ما بعد 25 جويلية، كيف نبني تونس الجديدة؟

المنتج السينمائي الحبيب بلهادي : يجب إرساء مشروع اجتماعي وثقافي يتجسد بتشريك مفكرين ومثقفين وشخصيات مستقلة ومختلفة تماما مع رئيس الجمهورية

حاورته تبر النعيمي
صحفية

طيلة العشر سنوات الماضية استهدفنا من كانوا في الحكم، وكلما زادت تمثيليتهم في الحكم زاد استهدافهم لنا نحن أهل الثقافة. لقد عانينا لعقد، وتعرضنا إلى الاعتداءات والتنكيل و أستحضر هنا ما تعرض له السينمائي النوري بوزيد من تهديدات و أحداث أفركا والعبدلية. كان ذلك عن طريقأبنائهم الذين يحملون فكرا جديدا وظلوا يتسترون عليهم مع قضاء متواطئ.

تعد الثقافة القطاع الأكثر تضررا من الثورة للأسف، فبدل أن تكون هي العضد الأيمن للثورة أضحت مستهدفة وتقلصت ميزانيتها. لكل ذلك استبشرنا بالخامس و العشرين من جويلية لكن في البداية لم يكن مشروع التغيير واضحا، ثم توضح عبر المرسوم الرئاسي 117 المتعلق بالإجراءات الاستثنائية وخلنا أن الأمور ستشهد تطورا نحو الأفضل لكن صار هنالك تردد وربما خوف وعدنا إلى تهميش القطاع الثقافي في ظل غياب مشروع ثقافي واضح.

على رئيس الجمهورية أن يضع حدا لحالة الحيرة التي نعيشها!!

لم يتحدث رئيس الجمهورية كما ينبغي عن قطاع الثقافة وهذا ما أنتج حيرة إزاء الوضع ناهيك في ظل الاستفراد بالحكم مع يقيننا بأن الملفات التي ينظر فيها رئيس الجمهورية هي ملفات كبيرة وحجمها ثقيل. ولكن كان بإمكانه أن يعطي إشارات إيجابية ويضع سقفا لهذه المدة الانتقالية متى تنتهي ويحدد موعدا للانتخابات التشريعية. حتى لا نتعرض إلى الضغط من الخارج ولا يستغل معارضوه الوضع للاستنجاد بالخارج ومحاولة ربح المعركة الإعلامية وكسب أصدقاء وحلفاء.

أطلب من رئيس الجمهورية أن يحيط نفسه بأشخاص من ذوي الكفاءة مع التميز بحس وطني عال. فالبلاد اليوم بحاجة إلى يقظة عالية وتأهب كبير ومشروع وطني يأخذ بعين الاعتبار المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، طبعا مع السياسية والتشريعية. لأن كل تأخير يجذبنا إلى الوراء وفي صالح أعداء هذا التغيير وأعداء تونس. ولا بد من الرجوع إلى الديمقراطية بمجلس نواب منتخب مع تشريك الشعب التونسي بجميع فئاته في هذا التغيير.

كما يعد القضاء ملفا عاجلا إذ لا بد أن تجد السلطة القضائية حرمتها واستقلاليتها وقوتها مع إرساء مشروع اجتماعي وثقافي يتجسد بتشريك مفكرين ومثقفين وشخصيات مستقلة ومختلفة تماما مع رئيس الجمهورية. إضافة إلى مشروع سياسي وتشريعي تشارك فيه القوى السياسية التقدمية والديمقراطية حتى ننهض بتونس ونبني تونس الجديدة.

بم تتوجّه لوزيرة الثقافة حياة قطاطة؟

أدركنا أنها معادية لثقافة الكتب الصفراء ولثقافة الظلامية ولكن إلى أين سنذهب سويا؟ هذا ما يجب أن ندركه حتى لا نتورط في الحكم الفردي وفي مساندة اللاشرعية. أنا مع تغيير الدستور ولكن في إطار ضوابط وبتشريك أطراف حتى وإن أخطأت سابقا. ثم إنه على وزيرة الثقافة توضيح المسار الذي ستنتهجه، أي الإعلان عن التوجهات الأساسية لسياستها الثقافية والأكيد أنها ستجد الدعم والتشجيع من قبل أغلب العاملين في القطاع الثقافي. اليوم نحن في حاجة إلى مسؤول ينظر معنا إلى المستقبل ولا ينكب فقط على فض المشاكل المهنية على أهميتها.

