مقالات

السّلطات تنفي مسؤوليّة أعوانها… اسم جديد في لائحة الوفيات المُسترابة في تونس

مجدي الورفلي
صحفي

تؤكّده المنظمات الحقوقية سياسة الإفلات من العقاب في التعاطي مع حالات الوفاة المُسترابة الناجمة عن عنف أعوان وزارة الداخلية أو أعوان السجون ضدّ مواطنين وهذا ما يصنف تعذيبا، وفق تلك المنظمات. ودائما ما تكون لحالات الوفاة المُسترابة في تونس روايتين، الأولى توجه أصابع الاتهام لأعوان السلطات والثانية رسمية تنفي قطعيّا الرواية الأول، أو تنفي نية القتل.

بعد حوالي أسبوعين منذ وفاة الشاب مالك السليمي، من حي التضامن، إثر الإعتداء عليه في 31 أوت الماضي من طرف الأمن، وفق تأكيد عائلته ومرافقيه، استفاقت البلاد الاسبوع الماضي على خبر حادثة وفاة مُسترابة جديدة في سجن المرناقية تنضاف لقائمات الوفيات المُسترابة، وكان ضحيّتها شاب يُدعى ربيع الشيخاوي من حي هلال يبلغ من العمر 22 سنة، تم إيقافه قبل وفاته باقلّ من أسبوع في قضية حقّ عام أو “بسبب شجار مع أحد الجيران”، وفق رواية عائلته التي فنّدتها الرواية الرسمية.

ذكرت مريم الشيخاوي، شقيقة ربيع، أن “إدارة سجن المرناقية هي المسؤولية عن وفاته بعد تعذيبه وتعنيفه”، حيث عادت إلى سبب إيقافه المتمثّل في شكاية من أحد الجيران على إثر شجار لم يُفرز عن تضرّر شقيقها، ولكن تم القبض عليه يوم الأربعاء 26 أكتوبر الماضي ولم يُبدي أي مقاومة مما لم يُعرضه لأي عنف خلال إيقافه بمركز الأمن أو مركز الإحتفاظ، كما أكدت انه لم يكن يعاني من أي امراض”.

تم إيداع ربيع الشيخاوي سجن المرناقية، بتاريخ 29 أكتوبر الماضي “أين يعمل احد أقارب الجار الذي تشاجر معه كعون سجون حيث تسبب في تعنيفه وتعذيبه كانتقام منه ووفاته في 2 نوفمبر الجاري”، وفق رواية أخت الضحية التي دعمت اتهاماتها بآثار الأصفاد والكدمات التي تؤكّدها صور شقيقها التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.

رواية السلطات، نفي العنف والتعذيب

في إتجاه مُعاكس تماما لرواية أخت ربيع الشيخاوي، نفت كل الجهات الرسمية أي مسؤولية عن الوفاة المُسترابة حيث نفى رمزي الكوكي، رئيس الإدارة الفرعية للشؤون الجزائيّة بالهيئة العامة للسجون والإصلاح في تصريح إعلامي، تعرض الشيخاوي لأي شكل من أشكال التعذيب أو العنف أو حتى الإهمال أو التقصير، 

حيث تعكرت حالته الصحية وتم عرضه على طبيب السجن الذي قرر تحويله إلى قسم الاستعجالي بمستشفى الرابطة، “إلا أن المنية قد وافته”، وفق رواية الكوكي.

جاء في رواية الناطقة باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة سندس النويوي في البداية أن السبب في تعكر حالته الصحة ووفاته،  “نوبة صرع باعتباره متعود على تعاطي المخدرات”، تم نقله على إثرها إلى مستشفى الرابطة لتلقي الاسعافات الضرورية، وبعد اعادته الى السجن، تعرّض في نفس اليوم الى نوبة ثانية قرّر إثرها الاطار الطبّي للسجن إعادته للمستشفى مرة أخرى لتلقي الاسعافات الضرورية، إلّا أنه توفي في الطريق قبل وصوله الى المستشفى، وفق روايتها في انتظار نتائج التحقيق.

إذ أكدت الناطقة باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة أن النيابة العمومية أذنت بفتح بحث والاذن بتشريح الجثة لمزيد الوقوف على أسباب الوفاة، لكن الأكيد وفق النويوي أن المعاينات الاولية تؤكد عدم وجود آثار عنف على ربيع الشيخاوي، وحتى “آثار الكدمات البسيطة حصلت قبل دخوله الى السجن”، كما قالت.

