من الخارج، وهي ظاهرة صحية عايناها في سياقات تغطية الأحداث الإرهابية سابقا».

المطلوب بعد هذه المراجعات أن يعمل قطاع الإعلام على تعديل نفسه قبل الوصول للعقوبات وتحسين ممارساته في اتجاه الدور الاجتماعي ودوره في أخلقة المجتمع.

حيث يقول الدكتور زميط : «أن يكون الإعلام فضاء للنقاش فهو مساعدة للمتلقي في أخذ موقف  أو قرار عقلاني من مسائل تهمه تتبناه المجموعة وليس مبني على الأيديولوجيا» ويشدد زميط على أن الدور الرئيسي للصحافة بالأساس هو «إنارة ما هو مظلم من بين الكم الهائل من الأخبار وهو ما يمكن المتلقي من أخد المعلومة الصحيحة بناء على ضوابط مهنية دقيقة».

نعم، إن أي خبر، أي حدث خاصة ما يتعلق بفشل السياسات العامة قد يثير ردود فعل من قبل المواطن على السلطة وقد يدفع السلطة إلى اتخاذ إجراءات تصحيحية لفائدة المواطن وهذا ما يدخل في خانة مبدأ الواجب والمسؤولية في التقصي والتأكد وتعميم المعلومة والتي تلعبها وسائل الإعلام.

ويعتقد عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري عمر الوسلاتي أن «درجة تفهم وسائل الإعلام لدورها الأساسي في تغيير التوجهات العامة في البلاد، سيدعم مسؤوليتها في تقديم مضامين ذات جودة تعتمد على مصادر موثوقة ومختصة وتفادي الأخطاء التي وقعت فيها الماضي».

وسيكون الإعلام في مرحلة ما بعد الكورونا أمام تحديات إخراج البلاد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية بعد مرور هذه العاصفة، حيث يخوض العاملون في القطاع نقاشات حثيثة حول الدور المطلوب منهم في دفع المجتمع في اتجاه الخروج من الأزمة.

هل نتغير؟

ويبدو أن المسألة تتطلب الكثير من العمل، حيث يرى الدكتور فرج زميط أن «الإعلام صفة عامة والمهنين وأرباب العمل ليسوا جاهزين في غياب رؤية واضحة رغم محاولات التعديل الذاتي في ظل ضعف التكوين وظروف العمل الهشة والوضع الاجتماعي الصعب للصحفيين أنفسهم».

حيث بقي دور الدولة محدودا في دعم الإعلام وتركيز إستراتيجية وطنية تدعو لها كل الهياكل المهنية للنهوض بقطاع الإعلام. حيث مازالت مصادر التمويل توجه الإعلام في ظل اعتماد الإشهار كأهم «مصادر الإسناد» بالنسبة للمؤسسات.

ويقول الوسلاتي أن «الدولة تتحمل المسؤولية في وضع سياسة عامة للإعلام تقول على آليات دعم الإعلام الخاص الذي قد يعتمد أحيانا على الإثارة لأنها يمكن أن تعود عليه بموارد مالية والتي عقدت جائحة كورونا ظروفه الاقتصادية في ظل شح موارد الإشهار».

حيث ترى هيئة الاتصال السمعي البصري وعديد الهياكل المهنية كالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أنه من الضروري تركيز «صندوق دعم الإعلام «لتمويل البرامج ذات الجودة في القطاع الخاص نظرا للدور الذي يلعبه في إحداث التنوع والتوازن والمنافسة مع ضرورة دعم الإعلام العمومي في تسليط الضوء على اهتمامات المواطن.

وحتى لا تمر هذه الهزة التي دفعت الصحفيين إلى المراجعة والتعديل حسب فرج زميط، يجب أن يكون المشهد أكثر وضوحا مما سبق عبر تركيز آليات تعديل ذاتي، كتركيز الهيئة الدائمة للاتصال السمعي البصري وتركيز مجلس الصحافة الذي سيلعب دورا تعديليا في مجال الصحافة المكتوبة والالكترونية.

وترى الصحفية المستقلة مبروكة خذير أن «إصلاح الإعلام يمر مباشرة عبر إرادة الهياكل المهنية ليكون لديه تأثير أكبر على المجتمع حتى لا تمر هذه الهزة مرور الكرام ونعود إلى ما كنا عليه سابقا ولتدارك الأخطاء الكبيرة التي ممرنا بها والتي دفعتنا إلى الإصلاح».

واليوم وبعد هذه التجربة الجديدة التي خاضها الإعلام التونسي فإنه بات من الثابت لدى المواطن أن الصحفي هو المصدر الأول للمعلومة الصحيحة وغير المضللة في ظل الأخبار الخاطئة المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي وهو فرصة لتدعيم هذه الثقة والحفاظ عليها في إعلام يخدم مصلحة المواطن.

Skip to content