مقالات

جائحة الكورونا تفضح واقع الفن و الفنانين في تونس

محمد سفينة
صحفي

منذ شهر مارس الماضي ومع اجراءات التوقي من فيروس كورونا وما تطلبه ذلك من إلغاء للعروض الفنية وغلق للفضاءات الثقافية والفنية وجد عدد هام من الفنانين والمبدعين في مختلف المجالات الفنية وخاصة منهم المتفرغين في بطالة قسرية تعمقت بمرور الوقت في ظل محدودية الحلول التي قدمتها سلطة الإشراف المتمثلة في وزارة الشؤون الثقافية.

حلول ترقيعية لواقع متأزم :

في مسعى أولي ارتأت وزارة الشؤون الثقافية في مرحلة أولى خلال شهر افريل الماضي إحداث “حساب دفع الحياة الثقافية” للتخفيف من الانعكاسات السلبية والتوقي من الآثار الاقتصادية التي لحقت بالقطاع الثقافي وبالفاعلين فيه نتيجة عدد كبير من الأنشطة الثقافية وهو “حساب أموال مشاركة” موجه لدفع القطاع الثقافي ودعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمتدخلين فيه، والذي كان يهدف بالخصوص إلى مجابهة الأزمة ودعم الفنانين والمبدعين والمثقفين، ومصاحبة عدد من المؤسسات والمبادرات الثقافية المتضررة من توقف الأنشطة، فضلا عن تمويل ومرافقة الخدمات الثقافية والفنية المنجزة عن بعد.

هذا الحل الذي بدا منقوصا لم يغير الواقع بقدر ما أدخل الكثير من الفوضى في علاقة بمستحقي الدعم والذي لم يتحصل عليه عدد كبير من الفنانين رغم ضعف المبالغ التي تم توجيهها للفنانين.

ورغم فشل التجربة الأولى المتعلقة بدعم الفنانين أقرت الوزارة أول شهر نوفمبر جملة من الإجراءات الاستعجالية المتمثلة في إعادة جدولة الديون المتخلدة بذمة الفنانين والمبدعين والمؤسسات الثقافية بعنوان انخراط في منضومة الضمان الاجتماعي ومضاعفة جراية الشيخوخة لفائدة الفنانين والمبدعين والمثقفين المشمولين بنظام التغطية الاجتماعية الخاص بالقطاع الثقافي.
تخصيص اعتمادات اضافية في نهاية سنة 2020 لتغطية المساعدات الاجتماعية الظرفية للفنانين والمبدعين والمشتغلين في القطاع الثقافي لتبلغ قيمة الاعتمادات المخصصة للغرض 6 مليون دينار والتبسيط في الاجراءات المتعلقة بخلاص مستحقات الفنانين والمبدعين والمثقفين.

كما قدمت أواخر شهر نوفمبر مبادرة أخرى للتخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كورونا على الفنانين والمبدعين والمشتغلين في الحقل الثقافي تمثلت في إسناد منح مساعدة ظرفية للمبدعين والعاملين بالحقل الثقافي تغطي فترة توقّف التظاهرات الثقافية والفنية خلال الموجة الثانية للجائحة على امتداد أشهر أكتوبر، نوفمبر وديسمبر 2020.

مع إسناد منح المساعدة الاستثنائية للأشخاص المعنويين المتمثلة في المؤسسات والفضاءات الثقافية من حساب أموال المشاركة المسمى “دفع القطاع الثقافي ودعم الاستقرار والاقتصادي والاجتماعي والمتدخلين فيه”.

هذه الحلول بدت في اغلبها اعتباطية ووقتية وغير قادرة على تغيير واقع مأزوم عمقت جائحة الكورونا من وضعه الصعب حيث ان هذه المساعدات اعتبرها اغلب الفنانين لا تفي بالحاجة ولا تمثل حلا جذريا لواقع الأزمة التي تعانيها القطاعات الفنية مطالبين بعودة الأنشطة الثقافية والفنية وخلاص مستحقات الفنانين المتخلدة بذمة الوزارة.

