أخبار مدنية

التقرير ربع السنوي لمركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الانسان في مصرو تونس و ليبيا

يُغطي هذا التقرير الفترة الممتدة من 1 أكتوبر 2020 إلى31 ديسمبر من نفس السنة، ويشمل الدول الثلاث: مصر وتونس وليبيا حول السياسات والتشريعات المتعلقة بالتحول الديمقراطي وحقوق الإنسان.

ويستعرض التقرير مؤشرات السياسة الممنهجة للنظام المصري لتركيز هيمنته ومجمل أدواته التي أفرغت كل تفكير في الإنتقال الديمقراطي في مصر. بدأ مسار بسط الدكتاتورية عبر جملة من التنقيحات التي شملت الدستور وجملة من القوانين كقانون الدوائر الانتخابية وقانون مباشرة الحقوق السياسية و6 قوانين متعلقة بالقوات والمسلحة وقانون الكيانات الإرهابية وقانون العمل الأهلي ولائحته التنفيذية… وكانت نتيجة هذا المسار الانتخابات التشريعية. ضيق النظام عبر القانون والمؤسسات الحياة السياسية وأقصى المعارضة ليصبح حضورها مقتصرا على بعض الأفراد خلافا لما كانت علية في المجلس السابق. في الأثناء، تم تكريس زبونية سياسية ومحسوبية عائلية ودوائر نفوذ تتكون من مستقلين من رجال الأعمال وشخصيات من خلفيات عسكرية وأمنية. بين غرفتي السلطة التشريعية، يوجد على الأقل 30 شخصا هم في الأصل أقارب وأخوة وأبناء عمومة اجتمعوا على موالاة النظام. لم يكتف الأخير بضبط المؤسسات على ساعة الدكتاتورية بل اتجه الى بناء شبكة مصالح مالية وسياسية وعائلية وأمنية بإشراف أمني واستخباراتي حتى لا يخرج أحد من دائرة سلطته. وعبر حزب مستقبل وطن استبدل النظام وجوه البرلمان السابق بوجوه جديدة لممارسة نفس السياسة القمعية. أضحى بذلك كل حديث عن فصل السلطات والتوازن بينها ترفا وخطابا خشبيا من النظام المصري. يستخدم النظام الإجراءات الإستثنائية كالتدابير الإحترازية والحبس الإحتياطي كعقوبات أصلية تُطيل من بقاء الناشطين في السجون، وأصبحت منظمات المجتمع المدني تحت مقصلة قانون الكيانات الإرهابية. بغض النظر عن الإنتماءات السياسية، الجميع إرهابيون مع وقف النفيذ أو إرهابيون محتملون حسب النظام، باعتبارها تهمة جاهزة. في الأثناء، تعزز الأحكام القضائية هذه الوضعية، فهي أداة تبرئة للمتهمين بالفساد لكنها تجرم الناشطين بصورة آلية، وهي السبب وراء تعزيز العنف ضد الأقلية المسيحية. كان آخر حكم فيما يتعلق بمذبحة ماسبيرو الثانية دليلا على التمييز الهيكلي والمنهجي ضد هذه الأقلية في مخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي ومبادئه وإلتزامات الدولة المصرية بحمايتهم وتعزيز حضورهم الإيجابي في الفضاء العام…

بخصوص تونس، يُقدم التقرير رؤيته للإنتقال الديمقراطي في تونس من زاوية “الإنتقال الثاني”، وهو بناء السلطة القادرة على إدارة الإنتقال وإنهاءه كما يجب. تعيش تونس أزمة تمثيلية متعددة المستويات، فالمشهد الحزبي هش ومتفتت بين أحزاب ربيبة التشكيك في الديمقراطية أو هي ربيبة النظام السابق أو أحزاب تحرص على ضمان موقعها السياسي. الأمر الذي جعلها لا تلعب دورها المنوط بها في تمثيل مناصريها والدفاع عن مطالب الشعب. وهو ما جعل الساحة السياسية تتحرك حسب المصالح السياسية لتجمع أعداء الأمس. انتقلت أزمة التمثيلية إلى مجلس النواب، فهو يُقدم مشهدا برلمانيا عنيفا ماديا ولفظيا، ليُثبت أن النواب بعيدون عن أداء الوظيفة البرلمانية التمثيلية لصالح الوظيفة السياسية. هذا الواقع، عزز الدور الوظيفي للأحزاب والشخصيات السياسية. يبرز إئتلاف الكرامة كحاجز متقدم لحركة النهضة ضد هجمات الحزب الدستوري، والأخير هو مقدمة للخطاب المضاد لها. تعيش السلطات والإدارات تنازعا بين رئاساتها في إطار شخصنة الصراع تحت أسماء راشد الغنوشي وقيس سعيد وهشام المشيشي. في ظل وضع مماثل، أضحى الحكم موقفيا، يتحرك على وقع الأحداث سواء لابرام اتفاق مع محتجين أو إرضاء قطاع مهني ما، خاصة مع صعوبة تبلور إرادة سياسية حول برامج واستراتيجيات مشتركة. على المستوى الحقوقي، عرض التقرير حول تونس ضعف الأطر المؤسسية باعتبارها إحدى ضمانات حقوق الإنسان. يغيب التنسيق المتبادل بين الحكومة والهيئات المستقلة، كما لا يتم فعليا البناء على التقارير الصادرة عنها أو عن الهيئات الرقابية كمحكمة المحاسبات. تكاد تكون الهيئات قاطرة معطلة لتكريس حقوق الإنسان.

في ليبيا، الحوار يتقدم من أعلى. وفي تفاصيله، استعرض التقرير أسماء المشاركين حسب انتماءاتهم الفكرية والسياسية بتفصيل مدقق. يحتج الليبيون على غياب تمثيلية حقيقية للشعب الليبي في الحوار السياسي الذي شابته شبه فساد ومال سياسي سعت لفرض أسماء بعينها. كما أن الاتفاق العسكري يبدو صعب التطبيق حيث بقيت أغلب بنوده غير مفعلة خاصة فيما يتعلق بسحب المقاتلين من خطوط التماس وإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب. بقي الطريق الساحلي الرابط بين شرق ليبيا وغربها مغلقا أيضا. على المستوى الاقتصادي، عقد اجتماعا موحدا هو الأول منذ خمس سنوات لكن بقية الإجراءات القادرة على تغيير الوضع المعيشي لليبيين واستعادة الاقتصاد الرسمي الوطني ما تزال بعيدة. حقوقيا، تتواصل حفر الموت في ترهونة بالظهور لتزيد من أرقام الجثث لكن المتابعة القضائية والمصالحة غير موجودة من أجل تجاوز وزر الماضي القريب الدموي. فيما تلعب المليشيات المسلحة دورا أساسيا في قمع المتظاهرين مواصلة الإصطفاف والتقاتل الذي ينعكس على الحوار السيسي وآفاقه في نفس الوقت.

Skip to content