اعتراف بآثار الأصفاد

صدر تقرير الطب الشرعي الأولي، يوم أمس الثلاثاء 8 نوفمبر الجاري، وورد فيه ان الضحية كان يحمل “آثار عنف على اليدين ناجمة عن الأصفاد”، وفق تصريح الناطقة باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة سندس النويوي التي رفضت الكشف عن باقي تفاصيل التقرير نظرا لأن الأبحاث مازالت جاريةّ، في انتظار صدور تقرير الطب الشرعي النهائي.

حيث اكتفت الناطقة باسم المحكمة الابتدائية بمنوبة بالتأكيد انه سيتم التحقيق في ملابسات الحادثة والاستماع لكل من الإطار الطبي بالسجن وبالمستشفى، وإجراء اختبارات أخرى معمقة تتعلق بالدم والكبد والأمعاء وهو ما يعرف باختبار المواد السمية.

ويوجد صنفان من تقارير الطب الشرعي، التقرير الأول يُمكن أن يصدر حتى بعد يومين 48 ساعة ويتضمن معاينة أولية لجسد المتوفي مع أخذ عينات مختلفة، ويتم بعد تلك المعاينة الأولية الإذن بالدفن في انتظار صدور التقرير النهائي الذي يتضمن نتائج كل الاختبارات مما يتطلب في بعض الأحيان أشهرا  قبل صدوره. 

لائحة طويلة من الوفيات المُسترابة

ليس بالجديد في تونس أخبار الوفيات المُسترابة في السجون أو مراكز الأمن والاحتفاظ أو تلك الناتجة عن عنف أعوان وزارة الداخلية، كما تؤكّد روايات عائلات ومرافقي الضحايا والشهود والمنظمات الحقوقية، فقبل حوالي أسبوعين من وفاة ربيع الشيخاوي، توفيّ مالك السليمي في مستشفى شارل نيكول بعد دخوله في غيبوبة منذ 31 أوت الماضي بسبب عنف شديد مورس عليه من طرف أعوان وزارة الداخلية، وفق رواية عائلته ومرافقيه.

وتتمثل تفاصيل الحادثة في مطاردة مالك السليمي، الذي كان على دراجته النارية، من طرف اعوان وزارة الداخلية، مما أدى إلى سقوطه في احد الخنادق والذي تبعه الاعتداء عليه بالعنف الشديد من طرفهم، وفق تأكيد مرافقيه الذين تعرضوا بدورهم للعنف يومها.

ليتسبب العنف الشديد الذي تعرض إليه في دخوله في غيبوبة منذ 31 أوت الماضي وشلل في يديه وساقيه بسبب إصابة على مستوى عموده الفقري، ورغم خضوعه للعناية المركزة في قسم الإنعاش بمستشفى شارل نيكول إلا أنه توفي في 13 أكتوبر 2022 بقسم الإنعاش بنفس المستشفى، مما أنتج احتجاجات ومواجهات بين الأمن والشباب بحي التضامن جابهتها قوات الأمن بحملة اعتقالات واسعة بالمنطقة.

قتل بالرّصاص الحيّ

في 8 سبتمبر 2022 تعرض شاب تونسي، اصيل منطقة سبيبة من بولاية الڨصرين ويبلغ من العمر 23 عاما، ويُدعى محسن الزياني إلى طلق ناري من طرف أحد أعوان الحرس الديواني بعد مواجهات بين اعوان الديوانة التونسية والتجار المنتصبين في الشارع بساحة الحبيب ثامر بتونس العاصمة، مما تسبب في وفاته، وفق رواية شهود عيان.

تفاصيل الحادثة تمثلت في قيام دورية تابعة للحرس الديواني بمداهمة أحد الشوارع المحاذية لساحة الحبيب ثامر بعد تفطنها لوجود كمية من السجائر المهربة بإحدى السيارات التابعة للتجار في الشارع، واثناء المداهمة حصلت مواجهات بين أعوان الديوانة ومجموعة من التجار الذي كان من بينهم محسن الزياني الذي أصيب بإحدى الرصاصات التي اطلقها عون الديوانة التونسية اوالذي سارع بعدها بامتطاء إحدى سيارات الديوانة بالمكان، والمغادرة بسرعة.

