أخبار مدنية

إقصاء الهياكل المهنية والاستفراد بالقرار لا يمكن أن يخلّف إلاّ الأخطاء والإخلالات والثغرات

تنقيح مجلّة الشغل

تتالت منذ مدّة تصريحات مسؤولي السلطة في جميع المستويات حول اعتزامها تنقيح قوانين الشغل وبالتحديد مجلّة الشغل وخاصّة ما تعلّق بالعقود وبالتشغيل الهشّ، وقد انعقد بالأمس مجلس وزاري في الغرض، ويهمّ المكتب التنفيذي الوطني أن يؤكّد على الآتي:

  1. إنّ مطلب تطوير قوانين الشغل حتّى تلائم المستجدّات في بلادنا وخاصّة منذ اندلاع ثورة الشغل والحرية والكرامة 17 ديسمبر 14 جانفي، وكذلك مراعاة للتغيّرات العميقة في عالم الشغل، مشدّدين على أنّ مجلّة الشغل مكسب وطني جاء نتيجة جهد تشاركي مبكّر وحوار اجتماعي غير مسبوق في بلادنا وفي منطقتنا العربية والإفريقية، وأنّه قد مرّ عليها ما يقارب 6 عقود وقد آن الأوان لتعديلها وتطويرها بنفس الروح التشاركية بين أطراف الإنتاج التي ولدت فيها.
  2. إنّ الإصرار على إحداث تنقيحات على مجلّة الشغل، مهما كانت أهميّتها، من جانب واحد هو إقصاء صريح للشركاء الاجتماعيين وتراجع غير مفهوم ولا مبرّر عن التقاليد المكتسبة للحوار الاجتماعي والقائمة على مبدأ التشاور الثلاثي بين الأطراف الاجتماعيين الثلاثة والتي كانت تكرَّس منذ استقلال بلادنا من خلال إصدار كلّ النصوص القانونية والتعاقدية التي تشكّل اليوم قانون الشغل التونسي (مجلّة الشغل والاتفاقية المشتركة الإطارية والاتفاقيات المشتركة القطاعية والنظام الأساسي للوظيفة العمومية والنظام الأساسي للدواوين والمنشآت العمومية والأنظمة الأساسية الخاصة). كما يُعدّ الانفراد بمراجعة القانون عدد 27 لسنة 1966 المؤرخ في 30 أفريل 1966 والمتعلّق بإصدار مجلة الشغل التونسية، تنكّرا للعقد الاجتماعي الذي وقّعه الأطراف الاجتماعيون الثلاثة (الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) يوم 14 جانفي 2013 بحضور المدير العام لمنظمة العمل الدولية. وقد نصّص هذا العقد ضمن محوره الثالث صراحة على اعتماد منوال جديد لعلاقات مهنية يقوم على التوازن في العلاقات بين الأطراف الاجتماعية يكرّس أربعة عناصر متكاملة ومتماسكة… أوّلها تشريع شغلي بمفهومه الشامل يكرّس العمل اللاّئق بأهدافه الأربعة طبقا لمفهوم منظّمة العمل الدولية ويضمن الحماية الاجتماعية للعمال.
  3. إنّ قضيّة التشغيل الهشّ كانت ومازالت من أهمّ القضايا الشغلية التي أولاها الاتحاد العام التونسي للشغل الأولوية القصوى في كلّ الفترات، وما فرض الاتفاق على إلغاء المناولة في الوظيفة العمومية والقطاع العام منذ فيفري 2011 إلاّ دليل على ذلك والأمر نفسه ينطبق على ما قام به الاتحاد من جهد لتسوية وضعيات الحضائر وآليات التشغيل الهشّ المتعدّدة ومنها الآلية 16 و20 و21 ووضعية النوّاب في التعليم والمتعاقدين في العديد من القطاعات. ونعتبر ما تمّ إنجازه كان نتاج جهد تشاركي كبير، غير أنّ سياسة الحكومات المتعاقبة بما فيها الحالية كانت دوما تهدف إلى تسريب المناولة وسائر الأشكال الهشّة وفرضها بناء على عقيدة رأسمالية مكرّسة لمرونة التشغيل واستعباد الأجراء عبر أجور زهيدة واتّجار باليد العاملة كأقصى حالات استعباد الأجراء. وندعو إلى حوار اجتماعي حقيقي لإنهاء معاناة آلاف عمال المناولة والمربّين النوّاب وأعوان التأطير في وزارة التربية ومتعاقدي قطاعات الصحّة والثقافة والتعليم العالي وغيرهم والتفاوض حول طبيعة ومفهوم وآليات مناولة الخدمة في القطاع الخاص.