قطاع بتشريعات غير مفعلىة :

يعود مشروع قانون الفنان والمهن الفنية إلى سنة 2015 ويتمثل في إطار تشريعي لقطاع الفنّ والمهن الفنيّة ينظّم قطاع الفنّ ويضبط الوضعية القانونية للفنان من خلال تحديد حقوقه وواجباته وتمتيعه بالتغطية الاجتماعية. وقد تمّت إحالته على البرلمان بتاريخ 27 ديسمبر 2017 وانطلقت لجنة الشباب والشؤون الثقافية في مناقشته يوم 25 جانفي 2018  ليصدر في صيغة نهائية في فيفري 2019 ويتضمن مشروع القانون الذي صادق عليه مجلس الوزراء في 30 جانفي الماضي 37 فصلا موزعين على 8 أبواب تتعلق بالأحكام عامة وفي ممارسة النشاط الفني وفي البطاقة المهنية والعقد الفني إلى جانب في دعم الحماية الاجتماعية للفنان وتقني وإداري النشاط الفني وفي تشجيع الفنانين ودعم الإنتاج الوطني ثم أحكام خاصة بمحترفي المهن الفنية الأجانب فالأحكام الانتقالية والختامية.
وينص هذا المشروع على أن الدولة تدعم تعاونية الفنانين والمبدعين والتقنيين في المجال الثقافي وتسهم في تمويلها وترصد للغرض اعتمادات مالية طبقا للتشريع الجاري به العمل بما يمكن الفنانين والمبدعين والتقنيين من الإحاطة بهم من النواحي الاجتماعية والصحية.
وسينظم المشروع المتكون من 37 فصلا العلاقات المهنية في المجال الفني وذلك بإقرار عقد كتابي يستجيب لخصوصيات المعاملات في هذا المجال ويمكّن من إضفاء الشفافية اللازمة عليها وإحداث طابع المساهمة الفنية يوجه معلومه لفائدة نظام الضمان الاجتماعي الخاص بالفنانين وإداري وتقنيي النشاط الفني.
ومن بين الأحكام والإجراءات الجديدة التي تضمنها المشروع في صيغته النهائية، تشجيع الإنتاج الوطني عبر تخصيص نسب للمصنفات الوطنية من حيث الإبداع والإنتاج والأداء، يتمّ بثها في الساعات الأعلى استماعا وايلاء الأولوية للإنتاج الشبابي من خلال تخصيص على الأقل 50 بالمائة بالنسبة للمنشآت الخاصة الاتصال السمعي البصري و 60 بالمائة على الأقل للمنشآت العمومية للاتصال السمعي البصري.
وسعى المشروع المعروض إلى تعريف الفنان والمهن الفنية وتحديد مجالاتها بما يواكب التطورات التي تشهدها هذه المجالات ويتيح إدراج كل المهن المستحدثة المنضوية تحتها. كما تم تصنيف الوضعية المهنية للفنان، حيث يمارس الفنان نشاطه الفني وفقا لـ 3 أصناف يتمثل أولها في ” الفنان المحترف المتفرغ ” و ثانيها ” الفنان المحترف غير المتفرغ ” وثالثها ” الفنان غير المحترف “. ويمارس الفنان المحترف نشاطه الفني بصفة مستقلة لحسابه الخاص أو بصفة أجير سواء أكان ذلك بصفة دائمة أو متقطعة.
ومن جهة أخرى تعرض المشروع ذاته إلى معايير إسناد البطاقة المهنية للفنان إذ تستند أساسا إلى التكوين الدراسي والميداني والأعمال الفنية المنجزة. كما تسند للفنان غير المحترف بطاقة خاصة « بطاقة فنان غير محترف » مع تمتع كذلك إداريي وتقنيي النشاط الفني ببطاقة مهنية.
ويقترح أيضا التخلي عن الإجراء المتعلق بوجوب الحصول على الترخيص المسبق المستوجب لتنظيم العروض الفنية التي ينشطها أجانب وتعويضه بصيغة الإعلام لدى الهياكل المعنية بتاريخ تنظيم العرض ومكانه وذلك بعد الإدلاء بما يفيد خلاص الأداءات والمعاليم المستوجبة والمستحقات بعنوان حقوق الملكية الأدبية والفنية .
ويسعى مشروع القانون إلى وضع إطار قانوني يكفل حقوق الفنان ويحدد واجباته بما يدعم مكانته في المجتمع ويحدد صيغ ممارسة المهن الفنية بما يضمن للمنتسبين إليها العناية بأوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية. كما يهدف إلى تكريس الحق في الثقافة والإبداع والنهوض بالإنتاج الأدبي والفني في جميع أشكاله ومضامينه بما يدعم الثقافة الوطنية في تأصلها وتنوعها وانفتاحها.
وتتولى الدولة ضبط السياسة العامة في المجال الفني وتنظيم المهن الفنية وفقا للمبادئ والحقوق المنصوص عليها بدستور الجمهورية التونسية بما يكفل:
حرية التعبير الفني والثقافي و حماية حقوق الملكية الأدبية والفنية للفنان وحق الفنان في التمتع بتأجير عادل مقابل ما يبذله من إبداع إلى جانب دعم قدرة ممارسة المهن الفنية على تحقيق العيش الكريم للفنان مع حق محترفي المهن الفنية في التكوين وتطوير مهاراتهم المهنية.
إلى جانب دعم قدرة الفنان على الإشعاع على المستويين الداخلي والخارجي والتعريف بفنه وحق الفنانين في تكوين الجمعيات والنقابات والهيئات المهنية التي يعنى موضوعها بالدفاع عن مصالحهم المهنية والاجتماعية والاقتصادية والسمو بمكانتهم داخل المجتمع وتوخي الديمقراطية التشاركية في ضبط السياسات الثقافية وتكريس اللامركزية الثقافية، كما تطالب النقابات الفنية باستكمال مسار قانون الفنان وإخراجه من رفوف الوزارة و تفعيله.