 إضافة إلى ضرورة تجاوز العراقيل التي وضعتها حركة النهضة في عشرية حكمها حين منعت اللجان الثقافية المحلية والجهوية والوطنية من مساندة العمل الثقافي. كل هذا مع إرساء مشروع ثقافي شعبي وجماهيري يشارك فيه المواطنون والمثقفون والفنانون والمنشطون والعاملون في القطاع الثقافي.

كما أقترح تعميم المهرجانات ودعم ميزانية الوزارة وإعادة تأهيل البنى التحتية الثقافية من دور ثقافة ومكتبات وتعميم رقمنتها وإعادة إدماج ثمانية آلاف موظف في التنشيط الثقافي وفي خدمة الثقافة أكثر من خدمة الإدارة.

ما الدور الذي يجب أن يضطلع به القطاع الثقافي اليوم؟

يجب على الثقافة أن تضع اليد في اليد مع التربية بوضع استراتيجية تتجاوز العمل السياسي الوقتي والقريب للبناء على مستوى بعيد، مثلما حدث إبان الاستقلال أي ما أنجزه الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة مع الشاذلي القليبي ومحمود المسعودي. أي إرساء روابط متينة بين المؤسسة التربوية والمؤسسة الثقافية لإرساء مشروع تربوي حقيقي يربط المدرسة والتلميذ والإطار التربوي بالمؤسسة الثقافية. ودون ذلك لا يمكن تغيير ما بالتونسي لأن تأثير الشارع أقوى من تأثير المؤسسة.

كيف ترى واقع السينما في تونس؟

رغم الأزمات تطور الانتاج على المستوى الكمي والنوعي أيضا، وهذا أمر جيد ومهم لكن لا يكفي إذ قد يستمر لسنين معدودة فقط خاصة في ظل محدودية الإمكانيات. لذلك لا بد من إعادة هيكلة قطاع السينما وإعادة ترتيب البيت حسب الاختيارات السياسية التي تجسد حق المواطن في تلقي المنتوج الثقافي. هذه السينما التي أسعى إليها شخصيا، ولا تتحقق إلا بالابتعاد عن النسق الليبرالي الأمريكي والقرب أكثر للنظم الأوروبية الاجتماعية للعمل الثقافي، بمعنى أن رعاية الدولة للثقافة تكون بغاية تقريبها من المواطن وبإرساء اللامركزية. فعلى عاتق الدولة تقريب الثقافة والفنون من المواطن ومن بينها السينما.

وإن لم تصل الأفلام إلى جميع المواطنين فذلك يعني سوء التصرف في دعم الدولة الذي يساهم فيه المواطنون جميعهم لكن لا ينتفع به الجميع. كما أن هنالك مخرجين لا يتمكنون من إنجاز مشاريعهم السينمائية لعدم توفر الإمكانيات، في ظل محدودية حجم الدعم وجود لوبيات تحافظ على وجودها عبر استفادتها من الدعم وتحكمها فيه.

بوجود تطور على مستوى حجم الانتاج هل اقتربنا من عصر صناعة سينما في تونس؟

أحنا عندكش عندي في القطاع الثقافي بشكل عام وفي مجال السينما بشكل خاص، لدينا كفاءات تبرز وتشع وتحقق نجاحات، لكن ليس هناك تخطيط ولا وجود سوى لسياسة تهمش القطاع الثقافي. فالاستراتيجيا تنبني أساسا على الوسائل والأهداف وهذا ما نفتقده في مجال السينما لذلك ما يزال الطريق طويلا لتحقيق صناعة سينمائية في تونس.

Skip to content