  4. إنّ مجلّة الشغل قد تضمّنت مكاسب جمّة للعمّال وقد جاءت بروح اجتماعية تهدف إلى توفير شروط العدالة الاجتماعية غير أنّها خضعت لاحقا إلى موازين القوى فقد استغلّت الحكومات وأرباب العمل الأزمات التي أدّت إلى اعتقال النقابيين وطردهم وتنصيب نقابات موالية لتمرير تنقيحات لم تكن أبدا لصالح العمّال كالفصل 6-4 والتربّص والترسيم والفصول المتعلّقة بالطرد والتعويض والأمراض المهنية وحوادث الشغل والحقّ النقابي وغيرها من الفصول التي جعلت العامل الحلقة الأضعف الخاضعة لأهواء صاحب المؤسّسة، ونشدّد على أنّ تنقيح مجلّة الشغل يستدعي تقييما مشتركا بين أطراف الإنتاج لكامل المجلّة ولا يجب أن ينحسر في مسألة العقود والتشغيل الهشّ، على أهمّيتها في تحرير العمّال من ربقة العبودية الجديدة.
  5. إنّ قوانين الشغل لا تقتصر على مجلّة الشغل بل تشمل القوانين الأساسية العامة للوظيفة العمومية وللمنشئات والدواوين والمؤسّسات العمومية وكذلك الأنظمة الأساسية القطاعية والتي تمّ الشروع في التفاوض حولها وتقدّمت الأشغال بنسب كبيرة غير أنّ تعطيل الحوار الاجتماعي وضرب المفاوضة الجماعية منذ ما يقارب السنتين قد أوقف هذا الجهد الجماعي ومنع تطوير هذه الأنظمة وأضرّ بحقوق الأعوان والموظّفين والعمّال وقد وجب استئناف التفاوض حولها واستكمالها في أقرب الآجال. ونتمسك بأن يتمّ ذلك التطوير في إطار احترام أحكام القانون عدد 54 لسنة 2017 المؤرّخ في 24 جويلية 2017 المتعلّق بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وضبط مشمولاته وكيفية تسييره، حيث أن كلّ تنقيح أحادي لقانون الشغل هو خرق واضح لهذا القانون الذي نصّص على أنّه (يستشار المجلس الوطني للحوار الاجتماعي وجوبا في مشاريع القوانين ومشاريع الأوامر الحكومية ذات العلاقة بالشغل والعلاقات المهنية والتكوين المهني والحماية الاجتماعية).
  6. لقد كنّا وما زلنا ننادي منذ أكثر من 18 سنة بتنقيح مجلّة الشغل التونسية بهدف توفير مقوّمات العمل اللائق وإنهاء كلّ أشكال العمل الهشّ وتحقيق الكرامة والأمان الوظيفي لكلّ العمّال والعمل على بلوغ مقولة الأجر المعيشي وذلك من خلال ملاءمتها مع أحكام الدستور ومعايير العمل الدولية. غير أنّ إحداث أيّ تنقيح مهما كانت “ثوريّته” من جانب واحد هو إلغاء للعمّال ولممثّليهم الشرعيين من النقابات واستفراد بالقرار والسلطة ونسف للحوار الاجتماعي نعرف مسبقا مآلاته وأضراره على مصالح العمّال والأجراء عموما وعلى الاستقرار الاجتماعي وقد أثبتت المصادقة على قانون المسؤولية الطبية وحقوق المرضى الذي صيغ بشكل انفرادي (وكنّا عبّرنا عن رفضنا له) أنّ إقصاء الهياكل المهنية والاستفراد بالقرار لا يمكن أن يخلّف إلاّ الأخطاء والإخلالات والثغرات وما يتّصل بها من مخاطر على حقوق أعوان الصحة والمرضى، وعليه نرفض أيّ تنقيح أحادي ونحمّل السلطة المسؤولية فيما يترتّب عن ذلك.
Skip to content