النقابات الفنية على الخط :

شهد القطاع الفني منذ شهر ماي الماضي عديد التحركات الاحتجاجية المطالبة بتخفيف اثر جائحة الكورونا والتعويض عن بطالة الفنانين القسرية والمطالبة كذلك بتنظيم القطاع و تفعيل قانون و استكمال مساره .

هذا و تطالب النقابة الأساسية للفنون الدرامية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بإنشاء مجلس أعلى للثقافة يكفل الاستراتيجيات الثقافية على المدى القريب والمتوسط والبعيد دون التأثر بالتقلبات السياسية وتداعياتها، مع إيجاد المنظومات الكافية لرعاية وحماية الفنان اجتماعيا والحفاظ على كرامته باعتباره صانعا للثقافة والحضارة والإنسانية و ضرورة الترفيع في الرعاية المادية اللازمة للمشاريع الإبداعية والصناديق الداعمة.

وضع الخطط الكافية لتحسيس القطاع الخاص بالمساهمة في رعاية الفنانين والمراهنة على إبداعاتهم، وأكدت عضو النقابة الأساسية نورهان بوزيان ان الوزارة تتلكأ في الاستجابة لمطالب الفنانين خاصة وان الوزير هو وزير بالنيابة وغير مطلع على معظم الملفات وأضافت بوزيان ان النقابة ستواصل التصعيد في ظل عدم استجابة الحكومة لجملة المطالب وعدم وجود أي أفق للتجاوب مع مطالب الفنانين.

وفي نفس السياق نفذت كل من النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة والنقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية اعتصاما بمدينة الثقافة بالعاصمة تواصل على مدة أسبوع للمطالبة بالترفيع في ميزانية وزارة الشؤون الثقافية والتسريع في استصدار قانون الفنان وفي بعث المجلس الأعلى للثقافة.

