الاقتصاد الاجتماعي والتضامنيملفات

الاقتصاد الاجتماعي والتضامني والتعاضديات

 الاقتصاد الاجتماعي والتضامني نشأ من رحم فكرة التعاضد

أكرم بلحاج رحومة
مدرس وباحث جامعي في القانون العام خبير في الأطر القانونية وسياسات النهوض بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني

إن المفهوم المعاصر للاقتصاد الاجتماعي والتضامني نشأ من رحم فكرة التعاضدية والتي صمم مبادئها وحدد هويتها الاصطلاحية الاتحاد التعاوني الدولي منذ سنة 1895. ثم أُدرجت التعاضدية في القانون الدولي العام التعاضدي عبر التوصية عدد 193 لسنة 2002 الصادرة عن منظمة العمل الدولية حول تعزيز دور التعاونيات. ولو دققنا النظر في المنظومات القانونية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني في تونس وفي القوانين المقارنة لاكتشفنا أنها تنهل بصفة مباشرة من مبادئ التعاضد لتسحبها على أصناف أخرى من المؤسسات على غرار التعاونيات وجزء من الجمعيات وبعض الشركات وغيرها.

دور اقتصادي محوري على المستوى الدولي

خلافا لما قد يتبادر إلى الأذهان، لا تمثل التعاضديات ظاهرة هامشية، بل تحتل مكانة محورية على المستوى الدولي. حيث تساهم الثلاث ملايين تعاضدية في العالم بشكل فعال في الاندماج الاقتصادي والمستدام وتوفر مواطن شغل دائمة ولائقة. وفيما يلي بعض المؤشرات:

  • أكثر من 12 % من سكان الأرض منخرطون في التعاضديات، بما يمثل ثلاث مرات عدد المساهمين في المؤسسات الاقتصادية الأخرى
  • توفر التعاضديات 280 مليون موطن شغل وهو ما يمثل 10% من القوى العاملة في العالم
  • أكثر من نصف سكان الأرض يتعاملون مع التعاضديات[1]
  • في فنلندا يتجاوز عدد المنخرطين في التعاضديات مجموع عدد السكان وفي الكيبيك 70% من المواطنين مساهمون في رأس مال هذه المؤسسات
  • تساهم التعاضديات في كينيا مثلا بنسبة 45% من الناتج الداخلي الخام.

وفي القطاع الفلاحي، فإن التعاضديات توفر 50% من الإنتاج الفلاحي الدولي[2] مما حدا بمنظمة الأغذية والزراعة بالقول أن “التعاضديات الفلاحية تغذي العالم” (2012) ! أما في أوروبا، فيوجد 160 ألف تعاضدية تشغل 5.4 مليون عامل. وتوفر هذه المؤسسات 250 مليون موطن شغل في مجموعة G20 أي ما يعادل 12% من مجموع مواطن الشغل المحدثة[3]. وفي الولايات المتحدة الأمريكية توفر التعاضديات 2 مليون موطن شغل و75 مليون دولار من الأجور و650 مليار دولار من المداخيل.

وغني عن البيان أن التعاضديات برهنت على قدرة فائقة على مجابهة الأزمات على غرار الأزمة المالية لسنة 2008 مما دفع بالأمم المتحدة إلى تخصيص سنة 2012 “السنة الدولية للتعاضديات”.

التعاضديات في تونس

شهدت البلاد التونسية تجارب تعاضدية خلال الاحتلال الفرنسي وفي السنوات الأولى من الاستقلال. ولكن هذه الهياكل لم تكن تحمل من التعاضدية سوى التسمية حيث كانت مجرد هياكل مفروضة من السلط العمومية. ولعل التجربة الأهم هي تجربة التعاضد الفلاحي في السنوات الستين من القرن الماضي والتي وضعها قانون 27 ماي 1963. غير أن هذه التجربة، على أهميتها، لم ترس مؤسسات تعاضدية بالمفهوم السليم بل كانت مجرد هياكل عمومية مقنعة تخضع لإرادة السلط العمومية وتتعارض جذريا مع مبادئ التعاضد مثلما هو متعارف عليه لدى الاتحاد التعاوني الدولي. حيث أن هذه الهياكل خرقت مبادئ الانخراط والانسحاب الحر والتسيير الديمقراطي والاستقلالية تجاه السلط العمومية في حين أن التعاضد هو تجمع تلقائي لمجموعة من الأشخاص صلب مؤسسة مشتركة يديرونها بشكل ديمقراطي لتوفير حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية.

