الاقتصاد الاجتماعي والتضامنيملفات

اشكاليات قطاع النسيج في تونس واسبانيا، قطاع مؤنث وغير منصف تفكير في النماذج والحلول البديلة

عبد الكريم الشابي

انعقدت ندوة دولية افتراضية في 24 مارس 2021 حول اشكاليات قطاع النسيج في كل من تونس واسبانيا والحلول الممكنة لترسيخ الممارسات الجيدة في مواجهة الحيف المسلط خصوصا على النساء العاملات في هذا المجال.

جمعت الندوة نقابيين من تونس ومن اسبانيا في مجال النسيج كما ضمت جمعية مجلس التعاون من أجل السلام العاملة على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للنساء وفي مجال الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وشهدت الحصة الصباحية مشاركة السيدة نعيمة الهمامي، الأمينة العامة المساعدة للاتحاد العام التونسي للشغل المكلفة بالعلاقات العربية والدولية والهجرة بالاضافة الى ممثلة عن الحكومة المحلية بفالنسيا الاسبانية. وقد تمحور النقاش حول الدور الذي يجب على النقابات ونشطاء المجتمع المدني وممثلي المؤسسات الحكومية أن تلعبه في الكشف عن مواقع الخلل في هذا القطاع الحيوي والهام بالنسبة للبلدين. وقد برزت الاشكاليات كما هو منتظر، من حيث تأنيث القطاع والانتهاك المتواصل لحقوق النساء العاملات فيه. تتراوح هذه الانتهاكات بين التحرش الجسدي والمعنوي الى عدم المساواة في الأجور حيث أثبتت الدراسات أن النساء يحصلن على أجور أدنى من نظرائهن من الرجال في نفس مواقع العمل تصل نسبتها الى 18%، مرورا إلى التضييق على النقابيات والنقابيين والمس من الحق النقابي، دون أن ننسى محاولات المس من اجازات الأمومة التي يعتبرها أرباب العمل عبءا ثقيلا على المؤسسة.

بالاضافة الى ذلك تم التطرق إلى المعطى الجديد المتعلق بازمة الكوفيد19 والتي أثرت سلبا على العاملات في القطاع. فبالرغم من محاولات تعويض المؤسسات التي أجبرت على الاغلاق بقيت المساعدات المقدمة للعاملات في هذا القطاع سواء في تونس أو في اسبانيا، محتشمة ففي تونس لم تتجاوز المساعدات المقدمة ال 200 دينار مرة واحدة، لمن تمكن من الحصول عليها خلال أكثر من سنة، أما في اسبانيا لم تكن العاملات أكثر حظا، اذ أنه وبسبب الأزمة الصحية في سنة 2020 لم تحصلن على رواتبهن لأكثر من أربع أشهر وبعد العودة الى مراكز العمل لم تتحصلن سوى على 30 % من رواتبهن في العديد من المصانع. مما يعني أن الأزمة والتي استفادت منها عديد الشركات أدت في الواقع الى مزيد تدهور أوضاع العاملات في القطاع. باختصار وككل مرة، يسعى رأس المل الى مشاركة أعباء الخسارة وتحميلها الى الفئات الأكثر هشاشة بينما يقوم بعملية خوصصة و احتكار للأرباح.

