مقالات

إنقاذ السلاحف البحرية في تونس أمل يصنع داخل جمعية الأزرق الكبير

مالك الزغدودي
صحفي

تمشي “صلوحة” بخطوات متثاقلة وسط تصفيق الجموع التي شكلت ممرا شرفيا لها، كأنها بصدد تستلم أحد الجوائز. جماهير متعددة الأعمار والفئات جمعهم جميعا، قصة واحدة وهي الشغف بالحياة البحرية والتطوع لإنقاذ السلاحف المائية (البحرية) المهددة بالانقراض 

صلوحه كانت من بين  السلاحف المحظوظة التي تمكن متطوعو جمعية الازرق الكبير من إنقاذها، وتقديم العلاج لها من قبل بياطرة مختصين أو عدد من أعضاء الجمعية الذين اكتسبوا خبرة ومهارة في تطبيب وعلاج السلاحف البحرية. 

 الأزرق الكبير، هي جمعية تونسية غير حكومية، تتخذ من محافظة المنستير(ولاية حسب التقسيم الإداري التونسي) مقرا لها وهي محافظة ساحلية هادئة تتربع على ضفاف المتوسط جنوب القارة الأوروبية. مدينة عرفت منذ عصور غابرة ببراعة أهلها في الصيد البحري وبها كثير من القرى الساحلية التي تعتاش أساسا على صيد السمك، أو الفلاحة وخاصة زراعة الزياتين. 

هذه المدينة الهادئة تحولت إلى فضاء يجتمع فيه المتطوعون من أجل إنقاذ الحياة البحرية. خاصة السلاحف فيديوهات كثيرة وصور متعددة لعملية إنقاذ السلاحف، وصار الأمر أشبه بحمى إيجابية هذه المرة من أجل إنقاذ هذا الكائن المهدد بالانقراض. 

الأساطير والتلوث عدو السلاحف الأزلي

“لحم السلحفاة لذيذ، ومغذي ويمنحك قدرة جنسية خارقة، رأس السلحفاة أيضا تبعد الحسد والعين…” 

هذه بعض حكايات العم مصباح عن السلاحف البحرية وقدرته العجائبية، في العلاج ومنح القوة الجنسية وإبعاد مخاطر العين والحسد حسب ما سمعه من أهله وهو البحار السبعيني المتقاعد. 

الرايس مصباح كما يحلو لرواد ميناء الصيد بمدينة المنستير شخصية محببة عند كل البحارة والعابرين، حدثنا باستفاضة عن زمن كثرة الأسماك ووفرتها وعن تغير الأحوال الأن وكله حسرة وألم. 

هذه الأساطير الشعبية المنسوجة حول قدرات السلاحف الخارقة، كانت لفترات طويلة السبب في صيدها بكثافة. ومع التطور الصناعي وغياب الوعي البيئي وعدم احترام قواعد حماية المحيط والحفاظ على الحياة البحرية كانت السلحفاة البحرية ضحية الزمن الأسطوري المبني على قوة السحر والماورائيات وضحية في زمن التطور الصناعي واكتشاف البلاستيك أحد أخطر المواد الملوثة والعدو الأزلي للطبيعة.

 كأن السلحفاة ضحية مخضرمة في زمنين على قدر ما يظهر اختلافهما المزعوم، على قدر ما تزداد حالة السلاحف والطبيعة عموما في التدهور. 

علاوة على البلاستيك الذي تعلق فيه السلاحف، فتموت ببطئ في مشهد مجرد تخيله يدمي القلوب. حين يحرم كائن في بيئته الطبيعية من الصيد ويحبس في كيس ضيق جراء جشع وعدم احترام البشر للطبيعة وتربع الإنسان على عرش الكائنات الحية التي عبث بقوانين الطبيعة دون رحمة. 

تعاني السلاحف من غضب الصيادين وسخطهم، حين تمزق السلاحف شباكهم مما يسبب لهم خسائر فادحة.

عوامل كثيرة تضافرت وساهمت في تقلص عدد السلاحف، خاصة التلوث الكبير الذي شهده المجال البحري التونسي (شواطئ /جزر / مياه عميقة)  أين تلد وتتكاثر السلاحف البحرية خاصة محافظة (ولاية) قابس الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد التونسية فبها واحدة من أهم مناطق ولادة وتكاثر السلاحف البحرية وهي معتمدية المطوية، حيث تظافرت جهود كبيرة في السنوات الأخيرة لحماية هذه المنطقة. 

