مقالات

بمناسبة اليوم العالمي للبريد 09 أكتوبر. حين يتحول البريد من ناقل للرسائل إلى جسر للتنمية والإنتقال الرقمي: أي مستقبل للبريد التونسي؟.

نصر الدين ساسي
صحفي

يحتفل العالم في التاسع من أكتوبر باليوم العالمي للبريد، وهي مناسبة تدفع إلى إعادة التفكير في دور هذه المؤسسة التي كانت لعقود أحد أعمدة المرفق العمومي وأقرب واجهة للمواطن.

في تونس، تأتي الذكرى في ظرف صعب تمر به مؤسسة البريد التونسي بين ضعف الإمكانيات وتراجع الخدمات واحتدام المنافسة من البنوك والمؤسسات المالية.

ورغم شبكته الواسعة التي تتجاوز الألف مكتب وتغطي كامل التراب الوطني، يعاني البريد التونسي من هشاشة هيكلية وتراجع خدماته التقليدية، خصوصا البريد السريع وتوزيع المراسلات.

وقد نبهت الجامعة العامة للبريد في بيانها الأخير إلى خطورة المسار الحالي الذي قد يؤدي إلى تهميش مؤسسة عمومية تؤدي وظيفة اجتماعية حيوية في تقريب الخدمات من المواطن، خاصة في المناطق الريفية والداخلية.

بين تجارب العالم ومأزق تونس

في العديد من البلدان، تحول البريد من خدمة كلاسيكية إلى فاعل اقتصادي واجتماعي مؤثر. ففي فرنسا، أطلقت مؤسسة La Poste ذراعها المالي La Banque Postale، وفي المغرب أنشأت الدولة البريد بنك الذي عزز الإدماج المالي للفئات الضعيفة أما في إيطاليا فنجحت Poste Italiane في التحول إلى مجموعة مالية ورقمية كبرى.

أما في تونس، فقد طرح مشروع مماثل تحت اسم “البنك البريدي”، لكنه ظل معلقا بين الوعود والتأجيل.

مشروع البنك البريدي… من الفكرة إلى التعطيل

منذ ديسمبر 2019، تقدم ديوان البريد بطلب رسمي للبنك المركزي للحصول على ترخيص لممارسة أنشطة مصرفية جزئية، لكن الملف لم يتقدم لأسباب قانونية وتنظيمية. وفي جويلية 2025، أعيد إحياء المشروع من خلال مقترح قانون رسمي قدم إلى البرلمان بهدف إنشاء بنك بريدي يقدم خدمات ادخار وتحويل وقروض اجتماعية ميسرة.

وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية وصفت المشروع بأنه “خيار استراتيجي يخضع للدراسة ضمن رؤية وطنية شاملة”، وأكدت أن التحول إلى مؤسسة مصرفية يتطلب ترخيصا خاصا من البنك المركزي ومطابقة تامة للقانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية.

لكن رغم الحماس المعلن، لا يزال المشروع يواجه عراقيل تقنية وتشريعية، إلى جانب مقاومة خفية من بعض الدوائر المالية التي تخشى منافسة البريد في السوق المصرفية.

في الأثناء، يواصل البريد تقديم خدمات مالية محدودة عبر منظومة Wallet e-Dinar، وهي محفظة رقمية تتيح عمليات دفع وتحويل وسحب لكنها تبقى بعيدة عن الدور المصرفي الشامل.

إن مشروع البنك البريدي لا يمثل فقط توسعة في نشاط المؤسسة، بل يمكن أن يكون مدخلا لإصلاح شامل يعيد الاعتبار لمرفق البريد كمؤسسة مواطنية رقمية قادرة على الجمع بين العدالة الاجتماعية والابتكار المالي. ولكي يتحقق ذلك، يحتاج الأمر إلى إرادة سياسية واضحة، وإطار قانوني حديث، ورؤية استثمارية تجعل من البريد رافعة للإدماج المالي والتنمية الجهوية وخصوصا الإنتقال الرقمي لا أن تكون مجرد مؤسسة تقدم خدمات تقليدية في عصر يتسارع فيه التحول الرقمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *