مقالات

تقرير “نشيد الاستبداد”: سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية دعّمت الحكم الفردي والإنتهاكات

مجدي الورفلي
صحفي

خلص تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، الذي كشفت الجمعية التونسية للدفاع عن الحقوق الفردية، إلى أن الإنتاج التشريعي لرئيس الجمهورية قيس سعيد كان هدفه في جزء منه استعمال القانون لتحطيم مؤسسات الدولة، ومواصلة إرساء حكم الفرد بلا رقابة ولا مسؤولية عليها. 

كشفت الجمعية التونسية للدفاع عن الحقوق الفردية عن تقرير جديد بعنوان “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد””، حاولت من خلاله تبويب وتقسيم الانتاج التشريعي لرئيس الجمهورية قيس سعيد خلال سنة 2022 الى مجالات سياسية ومتعلقة بالحقوق والحريات وإقتصادية وإجتماعية.

وأورد تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، أن رئيس الجمهورية الذي إختص طيلة الفترة الإستثنائية بالصلاحية التشريعية، أصدر خلال السنة الماضية، 81 مرسوما و 104 أمرا رئاسيا، مثّلت نسبة الأوامر المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية حوالي37.5 بالمائة من مجموع الأوامر الصادرة عن سعيّد، ولم تتجاوز 24.7 بالمائة من نسبة المراسيم الـ81 التي أصدرها الرئيس قيس سعيد “دون أي رقابة لأي سلطة أو هيكل كان”، كما أورد التقرير.

وتضمن التقرير الأوامر والمراسيم التي تعلقت بأهم المجالات السياسية التي كان لها تأثير سلبي كبير على البلاد، وعلى رأسها مرسوم عدد 55 لسنة 2022 المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء الذي إعتبر التقرير أنه “غيّر عديد قواعد اللعبة الانتخابية قبيل ثلاث أشهر من الانتخابات، وهو ما يعتبر خرقا لمبدأ الأمن القانوني (…) ويمثل تهديدا لمبدأ الامن القانوني الى جانب ضربه لمبدأ المساواة و تكافؤ الفرص الى جانب ذلك، فان تسمية أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من قبل رئيس الجمهورية يضعف نزاهة المسار الانتخابي “.

كما وضع التقرير المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، كأحد أخطر المراسيم التي أصدرها رئيس الجمهورية خلال سنة 2022، ووصفه بأنه “سيف مسلط على رقاب المعارضين” خاصة أن هذا المرسوم تضمّن قسما فرعيّا في الإشاعة والأخبار الزائفة والذي سرعان ما تحوّل الى سلاح لدى السلطة لإسكات الأصوات المنتقدة لها، وفق ما أورده التقرير.

إضعاف السلطة القضائية

رئيس الجمهورية القضاء والهيئات شبه القضائية ﺒ 7 أوامر، وفق التقرير الذي إعتبر أن سعيد قام بإضعاف السلطة القضائيّة التي برزت كآخر حصن ضد المنحى السلطوي الذي اتخذته تونس منذ 25 جويلية 2021، وقد شهدت المواجهة بين السلطة القضائية و السلطة التنفيذية عديد التطورات في سنة 2022 بداية من وضع حدّ للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، من ثم بحل هذا المجلس ووضع مجلس أعلى مؤقت للقضاء، تم تعويض انتخاب أعضاءه بتعيين من رئيس الجمهورية، كما منح الرئيس لنفسه صلاحية اعفاء القضاة وقام بناء على ذلك بإعفاء 57 منهم.هن.

التسميات والإعفاءات: نصيب الأسد وزبونية

تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد” خلص الى أن التسميات والإعفاءات في المناصب والوظائف العليا نالت نصيب الأسد من الأوامر الرئاسية خلال سنة 2022، حيث أصدر رئيس الجمهورية 42 نصا في هذا الاتجاه شملت 15 من المؤسّسات السّيادية في الدولة والمؤسسات ذات الصبغة الإدارية والهيئات العمومية و القضائية، كما صب قيس سعيد جل اهتمامه على تغيير الولاة حيث قام بتسمية 13 وال من أصل 24 خلال سنة 2022، وفق القرير.

كما إعتبر التقرير ان هذه التسميات شملت أسماء لا تجد وجاهة فيها سوى انخراطها ودعمها لما يسمى “مسار 25 جويلية” أي خط رئيس الجمهورية، والتي وصفها التقرير ب”المقاربة الزبونية” التي تشكل خرقا لمبدأ حياد الإدارة المنصوص عليه في الدستور كما أن من شأنها تعزيز ظاهرة الفساد وغياب المحاسبة صلب الإدارة التونسية خاصة أن هذه التسميات حصلت قبل أقل من شهر من الاستفتاء حول الدستور الذي عرضه الرئيس على الشعب”.

الحقوق الاقتصادية

تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، خلص إلى أن الحقوق الاقتصادية كان لها مكانة هامة في النشاط التشريعي لرئيس الجمهورية خلال سنة 2022، فمن بين النصوص البالغ عددها 81 مرسوما، يتعلق 22 مرسوما منها مباشرة بالحقوق الاقتصادية، أي ما يقارب نسبة 27.06 في المائة من المجموع.

