مقالات

القضاء من السلطة الى الوظيفة.. هل تحقق حلم الرئيس؟

وجيه الوافي.
صحفي

عندما يقول رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارته لمخزن الأدوية في بن عروس: “من يتجرأ على تبرئتهم فهو شريك معهم في الجريمة”، والكلام موجه للقضاة المباشرين للقضايا المتعلقة بعدد من السياسيين والحقوقيين اللذين تم ايقافهم مؤخرا، فهو انتقل صراحة إلى تهديد القضاة وتوعدهم بالويل والثبور لكل من يقضي بإخلاء سبيل أي من الموقوفين حتى وإن ثبتت براءته بالدليل والبرهان، بما يعني ضرب الحق في التقاضي العادل وضرب مبدئ أساسي من مبادئ استقلال السلطة القضائية.

يعتبر القضاء حاميا للحقوق والحريات فهو الذي يُنصف من انتهكت حقوقهم، ويردع ويعاقب من انتهك تلك الحقوق. وقد نصت المواثيق والقوانين الدولية على الحق في التقاضي ومنها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نص صراحة على حق الانسان في التقاضي وكذلك نصت عليه جميع القوانين والدساتير.

لذلك يعتبر القضاء ملاذ المظلومين وملجأ المحرومين المنتهكة حقوقهم وفي الغالب تكون هذه الفئة ضعيفة ولا تستطيع مواجهة خصومهم الذين يكونوا نافذين وأقوياء لذلك نصت القوانين المنظمة لإجراءات التقاضي على ضمانات وحقوق تضمن للجميع اللجوء للقضاء وفقا لإجراءات شفافة وسهلة ومبسطة يستطيع الجميع سلوكها وتضمن عدم اختلال الاجراءات أو انحرافها، ومن أهم عناصر اجراءات التقاضي جلسات التحقيق والمحاكمة.

ومن بين معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني ورد حق التقاضي فنصت المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه، وهذه المادة توسعها المادة 14 من العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن الناس جميعا سواء أمام القضاء، ومن حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون.

وبالعودة إلى تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيد وأستاذ القانون الدستوري سابقا الذي انتهك مبدأ الحق في التقاضي العادل في وضح النهار، قال الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي، محمد عبو، “القاضي الذي يجرؤ خوفا من قيس على إيقاف خصومه أو سجنهم دون أي أساس قانوني، فهو شريك له، يجب أن يحاكم يوما وأن يبحث بعد ذلك عن مهنة أخرى غير القضاء والمحاماة وألا يعول على طبقة سياسية منعت هذا في السابق، يبدو أن قيس سعيد  بصدد الانتشاء بما يحصل في القضايا التافهة أمام تصفيق جمهور المغفلين، ولا أظنه خجل من ترهيبه للقضاة حتى يعملوا حسب أهوائه حتى في غياب نص تجريم، ولعله مسرور بذلك فجمهوره الذي انتخبت أغلبيته في ظني كل أصناف الأحزاب الفاسدة والشعبويين المتحيلين يعشق هذه الأخبار ثم يصم ٱذانه على الحقيقة ويعود إلى جولة أخرى من الاستغباء. فساد ماذا الذي قاومه قيس؟ قانون ماذا الذي فرضه؟ تقدم ماذا الذي سيأتي مع عبثه؟”

تبقى جملة من الأسئلة المطروحة، كيف تلقى المواطن رسالة الرئيس تهديد القضاة؟ هل عدنا إلى قضاء التعليمات؟ هل تحقق حلم الرئيس بتحويل القضاء إلى وظيفة وجرده من سلطته؟ خاصة وأن المواثيق والحضارات الإنسانية، اكدت على أن العدالة تعد من أهم ركائز ودعائم إقامة المجتمعات الإنسانية وضمان تقدمها وتطورها وتنميتها وتحقيق الاستقرار والأمن والأمان لها وللأفراد المنتمين إليها أو المتواجدين في كنفها، فهل بمثل هده والتصريحات التعليمات والضغوطات على سلطة القضاء نبني ديمقراطية؟؟ 

Skip to content