هل التعاضدية هي الحل؟

تأتي هذه الندوة الدولية كتتويج لمشروع إعادة تشغيل شركة سوبراف وتحويلها الى تعاضدية. هذا الجهد المشترك بين الاتحاد العام التونسي للشغل وجمعية مجلس التعاون من أجل السلام الاسبانية و بتمويل من حكومة فالنسيا. لذلك كانت الندوة فرصة لطرح الاشكاليات ومحاولة البحث عن حلول وعن ممارسات جيدة يتم صياغتها والعمل على نشرها ومناصرتها في مختلف المنابر. كانت الفرصة للاستماع الى تجربة عاملات سوبراف والاستماع إلى تجارب تعاضديات اسبانية في قطاع النسيج وقد أجمع المتدخلون والمتدخلات في الحصة الثانية على تحسن لأوضاع العاملات في المؤسسات التعاضدية ومن ضمنهم نورة السافي احدى عاملات سوبراف والتي قالت بأنها انتخبت كعضوة لمجلس ادارة التعاضدية وبأن هذا الحدث في حد ذاته جدير بالتوقف عنده لأنه لم يكن أبدا مطروحا في السابق أي في ظل ملكية الشركة من طرف شركاء لا يعتبرون أن للنساء الحق في المشاركة في التسيير. يعزى هذا التحسن الى طبيعة المؤسسة التعاضدية حيث أنها مؤسسة من مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أي أنها تعمل وفق مبادئ أهمها محورية الانسان في العملية الاقتصادية والعمل على ديمومة المؤسسة واستدامة مواطن الشغل في مقابل السعي المحموم للشركات التقليدية لمراكمة الأرباح وعدم الاكتراث للواجبات الاجتماعية. على عكس النموذج اللبرالي الذي يسعى إلى خلق التوازن من داخل السوق نفسها والذي يبني كل ألياته على فكرة المنافسة فإن المؤسسة التعاضدية “الحقيقية” تسعى إلى تثمين التعاون والتكامل وترشيد توزيع الأرباح مما يضمن ديمومة أكبر وصلابة في مواجهة الأزمات.

وبالعودة إلى أزمة كوفيد التي أجبرت الجميع على اتخاذ اجراءات حمائية مثل التباعد الاجتماعي والتهوئة المستمرة للأماكن المغلقة مثل قاعات الدرس مثلا، مما جعل متابعة الدروس بالنسبة للتلاميذ أمرا صعبا لشدة البرد، اقترحت تعاضدية مونتاس مورا الاسبانية ان تزود المدارس برداء واق من البرد يلبسه الصغار لمتابعة دروسهم وهم في مأمن من المرض ومن البرد.

هذه المسؤولية المجتمعية هي في قلب ثقافة المؤسسة التعاضدية ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الأخرى، فهي مؤسسة تسعى أن تعمل بتناغم مع محيطها الاجتماعي والبيئي كما أنها مؤسسة تضمن الحق في العمل اللائق والمساواة في الأجر والارتقباء في العمل وتحترم الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص. نعم في هذه الحالة التعاضدية هي الحل.

لكي نكون منصفين وغير متحمسيين أكثر من اللزوم علينا التذكير بأن المؤسسة الاقتصادية مهما كانت كلاسيكية أم تعاضدية فهي تعكس سلوك مسييريها واذا لم يتواصل الجهد الجماعي من أجل ترسيخ ثقافة ومبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني فإن الحيف يمكن أن يمس حتى المؤسسات التعاضدية كما أشارت إلى ذلك احدى المتدخلات وهي نقابية في تعاضدية ماري كلير. لذلك وجب التفطن الى مواقع الخلل والعمل على تفاديها. في هذا الصدد تعتزم تعاضدية سوبراف الالتزام ب “المسؤولية المجتمعية” والحصول على العلامة ISO26000 المنظمة لهذا الاطار.

في الأخير وبالرغم من المحاذير المذكورة توجد ضمانة في المؤسسة التعاضدية ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الأخرى لا تتمتع بها المؤسسة التقليدية ألا وهي التسيير الديمقراطي للمؤسسة حيث نسمح للذكاء الجماعي بابداع حلول للمشكلات يعجز عنها الفرد في أغلب الأحيان.

في اختتام الندوة كانت هنالك نزعة للتفاؤل برغم الصعوبات. وتمت الإشارة الى أن الحل لقضايا قطاع النسيج يجب أن يكون شاملا لأن الاشكالات أيضا كونية. يتم ذلك بالعمل المشترك لايجاد منوال تنموي جديد بين النقابات والحكومات ومكونات المجتمع المدني، يعمل على ادماج الفئات الأكثر هشاشة و يعمل على تمكين المرأة من حقوقها الاقتصادية كاملة بما في ذلك حق تسيير المؤسسة بتناصف مع الرجل. وكذلك العمل أيضا على أن يكون النموذج التنموي تكامليا بين الشمال والجنوب وليس تنافسيا وأن يكون مسؤولا وضامنا لحق الأجيال القادمة. إن هذا النموذج التنموي يمكنه القضاء على التفاوت بين الجهات والنساء والرجال والشمال والجنوب. مثل هذا النموذج يستوعب طبيعيا ودون عناء مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني وعلى رأسها التعاضديات.

Skip to content