النظر بجدية في الوضعية الكارثية للفنانين والتقنيين والمتداخلين الذين ارتبط عملهم بنشاطهم الليلي “سيب الليل” واتخاذ إجراءات اجتماعية كفيلة بأن تحفظ كرامتهم

كما دعت النقابتان وزارة الإشراف إلى التسريع في تطبيق الإجراءات الاستثنائية الواردة في البلاغات والتدخل المباشر والتسريع في صرف متخلدات الفنانين والشركات والفضاءات الثقافية الخاصة بتعويضات الموجة الأولى للجائحة مع خلاص متخلدات الفنانين والعروض الفنية لدى المندوبيات والمصالح المركزية.

الخلط بين النقابي والسياسي بين الدعم والاستنكار :

ترك حضور رئيسة الحزب الدستوري الحر وعضو مجلس نواب الشعب عبير موسي للندوة الصحفية التي عقدتها كل من النقابة التونسية للمهن الموسيقية والمهن المجاورة والنقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية كثيرا من الجدل لدى الفنانين وكذلك بين النقابات الفنية بين مؤيد لحضورها على اعتبار أنها عضو بالبرلمان وبين رافض لهذا الحضور للنأي بالعمل النقابي عن التجاذبات السياسية وكذلك للخلفية السياسية لعبير موسي على اعتبار انتمائها السابق لحزب التجمع.

وتبريرا لهذا الحضور قال جمال العروي رئيس النقابة الوطنية المستقلة لمحترفي مهن الفنون الدرامية أن النقابة لم تدع عبير موسي لحضور الاجتماع ولم نوجه لها دعوة رسمية لا شفوية ولا مكتوبة وقد تفاجانا بحضورها وبخطابها المساند للفنانين في محنتهم وهو من باب رد الجميل في الواقع و أضاف العروي أن عبير موسي حضرت بصفتها نائبة شعب وقد تم انتخابها لتمثل سكان دائرتها الانتخابية ولتكون صوتهم في مجلس نواب الشعب ولهم عليها حق ومن واجبها ان تتبنى كل قضاياهم وان ترفعها إلى مجلس نواب الشعب سواء كانت قضايا اجتماعية او ثقافية ، و أكد العروي نحن لم نخطئ ولم نقترف ما يدعونا للاعتذار .

من ناحية أخرى استنكرت النقابات الفنية الأخرى هذا الحضور حيث عبرت النقابة الأساسية للفنون الدرامية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل عن صدمتها بحضور رئيسة أحد الأحزاب التي تجاهر بمعاداتها للثورة في اجتماع نُظّم بمدينة الثقافة حضره قلّة من الموسيقيين والمسرحيين. وهو اجتماع يعكس محاولات الترويج لأجندات حزبية سياسية ضيقة كانت بالأمس القريب شريكة في تهميش القطاع لعقود متواصلة وتهميش الفعل الثقافي وتوظيفه لصالح البروباغندا السياسية الحاكمة، حسب نص البيان.

و في نفس السياق عبرت كل من نقابة مهن الفنون التشكيلية والنقابة الأساسية للمهن الموسيقية المنضوية تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان لها عن سخطها لاستدعاء واستقبال عبير موسي كضيفة في الندوة الصحفية لهذه الجمعيات المنتحلة للصفة، وفرضها كطرف سياسي على الفنانين المتواجدين في الندوة الصحفية واستغلال تواجدهم للدعاية السياسية والإعلامية الممنهجة، واعتبار ذلك محاولة لتقسيم الفنانين التونسيين ما يخالف أهدافنا في توحيد الفنانين وتنظيمهم في هيكل نقابي ديمقراطي يحافظ على حقوقهم المادية والمعنوية.

كما أكدت النقابة رفضها تمكين هذه الجهات المنتحلة للصفة من عقد ندوتها الصحفية في مدينة الثقافة مستغلة رمزيتها في هذا الظرف الصحي الخاص وتحميل إدارة الأوبرا مسؤولية قرارها الارتجالي دون توقع المسارات الممكنة وتبعاتها السياسية مع التحييد التام والنأي بالمؤسسات الثقافية عن كل دعاية حزبية وانتخابية ورفض استغلال ظروف الفنانين الاجتماعية الناتجة عن جائحة الكورونا في أي دعاية انتخابية سياسية.

Skip to content