وفي إطار إصلاح المنظومة التعاضدية، صدر القانون عدد 4 لسنة 1967 المؤرخ في 19 جانفي 1967 والمتعلق بالقانون الأساسي العام للتعاضد. وباستثناء بعض نقاط الضعف التي تعتريه، أرسى هذا النص منظومة قانونية متماسكة ومتطورة تضاهي القوانين المقارنة في المجال. يعرف الفصل الأول من القانون التعاضد بكونه “سبيل للتنمية يهدف بواسطة تكوين مؤسسات اقتصادية… إلى تجديد الأوضاع وتطوير الطرق الفنية تطويرا عصريا وتوفير الإنتاج والنهوض بالإنسان”. كما يعرف الفصل الثاني التعاضديات على أنها “شركات ذات رأس مال ومشتركين قابلين للتغيير يقع تكوينها بين أشخاص لهم مصالح مشتركة يتحدون قصد إرضاء حاجياتهم وتحسين أحوالهم المادية والأدبية. وتمارس نشاطاتها بالقطاعات المضبوطة بالمخطط الوطني للتنمية وطبقا للمبادئ الخاصّة بالتعاضد والمبينة فيما يلي :

  • الانخراط الحر والباب المفتوح
  • التصرف الديمقراطي
  • الإنصاف من حيث مساهمة المشتركين في راس مال التعاضديات.
  • توزيع الفواضل على نسبة العمليات الواقع القيام بها من طرف المتعاضد داخل التعاضدية.
  • تحديد مقابل راس المال.
  • النهوض الاجتماعي والتثقيف.

ويتكون اليوم النسيج التعاضدي التونسي من ثلاث مجموعات كبرى:

  1. الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية وعددها 366 منها 350 أساسية و15 مركزية. غير أن نسبة الانخراط في هذه الهياكل لا يتجاوز 5% من مجموع الفلاحين
  2. الوحدات التعاضدية للإنتاج الفلاحي المستغلة للأراضي الدولية الفلاحية وعددها 48 شركة
  3. مجموعة من التعاضديات الناشطة في القطاعات غير الفلاحية كالصناعات التقليدية والسكن والاستهلاك والتجارة والخدمات وغيرها. ولا توجد أي معطيات دقيقة في هذا المجال.

التعاضديات في القانون عدد 30 لسنة 2020 المتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني

عرف هذا القانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بكونه “منوال اقتصادي يتكون من مجموع الأنشطة الاقتصادية ذات الغايات الاجتماعية المتعلقة بإنتاج السلع والخدمات وتحويلها وتوزيعها وتبادلها وتسويقها واستهلاكها التي تؤمنها مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، استجابة للحاجيات المشتركة لأعضائها والمصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية ولا يكون هدفها الأساسي تقاسم الأرباح”. وقد عرف نفس القانون مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني انطلاقا من ثلاثة أركان مُجتمعة :

  • أن تأخذ المؤسسة شكل ذات معنوية خاضعة للقانون الخاص وواردة بالقائمة الحصرية لأصناف المؤسسات التي ضبطها الفصل 3.
  • أن تحترم المؤسسة مقتضيات قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
  • أن تتحصل على علامة مؤسسة إقتصاد إجتماعي وتضامني.

وقد وردت التعاضديات على رأس قائمة المؤسسات التي يمكن أن تنخرط في المنظومة القانونية لقانون 2020 تحت عبارة “التعاضديات بما في ذلك الشركات التعاونية للخدمات الفلاحية الخاضعة للقانون عدد 94 لسنة 2005 المؤرخ في 18 أكتوبر 2005”. وجدير بالتدقيق أن الانخراط في قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني هو إختياري وذلك عبر آلية طلب الحصول على العلامة من الإدارات العمومية المختصة. حيث وخلافا لأغلب التشاريع المقارنة، لم يُدمج القانون بصفة آلية المؤسسات الكلاسيكية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني (التعاضديات والتعاونيات وجزء من الجمعيات التي تمارس نشاطا اقتصاديا) في مجال انطباق القانون. وبناء عليه، فإن التعاضديات الناشطة اليوم مخيرة بين أن تنخرط في هذا القانون شرط تحيين أنظمتها الأساسية وطلب العلامة أو أن تبقى خارج دائرة هذا القانون وخاضعة لقوانينها الخاصة بها.

—–

[1] https://www.ica.coop/fr/coop%C3%A9ratives/faits-et-chiffres

[2] Rapport du Secrétaire général de l’ONU, 2009, Le rôle des coopératives dans le développement social, A/64/132.

[3] https://www.sommetinter.coop/fr/medias/communiques/les-300-plus-grandes-cooperatives-du-monde-annoncent-croissance-de-7-et-usd-253tn

Skip to content