يصرح سعد العيدودي لموقع الجريدة المدنية وهو ناشط  في المجتمع المدني المحلي بولاية قابس ومن المهتمين بالشأن البيئي ” لقد زاد الوعي في ولاية قابس عموما بالقضايا البيئية خاصة بعد الثورة، وظهرت عديد الحركات الاجتماعية التي رفعت شعارات إيكولوجية ومن أهمها حركة stop” pollution”  وقف التلوث وهي حركة طالبت بإغلاق المجمع الكيمياوي الذي أثر بشكل سلبي على البيئة والتوازن البيئي في كل ولاية قابس، عبر مادة الفوسفوجيبس (مادة كيميائية خطيرة) التي يلقيها في البحر (خليج قابس) وهو ما انعكس على تكاثر السلاحف والثروة السمكية عموما خاصة التن الأحمر الذي كانت تشتهر به المنطقة. ولكن جهود إنقاذ السلاحف بدأت تأتي ثمارها نظرا لوعي الصيادين بدور السلاحف في خلق التوازن البيئي. وبسبب أن توافد المتطوعين والناشطين البيئيين خلق نوع من الحركية الاقتصادية في المنطقة (معتمدية المطوية) وأنا مؤمن بتطور هذه الجهود في بقية السنوات مع إرتفاع عدد المتطوعين وتزايد الوعي لدى بحارة وسكان المنطقة “

فتحت الثورة التونسية أملا بالتغيير للتونسيين ويبدو أنها ساهمت بطريقة ما في إمكانية تغيير وضعية السلاحف البحرية، بعد ظهور الحركات الإيكولوجية وزيادة الاهتمام من المجتمع المدني خاصة المحلي والحركات الاحتجاجية بالقضايا البيئية. 

الأزرق الكبير عمل متواصل من أجل حياة السلاحف البحرية 

أميمة وأسماء وفرحات ومهدي… كلها أسماء لمجموعة من المتطوعين الذين تلقوا تدريبا من جمعية الازرق الكبير في كيفية إنقاذ السلاحف البحرية، وتحريرها في حالة وقوعها في الأكياس أو الخيوط البلاستيكية أو غيرها من النفايات الموجودة في البحر. 

كلهم تقريبا ساهموا في إنقاذ السلاحف ولهم مساهمة في هذا الجهد خاصة في جزيرة “قوريا” وهي جزيرة تقع قبالة ساحل مدينة المنستير وتعد من بين الشواطئ التي تتكاثر بها السلاحف البحرية. 

حيث كانت هذه الجزيرة مهملة وتكاثرت بها الجرذان بطريقة غير طبيعية، وهي من أعداء السلاحف حيث تأكل بيضها قبل أن يفقس. لذلك تدخل متطوعو جمعية الأزرق الكبير لتعديل هذا الاحتلال البيئي الخطير، وقاموا بتنظيف الجزيرة والشواطئ المحيطة بها. 

نظموا أيضا مسلك بيئي بحري، خالي من كل مصادر التلوث وهو أول مسلح بيئي وسياحي بحر أمن للسلاحف من كل العوامل غير الطبيعية التي تمثل تهديدا لوجودها. 

هذا الجهد المدني، عاضده جهد البحارة الذي ساهمت الجمعية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في توعيتهم بضرورة حماية السلاحف والحفاظ على النظام البيئي، الذي سوف ينعكس على نصيبهم من الصيد على المدى المتوسط والبعيد. لأن السلاحف البحرية تتغذى من قناديل البحر التي أصبحت هاجسا يؤرق البحارة والراغبين في قضاء إجازة على شاطئ البحر على حد السواء. لذلك نجد الكثير من الفيديوهات المنتشرة لبحارة يشاركون تجاربهم ويشجعون باقي زملائهم على إنقاذ السلاحف البحرية. 

حدثتنا أسماء 35 سنة وهي موظفة حكومية حول تجربتها ضمن فريق متطوعي الأزرق الكبير في إنقاذ السلاحف البحرية كالآتي ” في البداية لم أكن واعية بدور السلاحف في النظام البيئي البحري، رغم أني من محبي هذا الكائن اللطيف لكن بعد أن شاركت في عدة دورات تدريبية مع جمعية الأزرق الكبير زادت معرفتي بالحياة البحرية عموما وصرت على دراية كبيرة بكيفية إنقاذ السلاحف وتنظيف البحر وتوفير مكان غير ملوث للتكاثر. وصار هذا النشاط جزء هام من التزامي الشخصي والمدني نحو الطبيعة “

تجربة أسماء هي تجربة مشابهة للعديد من المتطوعين والناشطين البيئيين الذين التقينا بهم في زيارتنا السريعة لمدينة المنستير. 

هذه الجهود ساهمت طيلة السنوات الماضية في زيادة الوعي البيئي وإنقاذ حياة عديد السلاحف وتسليط الضوء على قضايا جديدة رغم أهميتها لم يكن المجتمع المدني التونسي يعطيها القدر الكافي من الأهمية.

ورغم كل هذه الجهود تغيب إحصائيات دقيقة حول عدد السلاحف البحرية في تونس ومدى نجاعة. 

وما يزيد الأمر صعوبة هو حالة الاحتباس الحراري وتفاقم الأزمات البيئية على مستوى العالم. 

 لكن الأمل الحقيقي تظهر بوادره في الجيل الجديد من ناشطي البيئية التونسيين الذين كرسوا نشاطهم المدني في المجالات المتعلقة بالبيئة وخاصة قضية السلاحف البحرية.

Skip to content