مقالات

المنشور 20 وتعطل أطر التفاوض الاجتماعي

طارق السعيدي
صحفي

أصدرت الحكومة التونسية المرسوم عدد 20 والقاضي بمنع المدراء والمسؤولين في الدولة من التفاوض مع الطرف النقابي إلا بعد الحصول على إذن مسبق خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا ذات مفعول مالي. وقد اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل هذا المنشور متنافيا مع تقاليد الحوار ومع الحق النقابي في تونس.

إن الترجمة الحرفية والفعلية لهذا المنشور تفيد بأنه منع للتفاوض والحوار الاجتماعي في أطره الوسطى والدنيا ليمثل المنشور حجة لدى المسؤولين في الدولة لرفض التفاوض مع النقابات الأساسية ومع النقابات العامة أي أن القضايا القطاعية والقضايا العمالية الخصوصية لن تجد فضاء خاصا بها للتفاوض.

في طبيعة التفاوض

إن التفاوض والحوار الاجتماعي في تونس مكسب تاريخي وتعود جذوره إلى أكثر من 60 سنة. وهو أمر ضروري لاستمرار العلاقات الشغلية واستقرارها. وقد اثبتت التجربة التونسية أن انعدام التفاوض والحوار كان سببا مركزيا للتوتر والصدام سواء في مستوى المؤسسات أو القطاعات أو حتى في مستوى المؤسسات الخاصة. ومن الضروري جدا الانتباه هنا إلى أن الحق في التفاوض يرتبط بمسألة حساسة جدا لدى النقابيين وهي الاستقلالية النقابية إذ أن التفاوض هو شكل من الاعتراف المتبادل لا بوجود أطراف التفاوض فقط بل بقدرتهم الحرة على صياغة موقفهم النابع من استقلاليتهم. فالتفاوض هو لقاء بين إرادات مستقلة من أجل علاج اشكال محدد بشكل يضمن مصالح الطرفين المشتركة. وبناء على هذا الأمر فإن رفض التفاوض او اغلاق الباب دونه يعتبر بشكل من الأشكال تصعيدا اجتماعيا.  

هيكلة التفاوض

إن التفاوض الاجتماعي بما هو تقليد تونسي عريق لا يقتصر على التفاوض بين الحكومة والمكتب التنفيذي الوطني بل هيكلته أعمق وأكثر تشعبا من ذلك بكثير. ففي القطاع الخاص تم تأسيس العلاقة التفاوضية على أسس القطاعات، أي أن المفاوضات الاجتماعية تكون قطاعية وذلك لسببين أولا تعزيز التضامن داخل القطاعات وثانيا أن تكون المفاوضات متناسبة مع واقع القطاع وتراعي خصوصيته الاقتصادية والاجتماعية والقانونية وغيرها. واذا كانت السنوات الأخيرة قد شهدت توجها نحو مركزة المفاوضات الاجتماعية فإن هذا الخيار قد فرض نتيجة الظرف السياسي العام الذي اتسم بالغموض والتشعب والتوتر نتيجة الاغتيالات وهو ما يجعل المركزة حلا مهما لإجراء المفاوضات بأقل درجات التأثر بالعوامل السياسية. أما  في ما يخص قطاع الوظيفة العمومية فإن التفاوض يشهد الكثير من المستويات فهناك التفاوض الوطني العام الذي يهم القضايا الكبرى والمشتركة وهناك التفاوض الخصوصي الذي يشمل القضايا الاجتماعية والعمالية ذات الطابع الخصوصي مثل القوانين الأساسية ومثل المطالب الخصوصية التي تختلف من قطاع إلى آخر فمطالب قطاع النقل تختلف عن مطالب قطاع الطاقة أو قطاع الفلاحة أو غيرها، وتتم مناقشة هذه المطالب على مستوى قطاعي مرتبط بالوزارات أو بالإدارات  العامة أو بمجلس إدارة المؤسسة وتمثل هذه الأطر المختلف مجالات للتفاوض تسهل عملية التفاوض برمته. فالتفاوض المجزء المحدد المحاور بحكم الخصوصيات القطاعية يسهل التوصل إلى حلول ويحمي التفاوض من هالة التأثيرات غير الاجتماعية.  

تدارك الخطأ

إن إصدار المنشور عدد 20 المتعلق بوقف التفاوض ضمن هذه الأطر المذكورة آنفا لا يمكن فهمه إلا في إطار تعطيل التفاوض وصدّ باب الحوار أمام العمال وممثلي الاتحاد العام التونسي للشغل في المستويات المذكورة سيؤدي الى تجميع الإشكاليات في إطار وطني عام يعسر حلها وهو ما سيخلق توترات على مستوى القطاعات وعلى المستوى الوطني وذلك لأمر بسيط جدا وهو أن البديل عن الحوار هو الصراع. ولعل كلام الأخ نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الصدد قد كان واضحا بعد أن حمل المسؤولية لمن اتخذ القرار وأصدر المنشور، خاصة وأن المطالب الاجتماعية والعمالية القطاعية متراكمة ولا تحتمل التأخير او التعطيل.  إن اتخاذ قرار تعطيل إطار الحوار يمثل خيارا خارج التاريخ الحالي لتونس الذي يقتضي أكثر قدر ممكن من الحوار والانسجام الاجتماعي وقد يكون من الأنسب التراجع عنه سريعا حتى لا يكون سببا في مزيد الاحتقان والتوتر الاجتماعي في مستويات وأطر كانت تتسم بالسلاسة والهدوء إلى وقت قريب جدا. 

Skip to content