ومن بين هذه المراسيم نجد 10 مراسيم متعلقة بطريقة مباشرة بالقروض أي ما يقارب 12.34 بالمائة، كما تم إصدار 104 أمرا رئاسيا سنة 2022 من بينها 14 أمرا متعلقا بالقروض والهبات الخارجية أي نسبة 13.46 بالمائة، وهو ما علّق عليه التقرير بانه رغم تأكيد سعيد على سيادة تونس ورفضه التدخل الأجنبي، فقد اختار نهجا معاكسا بتعزيز الاعتماد المالي للدولة وذلك باللجوء إلى الاقتراض وقبول الهبات المالية.

وحين يصبح فيها الالتجاء للمعونة والقروض الخارجية سياسة دولة، كما هو الحال بالنسبة لتونس وفق التقرير، فقد تتضرر صورتها بالداخل والخارج ليتم اعتبارها بلدا غير قادر على تكوين الثروة أو ضمان اكتفائه الذاتي الداخلي، كما كان الحال بالنسبة لمؤشر حرية الإنسان الذي نشره معهد كاتو، استنادًا إلى بيانات 165 دولة حول الحريات الفردية والاقتصادية، والذي صنف تونس في المرتبة 128 فيما يتعلق بالحريات الاقتصادية.

الحقوق الاجتماعية والبيئة

الإنتاج التشريعية لرئيس الجمهورية فيما يتعلّق بالحقوق الاجتماعية، وفق ما أورده تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، إقتصر على إصدار 9 مراسيم خلال 2022 تعلقت مجملها بالضمان الاجتماعي والحق في الصحة والتعليم وأصدر 4 مراسيم عن الحقوق الثقافية و4 أوامر تعلقت بالملكية الفكرية و5 مراسيم تعلقت بالحقوق البيئية من إجمالي 81 مرسوما.

دستور كرس نظام رئاسوي

تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، تناول كذلك الدستور الجديد كأحد الإصدارات التشريعية لقيس سعيد، حيث أورد انه أعطى لمحة عن تصور الرئيس لتنظيم السلطات ورؤياه للحقوق والحريات، فبالنسبة لتنظيم السلطات، يؤسس الرئيس، وفق التقرير، لنظام رئاسوي يركز جميع السلط بين يديه على حساب باقي السّلط، خاصة أن مجلس النواب يكتفي بسلطة تشريعية في حين تم الغاء معظم الهيئات الدستورية.

أمّا في مجال الحقوق والحريات، فقد كرّس الدستور الجديد من خلال الفصل 26 حرية الفرد لكن دون أن يرفقها بضمانات الى جانب ما تضمنه الفصل الخامس من الدستور من لبس حول العلاقة بين الدين والدولة خاصة في غياب التنصيص عن الطابع المدني للدولة في الدستور الجديد، وفق التقرير الذي أنجزه عدد من المختصين في القانون أساسا.

إختلال توازن مؤسساتي

وحيد الفرشيشي أحد أساتذة القانون الذين أنتجوا تقرير “سنة من الإنتاج القانوني لرئيس الجمهورية “نشيد الاستبداد”، وقد إعتبر في تصريح لـ”الجريدة المدنية”، أن جزءً من المراسيم التي أصدرت في علاقة بالسياسة كان هدفها استعمال القانون لتحطيم مؤسسات الدولة، ومواصلة إرساء حكم الفرد بلا رقابة ولا مسؤولية عليها، على حد قوله.

وأضاف أستاذ القانون أن عنوان التقرير حاول عكس التوجه الواضح نجو ارساء منظومة مغلقة استبدادية وإنخرام التوازن بين مؤسستي مجلس نواب الشعب ورئاسة الجمهورية،

خاصة أنّ سنة 2022 “هي سنة ارساء حكم الفرد وأن الدستور الجديد قائم على مركزة السلطة في يد رئيس الجمهورية من ناحية وضعف بقية المؤسسات التي تشمل البرلمان والقضاء وغياب الهيئات الدستورية وان سنة 2022 تندرج ضمن امتداد حالة الاستثناء المعلنة في 25 جويلية 2021″، وفق تعبيره.

حكم الفرد وتاريخ مظلم

أستاذ القانون وحيد الفرشيشي ذكّر بكل التخوّفات التي كانت عبّرت عنها الجمعية في كلّ إصداراتها منذ بيانها في 26 جويلية 2021 من أن ارساء حكم الفرد، والرئيس الأوحد الذي ينطق باسم الشعب، الرئيس الذي لا رقيب له ولا مسؤولية عليه، وأشار إلى ان إعداد التقرير تزامن مع إحداث الايقافات على أسس قانون الارهاب لناشطين سياسيين ومدنيين.

واعتبر ان التهم الموجهة للموقوفين، من التآمر على امن الدولة الداخلي، والتخابر مع أطراف أجنبيّة، والإضرار بالمصالح الخارجية للدّولة وبالسلامة الغذائية والبيئية للمواطنين، والقيام بفعل موحش ضد رئيس الجمهورية، تذكرّ بتاريخ مظلم للدّولة التونسية والدور السلبي الذي قام به قضاء الاستثناء وخاصة محكمة أمن الدولة السابقة، أو في جزء القضاء العسكري في قضايا كبرى ومحّطات أسست للاستبداد وللدكتاتورية في تونس”، وفق قوله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *