مقالات

كورونا تعمّق أزمة الصحافة الورقية

زياد عطية

يبدو أن الإغلاق المفاجئ لعديد الصحف الورقية في تونس كيومية الصريح منذ عامين واحتجاب أسبوعية البيان مؤخرا، أضحى يشكل خطرا حقيقيا على واقع الصحافة الورقية في البلاد، مع تذمر عدد كبير من مالكي الصحف من الأزمة المالية الخانقة والتي تهدد بتلاشي بقية الصحف مع غياب خطة إستراتيجية واضحة من السلط الرسمية للتصدي لنزيف يؤرق الصحفيين والكتاب، حيث تراجع عدد المنشورات الورقية من 255 سنة 2010 إلى أقل من 50 سنة الحالية 2020 مع ارتفاع أسعار الورق 3 مرات وارتفاع ثمن الصحيفة.        

وسجلت الصحافة الورقية إبان ثورة ديسمبر –جانفي 2011 تراجعا مذهلا على مستوى المبيعات والمطبوعات نتيجة الثورة الرقمية التي حققتها المواقع الإلكترونية وسيطرتها على مشهد الإعلام المكتوب. وقد توقفت بشكل سريع صحف يومية اصطدمت بواقع صعب و عجزت على الصمود أمام الموازنة المالية السلبية. كما احتجبت ا الأسبوعية ” أخبار الجمهورية ” وسبقتها في ذلك صحف الحدث وكل الناس والصدى الأسبوعي و الأولى وكل الصحف الحزبية التي كان عددها يتجاوز العشر صحف ورقية، ليكتمل المشهد المؤلم الذي أصبحت عليه الصحافة الورقية في تونس.                                              

ومن أهم أسباب هذا الانهيار غياب الإشهار وعدم استثمار المؤسسات والشركات الكبرى في الصحف الورقية، والغلاء المشط في أسعار المواد الأولية لصناعة الصحيفة من ورق وحبر وألواح طباعة، إضافة إلى تردي الوضع الاقتصادي في البلاد وتفاقم انهيار سعر الدينار.                                                                                

وأجبر تفشي فيروس كورونا الصحف الورقية على الاحتجاب وعدم الصدور طيلة فترة الحجر الصحي والاكتفاء بنشرها في شكل محامل إلكترونية والتي لم تعط مردودية مالية باعتبار غياب قانون ينظم صدور الصحف إلكترونيا، واعتمدت الصحف (الشروق والصباح والشعب والمغرب) على عمل طاقمها الصحفي عن بعد ونشر أعدادها إلكترونيا.                                              

وتعتبر النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين كون قطاع الصحافة الورقية قطاع مشغل ودعت في مناسبات كثيرة إلى البحث عن حلول جذرية لإنقاذه من الاندثار والذي يهدد مئات العائلات، وشدد نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري أن أغلب المؤسسات الإعلامية تعيش أزمات تضاعفت مع تدعيات جائحة كورونا التي عمقت أزمة الصحافة الورقية مضيفا كون هذا القطاع يعاني أزمة خانقة منذ سنوات وتضرر بشكل كبير حيث اغلقت أغلب الصحف وأحال الوباء مئات الصحفيين والصحفيات والعاملين في القطاع على البطالة.                                                                

فأزمة قطاع الصحافة الورقية يعكس أزمة الصحافة التونسية عامة بمختلف أنواعها مع تراجع كل أشكال الدعم و الإشهار لصالحها أمام الثورة الرقمية التي غيرت موازين القوى لصالح الموقع والحسابات الإلكترونية حيث أجبر هذا التغيير الصحف والدوريات على نشر محامل إلكترونية دون أي تنظيم ما يفقدها مرابيح .

ووصف رئيس جامعة مديري الصحف الطيب الزهار أزمة الصحافة الورقية بالخطيرة والعميقة مع تراجع مبيعات الصحف اليومية من 35 ألف نسخة قبل عامين إلى أقل من 10 ألف نسخة عقب أزمة كورونا مع ضعف الإعلانات التجارية.                                                      

وعلق الطيب الزهار “لا تطلب الصحافة المكتوبة الصدقات بل الدعم المالي الدائم لتمكين الصحفيين من مواصلة رسالتهم ومهمتهم الثقافية. إن انهيارهم الاقتصادي سيؤدي إلى نهاية المهنة.. وليس من المكلف إنقاذ مهنة ساهمت لأكثر من 150 عامًا في الاشعاع الفكري للشعب”.    

واعتبر الطيب الزهار أن هناك ضرورة عاجلة لتدخل الحكومة التونسية لإنقاذ الصحف الورقية من الاندثار من خلال رصد أموال في شكل اشتراكات أو اقتناءات يومية من الصحف الورقية.      

من ناحيته أكد محمد السعيدي، كاتب عام النقابة العامة للاعلام بالاتحاد العام التونسي للشغل أنّ “الجامعة ستعمل جاهدة على تحسين اتفاقية الصحافة المكتوبة.”                

وأعرب مديرو ورؤساء تحرير عديد الصحف الورقية عن أملهم في إيجاد حلول عاجلة تنقذ قطاع الصحافة الورقية من الانهيار في عصر اشتدت فيه المنافسة على المستوى الإخباري مع منصات التواصل الاجتماعي والصحف والمواقع الإلكترونية.

Skip to content