مقالات

تونس … ليلة استدعاء السقف الزمني

فطين حفصية
صحفي
بدا واضحا  أن مستجدات الساعات الأخيرة محليا (طرح اتحاد الشغل حل الخيار الثالث واستعداد الطيف المعارض للتظاهر يوم 17 ديسمبر) وديبلوماسيا (بيان سفراء مجموعة ال7 والاتحاد الأوروبي بتونس) قد سرعت في ذهاب رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى إعلان جملة إجراءات سابقة لآوانها الرمزي المنتظر (17 ديسمبر) وإزالة ما تبقى عن غشاوة وإتمام ملاحق 25 جويلية / 22 سبتمبر بإجراءات 13 ديسمبر.
 
كلمة رئيس الجمهورية التي تعد الأطول منذ توليه المنصب ( 40 دقيقة ) وبعد مقدمة تذكيرية طويلة بما حف بالبلاد إلى 24 جويلية2021  وتمدد الجائحة وعجز الحاكمين عن إدارة الأزمة واستشراء الفساد والمحسوبية  مرت مباشرة إلى جملة إجراءات يمكن تفكيكها كالآتي : 
 
– أنهى رئيس الجمهورية الغموض الزمني بوضع تسقيف تاريخي متدرج في اتجاه استئناف المسار الديمقراطي، هذه التواريخ  مغرقة في الرمزية لكل المحطات القادمة ومنها : تعليق المجلس النيابي أو تجميده إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة مقررة في 17 ديسمبر 2022,  تنظيم استشارات مباشرة في المعتمديات مع الشعب  بداية الفاتح من جانفي تنتهي في الداخل والخارج في 20 مارس 2022 على ان تتولى لجنة سيتم تحديد أعضائها وتنظيم اختصاصها توليف المقترحات المرفوعة عبرها قبل موفى جوان 2022 وأخيرا عرض المشاريع على الاستفتاء يوم 25   جويلية 2022، وكل هذه التواريخ ذات مضمون سياسي واضح.
 
– حملت الإجراءات ما تطالب به  منذ مدة قوى سياسية ومدنية  معارضة ومؤيدة على حد السواء حول وضع خارطة طريق واضحة ومحددة بعد ما اعتبروه ترددا وغموضا مفرطا  من قبل قصر قرطاج ما سيحول مجرى النقاش العام من معارضة قرارات 25 جويلية إلى ملحقها الإجرائي المعلن في 13 ديسمبر وما تستبطنه من تغيير سياسي جذري سواء للقانون الانتخابي أو لنظام الحكم.
 
– آليات الفرز التي تحدث عنها رئيس الجمهورية تضع المتابع بعد هذه الإجراءات أمام ثلاثة فاعلين رئيسيين في السوق السياسية وهم معارضو إجراءات 25جويلية مقابل مؤيدي 13 ديسمبر وما بينهما وهم صف الخيار الثالث الذي مازال الاتحاد العام التونسي للشغل بصدد بلورته للنقاش وتؤيده مكونات سياسية مهمة منها من ظل إلى آخر اللحظات مؤيدا لرئيس الجمهورية وهنا الحديث عن حركة الشعب وقبلها التيار الديمقراطي الذي غير موقفه مع فئة رابعة يمكن أن تتحرك دوما في المنطقة الرمادية وهم ما يطلق عليهم بـ”المجموعات الصامتة” التي تكتفي بالمتابعة والترقب إلى أن تحين لحظة اتخاذ موقف وعادة ما يكون ذلك في المحطات الانتخابية.
 
–  قطع رئيس الجمهورية بشكل واضح كل خيط تواصل سياسي مع أكبر منظمة وطنية (اتحاد الشغل) بعد القطيعة الصامتة مع ثاني أكبرها
 (اتحاد الأعراف)  وبقية الطيف المدني كالرابطة وعمادة المحامين ونقابة الصحفيين وجمعية القضاة  وأنهى كل جدل مفترض حول حوار وطني شامل في حين بقي الملفان الاقتصادي والاجتماعي معلقين خصوصا أن الأزمة الاقتصادية لا تخفي حدتها وآثارها.
 
– وجه رئيس الجمهورية رسالة واضحة إلى الخارج فحواها امتلاك تونس لقرارها وسيادتها لكن ذلك غلف بتوضيح ما كانت تبسطه عواصم القرار كشرط لتأييد المسار الجاري في تونس أو ما تسميه بدعم الشعب التونسي.
 
– نقل انه تريث كل الوقت لاتخاذ قراراته ومنها ما جاء في 13 ديسمبر ولم يخف تلميحه أنه كان كمن يقلب الجمر وصولا الى قرارات 25 جويلية، وينتهي الأمر بذلك إلى خروجه من “سجن الزمن” نحو  استعادة زمام المبادرة وسجن المنتظرين والمعارضين في ساحة الفعل فكيف ستبلور المكونات المعنية موقفها من التحولات الجديدة ؟ وهل ستكتفي بمناقشة ماطرح أم لديها أوراق سياسية يمكن أن تستعملها ؟ 
 
– الاستفتاء سيكون آلية الحل والربط للمستقبل السياسي للبلاد  بمناسبة عيد الجمهورية القادم لكن هذا الاستفتاء الذي سيخضع لسؤال بنعم أو لا سيظل رهين ما تفرزه مشاريع هذا الحوار الافتراضي أو الاستشارة الشعبية وما سيطرح إليكترونيا بين المتحاورين من “الشعب” في المعتمديات وهي آلية غير مسبوقة في التجارب المقارنة ولا يمكن التكهن بما ستقود إليه هذه المنصات من مشاريع.
 
– ترك ما تبقى من نسخة دستور 2014 كعقد حسن نية بين الجميع لما سيأتي مع تعهده بمواصلة ضمان الحريات في هذه الفترة الاستثنائية، ويراهن رئيس الجمهورية مرة أخرى على الشروط الاجتماعية المؤيدة وحالة المزاج الشعبي العام لمواصلة الطريق الصعب خصوصا مع عدم تحسن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تنبأ بـ”شتاء ساخن”.
 
أخيرا تحدث رئيس الجمهورية عن معطى ظل يطرحه منذ 2012 وهو الصلح الحزائي الذي سينظم بمرسوم لاجل استغلال الاموال الأكثر في المعتمديات الأكثر فقرا وهو إجراء يتطلب نظريا بعض الوقت لتوضح صورته ولا يمكن أن يكون حلا سريعا لامتصاص البطالة ودفع الاقتصاد كما أشار إلى ضرورة تحرك القضاء لمحاسبة الفاسدين ودعا المرفق القضائي للاستجابة لـ”هذه اللحظة التاريخية”، وإن كانت هذه دعوات قديمة جديدة فإن ما يجمع بين أغلبية الفرقاء السياسيين بمن فيهم بعض الخاسرين من قرارات 25 جويلية  هو ثلاث “مقدسات سياسية”
الأولى مواصلة التفكير دوما بآلية الصندوق وإن اختلف الشكل والقانون والسياق، معرفة حدود القوة في سلاح الديمقراطية، تشابك خطوط الصراع على قاعدة الدستور وإن كان أعرجا.
Skip to content