مقالات

الهجرة غير النظامية :

حرب البقاء لمن هم أقوى

مريم بريبري

5 جانفي 2018 تأتينا الاخبار من لمبيدوزا بإيطاليا :

انتحار شاب تونسي أصيل قفصة يدعى علي فجراوي، بعد أن واجه الظروف اللإنسانية  مع غيره من المهاجرين غير النظاميين  في لمبيدوزا وفي مراكز «فرز المهاجرين الإيطالية» .

يوم واحد بعد الحادثة :6جانفي 2018، نفس الخبر لا يتغير منه سوى بعض التفاصيل وحتى الأسباب لا تختلف عن بعضها، الفارق فقط هو أن المنتحر في ربوع تونس تاركا رسالة لست الأول ولا الأخير في دولة استباحت حق الفقير. هما في الحقيقة شخص واحد كتب النص وأخرجه و قام بهذا الدور التراجيدي المبدع.

الأزمة الإنسانية مسؤولية من؟

في أوت الماضي  قام  زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة بأوروبا والمنظمات  العنصرية  بحملة ضد المهاجرين غير النظاميين وقاموا بجولة عبر البحر في باخرة سي ستار العنصرية حاملين شعارا مفاده : لا تجعلوا من أوروبا وطنا لكم وكانت قد اقتربت من الموانئ التونسية وحاولت أن ترسو بإحداها وكانت  تخوفات المجتمع المدني بتونس كبيرة خاصة من أن تضر بباخرة الإنقاذ الإنسانية اكواريوس .

هذه العنصرية لم تثن المهاجرين من عديد البلدان الإفريقية من مواصلة ما عزموا عليه.

رغم أن أحداث الغرق كانت كثيرة والاوضاع  الإنسانية صارت كارثية خاصة،  بعد  عملية  الإغراق  الشهيرة  في قرقنة، 8 أكتوبر 2017. الأمر الذي يدل على تهاون الدولة وسقوط السلطة  تحت إمرة  الدول الأوروبية وفي تبعية مباشرة لها، فهي تنفذ أوامر من يعطي الغذاء والنقد. 

  يحتجز المهاجرون القادمون من تونس إلى إيطاليا  في لمبيدوزا وبمراكز الفرز في ظروف لا إنسانية  تنعدم فيها أبسط الحقوق.

إذ جاء ببيان المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية  على أثر حادثة انتحار علي فجراوي :  أن المهاجرين  محرومين من حقوقهم و يشك بعضهم بأن الأطعمة المقدمة لهم تحتوي على مواد مخدرة للحد من احتجاجاتهم. للأسف، لم تجد نداءاتهم رغم تعددها تفاعلا من أي طرف من الأطراف مما دفع ببعضهم للقيام بمحاولات يائسة على أمل تسوية وضعياتهم.

كما أن عمليات الترحيل القسري تجري بشكل دوري وخلال هذه العمليات، يقيدون وثاق المهاجرين ويمنعونهم من استخدام الهواتف كما يرافق المهاجر الواحد عونا أمن اثنين. فالاتفاقيات الثنائية الغير رسمية الموقعة بين تونس وايطاليا تسمح بمثل هذه الممارسات.  كل هذه التنازلات تقدمها الحكومة التونسية مقابل خدمات أمنية ودعم مادي مدرجة بذلك مسألة الحد من الهجرة السرية ضمن ما يسمى ب»سياسات التنمية والتعاون».

الهجرة غير النظامية باتت هي الحل الوحيد لمواجهة الفقر والتهميش وللبحث عما هو أفضل.

من خلال تصريحات الناجين من عمليات الاغراق أو العائدين من بلدان أخرى أو حتى الذين فشلوا في عبور الحدود الإقليمية وعادت بهم السكادرا إلى شواطئهم المنسية غالبا ما تكون الإجابة عن الأسباب  القمع الحڨرة والفقر.

الأمر الذي يحتم علينا البحث في سياسات الدولة المتبعة لحل الازمات الاقتصادية والاجتماعية والخطة الثقافية التي تضعها لمقاومة كل اشكال التمييز والعنف.

 السياسات الاقتصادية  الاجتماعية 

لم تقترن يوما بقضايا الشعب ولا بتطلعاته أو مطالبه، المزيد من التمييز السلبي بين الجهات والمواصلة في مسار إفراغ  الحراك الاجتماعي من مطالبه الأساسية.  فضلا عن تمرير القوانين التي لا تخدم سوى مصالح فئة معينة.  زد على ذلك قمع الاحتجاجات والمعاملات المهينة أثناء الإيقاف أو حتى في الشارع.

وقف الاستثمارات والتشجيع على الاستثمار، وقف الانتدابات في الوظيفة العمومية واستنباط العقود الهجينة التي تخدم فقط مصلحة المشغلين الخواص ولعل أولها عقد كرامة الذي تضخ فيه الدولة مبالغ كبيرة من الميزانية وتتحمل نسبة كبيرة من خلاص المنتدب مقارنة بالنسبة المحمولة على المشغل.

دون أن ننسى طبعا مسألة السيادة الغذائية التي باتت مداسا للحكومات المتعاقبة على تونس منذ سنوات. توريد البذور العقيمة والضغط على الأسعار بمزيد من التوريد، الخضوع إلى الاتفاقيات الاقتصادية الاستعمارية واستيراد حتى القمح الذي كان أحد أعمدة القطاع الفلاحي في تونس.

هذه السياسات طالما كانت خاضعة لإكراهات صندوق النقد الدولي  واتفاقيات التبادل الحر التي تسعى  السلطة جاهدة إلى إخضاع الاقتصاد الوطني لها. 

تتفاقم نسبة البطالة يوما بعد يوم، وفي المقابل تزيد أكاذيب الحكومات ورؤسائها.

 توجيه التشغيل والانتدابات نحو الخواص لم يكن يوما موفقا أمام ماكينة ضخمة  من رؤوس الأموال تأكل الأخضر واليابس لا تتوقف عن الأكل حتى.

 هذه الماكينة التي لها ممثليها في مجلس نواب الشعب وحتى في التأسيسي سابقا، لن ترضى بقوانين ولا سياسات قد تقف عائقا أمام الربح السريع وأمام  تكثيف الإنتاج ومكننة العامل.

في 2018 اليوم مازلنا نسمع عن تشغيل القصر والقاصرات وعن أجر 4500 مليم في اليوم وعن موت عاملات الفلاحة في الطريق وعن تحيل أصحاب المصانع في ملفات التغطية الاجتماعية، كلها أمور تغض الدولة عنها البصر طبعا.

الخطط الثقافية

فتح  دكاكين تبيع الثقافة حسب ما يحتاجه النظام ، هذا ما سعى له بن علي جاهدا لضمان الحد الأقصى من التجهيل والتفقير الفكري .

واصل في ذلك ورثته فيما بعد، حتى صارت هذه البنايات مجرد حيطان تسمع صدى صوت النظام .

إذ لم يستوعب الوزراء بعد أن وعي الشباب  تجاوز الكرنافالات المفرغة المحتوى وإستراتيجية مقاومة الحرقة والتطرف وغيرها برسم مسار خاطئ صادر من السلط التي تكاد تكون بعيدة تماما عن واقع البلاد، فضلا عن تكريس مركزية مقيتة تزيد الهوة بين الريف والمدينة بين العاصمة والمدن الداخلية وبين المركز والأحياء الشعبية.

اتساع الهوة بين تطلعات أبناء الشعب ومطالبهم وبين سياسات الدولة جعل الشعب يبحث عن مكان آخر ممكن وليس تونس أخرى ممكنة.

يقول أكرم أحد الذين فشلوا في بلوغ شواطئ اللمبيدوزا وفي كل مرة يعود إلى صفاقس : لم يكن العمل يعنيني كثيرا أبحث فقط عن معاملة أحسن، عن بلاد لا أهان فيها ولا أسمع كل أنواع السب والشتم في أمي وأختي وأهلي فقط لأجل  «ماتش كورة».

ابحث عن معاملة إنسانية. 

ضحايا 8 أكتوبر خلفوا أزمة إنسانية أخرى في تونس، لوعة الأهالي، بكاء الأمهات، غرق النساء  ويتم الأطفال.

ونعود مرة أخرى إلى مارس 2011 وما بعده من أحداث إغراق لمراكب الهجرة غير النظامية. لم تكد تونس تنسى الفاجعة الأولى حتى تلتحق الثانية وتصاب أكثر القرى تهميشا وفقرا في ابنائها تدفنهم وتدفن معهم كل أحلام الوطن و أحلام تونس أخرى ممكنة التي طالما بحثنا عنها منذ حرق البوعزيزي لنفسه وسقوط  أول شهيد.

أحلام الحرية والكرامة و التشغيل والأرض كلها دفنت مع من حاولوا وضنوا أنهم فشلوا فهاجروا . 

يعيش هؤلاء على أمل أن يقذفهم البحر إلى من يراهم بشرا. وتعيش السلطة على أمل أن لا يعود منهم سوى تحويلاتهم البنكية، أو أن يعودوا جثثا لتسقط من قائمات انتظار الحق في التشغيل، وقوائم المفقرين الذين سرعان ما يتحولون بفضل سياسة الإغراق الاجتماعي إلى مشاريع منتفضين.

Skip to content