مقالات

دكتوراه الكذب

فطين حفصية
صحفي

مع دخول العدوان الصهيوني شهره الثالث على قطاع غزة ، مازال العقل السياسي والعسكري للكيان يحافظ على سياسة الهروب إلى الأمام في حرب الرواية التي تروج لها آلته الإعلامية والتواصلية لتشويه المقاومة الفلسطينية ، والترويج لصورة المدافع عن النفس بعد كل المجاز التي تدار على مدار الساعة ، وصور آلاف الضحايا والمصابين والعالقين تحت ركام الدمار .

أخبر أصحاب القرار الصهيوني دون مواربة بما ينوون فعله منذ اللحظة الأولى للرد على طوفان الأقصى بتحويل غزة إلى مدينة خيام،  والقضاء على حركة حماس والمقاومة الفلسطينية وقادتها ، وكسر ظهورهم جميعا وهذا ما تجسد  بقصف بري وجوي وبحري لا يراعي أي حرمة أو قانون دولي إنساني .

 إذ اتسع القاموس الوصفي الصهيوني لسكان غزة إلى اعتبارهم ” حيوانات بشرية ” حسب وزير الحرب يواف غالنت ، حيث تؤكد هذه المفردة لوحدها أن الشد للتزييف العميق يذهب إلى أكثر المصطلحات فضاضة وعنصرية واستنقاص لإيجاد غطاء وقح للكذب الصهويني المستمر. 

فمنذ الساعة صفر لحرب الإبادة الجارية ردد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو مزاعم قطع حركة حماس لرؤوس الأطفال ثم حرق جثثهم ،  وهي رواية تلقفها الرئيس الأمريكي جو بايدن ليضمنها في تصريحات ” العواطف والأحاسيس ” تجاه الحليف التاريخي الصغير، ومنذ ذلك الحين اتجهت الاستراتيجية الاتصالية ل”دعشنة ” كل من يوجد في قطاع غزة وتجريد كل قصة من سياقها بل بتأسيس غرفة عمليات سياسية وعسكرية ل ” شيطان التضليل ” .

لقد مثلت خدعة قطع الرؤوس أبرز مثال لبدء دحرجة كرة الكذب في الملعب الإقليمي والدولي ، فجاءت أكذوبة مجزرة المستشفى الأهلي العربي ( المعمداني )  التي راح ضحيتها ما يزيد عن 500 شخص ،  وزعمت القوات الصهيونية أن صاروخا فلسطينيا سقط عن طريق الخطإ  به ، ثم أتت كذبة اتهام المقاومة باستخدام مستشفى الشفاء لأغراض عسكرية وكقاعة عمليات  لإدارة المعارك في قطاع غزة التي فندتها بشكل لا لبس فيه  الندوة الصحفية للمتحدث باسم جيش الكيان.

 فحين استفسره صحفي فرنسي عن الفجوة بين ما سبق أن أعلنته قواته خلال الحملة الإعلامية التي سبقت اقتحام المجمع الطبي الكبير وما تم نشره من أدلة باهتة وصور في هذه الندوة لم يجد جوابا إلى أن سقطت تماما كل القصة الملفقة بمرور الأيام والتصريحات المتلعثمة والتعويمية .  

وباعتبار أن حبل الكذب غير قصير بالنسبة إلى القادة الصهاينة،  فقد اتجهت روايتهم في أحدث تضليلاتها إلى النبض الأخلاقي والفبركة عندما اتهمت مؤخرا مقاتلي حركة حماس بارتكاب أعمال عنف جنسي أثناء الهجوم على غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي ، وهو ما وصفته الحركة ب《التمشي الذي يأتي في إطار حملات مضللة تروج لأكاذيب وادعاءات لا أساس لها من الصحة وهدفها شيطنة المقاومة الفلسطينية  》

 ورغم الرد الفلسطيني على الاتهامات الخطيرة فإن الكذبة الجديدة تظل معلقة إلى أن ترثها كذبة أخرى في حرب السرديات التي تجري في شريان التخاطب الصهيوني وحليفه الغربي المعلن،  في عملية أصبحت أشبه بالقصف الروائي غير الصحيح لكل ما يجري في الحرب التي نزعت عنها القوات الصهيونية كل الأخلاق والمواثيق والأعراف .  

يقول القائد البروسي بسمارك إن《 الكذب يكثر عادة خلال الحروب 》لكن قوة الحقيقة في قطاع غزة صمدت إلى حد الآن أمام تسونامي الأكاذيب الصهيونية ، فالمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها المنتشرة والمقاومة على أرض غزة تعري كل يوم الغيمة هائلة الحجم للمزاعم والقصص البعيدة عن واقع الأحداث ،  والتي انطلقت تاريخيا منذ الكذبة الأولى《 أرض بلا شعب وشعب بلا أرض 》، وزاد الانتشار الجيد لل”المقاتلين” الفلسطينيين على الشبكة الافتراضية ووسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل “جيش ” قادر على تشكيل جبهة اتصالية فاعلة في المعركة الإعلامية والنفسية وتفجير “ألغام ” الأكاذيب الصهيونية .

لقد أتت لحظة التكثيف لفشل الأكاذيب الصهيونية وإسقاط كل الأقنعة عنها هذه المرة من داخل المطبخ الصهيوني نفسه،  حين قال أحد النواب الصهاينة في مداخلة بمنبر حواري إنه بعد مضي نحو10 أسابيع من الحرب على قطاع غزة يمكن إسناد دكتوراه الكذب لبنيامين نتنياهو الذي بدأ بدوره يدرس إمكانية إخضاع وزراء ما يعرف ب”الكابينيت ” أو -الحكومة السياسية الحربية المصغرة – لفحص حجم الكذب وإخضاعهم لجهاز خاص بذلك ، بعد تسريب معلومات حول رفضه السماح لوزير الأمن بشن ضربة استباقية على الجبهة الشمالية لتقليم أظافر حزب الله ، وهذا صدأ آخر لكل أكاذيبهم المشتركة .

Skip to content