إلا ان الإدارة العامة للديوانة نفت تعمد العون الذي أطلق الرصاص اصابة محسن “الذي كان داخل سيارة محملة بالسجائر وحاول الفرار بها ممّا أجبر أحد الاعوان على إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الهواء وعلى عجلات السيارة أصابت إحداها السائق”، وفق رواية الديوانة، التي يُشكك فيها العديدون بالنظر إلى الصور التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تُثبت وجود آثار الرصاص على البلور الأمامي والجانبي للسيارة وليس فقط العجلات كما قالت الديوانة.

وقد تم في البداية الاحتفاظ بعونين من أعوان الديوانية الذين كانوا متواجدين خلال الحادثة، ومن ثم إطلاق سراحهما.

إبتلع المخدّرات  !! 

لائحة الوفيات المُسترابة، أضيف إليها في 27 أوت 2022 اسم كريم السياري، وهو شاب من منطقة تيجنة بولاية بنزرت يبلغ من العمر 24 عاما، والذي توفي بعد تعرضه للعنف الشديد من قبل دورية لأعوان وزارة الداخلية، وفق رواية أخته وشهود من مرافقيه، والتي مفادها ان السياري كان معهم بالحيّ أين مرت دورية امن فرّ الجميع على إثرها بما فيهم ضحية الوفاة المُسترابة.

لتقع ملاحقته و”يتمّ القبض عليه حينها والاعتداء عليه بالضرب ورشه بالغاز المشل للحركة، ومن ثم استعمال الهراوات لضربه ثم أخذه الى مركز ‏الاستمرار بمنطقة الامن الوطني بمنزل بورڨيبة وهو مغمى عليه وفي حالة صحية حرجة، ليقوموا بنقله ‏فيما بعد‎ ‎إلى المستشفى الجهوي بمنزل بورڨيبة لإسعافه بعد تعكر حالته الصحية لكنه توفى”، وفق ما أكدته أخته.

وكما جميع الحالات السابقة نفت وزارة ‏الداخلية علاقة أيا من أعوانها بوفاة كريم السياري، وتقدم رواية مخالفة تماما لرواية أخت ضحية الوفاة المُسترابة ومفادها “الوفاة ناجمة عن ‏ابتلاع الضحية لكمية من المواد المخدرة أثناء ملاحقته والقبض عليه”.

وفي جنازة السياري حاصر أعوان وزارة الداخلية الحي الذي يقطنه الضحية بالسيارات وإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة ومن ثم القبض على عدد من الشباب الذين احتجّوا على اثر الواقعة.

الإفلات من العقاب يُقابله ضحايا جُدد

ربيع الشيخاوي ومالك السليمي ومحسن الزياني وكريم السياري وقبلهم وليد دنقير وعبد السلام زيان وأيمن العثماني وعمر العبيدي وغيرهم، كلها أسماء لضحايا الوفاة المُسترابة التي يستبب فيها بدرجة أساسية “سياسة الإفلات من العقاب” لمواجهة الانتهاكات والتعذيب ووجود “نوع من التواطؤ بين النيابة العمومية وأجهزة القضاء في التعامل مع اعوان وزارة الداخلية في حال وجود قضايا ضدهم أو عند أخذ أقوالهم في حالات الوفيات المُسترابة”، وفق ما أفاد به كاتب عام الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بشير العبيدي لـ”الجريدة المدنية”.

وفي تقدير الحقوقي، فالـ”إفلات المتواتر من العقاب جعل أعوان الامن يعتقدون أنهم فوق القانون ولن يُحاسبوا حتى في صورة قيامهم بتجاوزات أو انتهاكات تنتج عنها وفاة”،

 خاصة ان شكايات سوء المعاملة والتعذيب التي يرفعها مواطنون ضد أعوان الامن وحالات الوفاة المُسترابة لا تصل عادة إلى طور المحاكمة، كما ان الأبحاث في جرائم التعذيب أو سوء المعاملة عادة ما يتم فتحها في نفس المراكز الأمنية التي وقع فيها الاعتداء.

وهو ما جعل عدد ضحايا التعذيب والعنف والوفاة المُسترابة يتزايد، وفق كاتب عام رابطة حقوق الإنسان الذي طالب بوضع حد لسياسة الإفلات من العقاب والحصانة التي تتمتع بها قوات والأمن وحفظ النظام في حال ثبوت تعذيب أو عنف مُفرط نتج عنه وفاة أو حتى دون وفاة، وإلا فحالات الوفاة المُسترابة لن تتوقّف، وفق بشير العبيدي.

Skip to content