نظمت جمعية المساءلة الاجتماعية ندوة صحفية يوم السبت 11 ماي 2024 لتقديم دراسة بعنوان»رأي الشباب في المؤسسات المحلية والشبابية» .
وتهدف هذه الدراسة المنجزة في 10 ولايات إلى تقييم تجربة الشباب ورأيهم في الخدمات التي تقدمها المؤسسات المحلية وفعاليات دور الشباب وتقييم مستوى المشاركة المجتمعية في المنطقة والتعرف على الشباب وتوقعاتهم من المؤسسات المحلية ودور الشباب إضافة إلى تقديم مقترحات تحسين الخدمات وتطوير البرامج المقدّمة للشباب.
أنجزت هذه الدراسة ضمن مشروع «الشباب يبادر» الذي نفذته الجمعية بالشراكة مع الإدارة العامة للشباب بوزارة الشباب والرياضة لمدة سنة في «10»عشر ولايات وتم من خلاله بعث فضاءات للفعل المدني من خلال إنشاء نوادٍ مشتركة بين المؤسسة الشبابية والمجتمع المدني وشركائهما على المستوى المحلي في عشر مناطق وتهدف هذه النوادي إلى المساهمة في تعزيز التربية على المواطنة والفعل المدني وتعزيز قيم الديمقراطية في الوسط الشبابي.
ولتنفيذ هذه الدراسة تم اعتماد البيانات النوعية عبر إطلاق 30 جلسة حوارية بالاعتماد على أدلة مقابلة يقودها الشباب شارك فيها 300 شاب وشابةفي 10 جهات كما تم تقديم استبيانشمل 1500 شابة وشاب من الجهات المعنيةيتضمّن مجموعة من الأسئلة تتقاطع مع محاور الأسئلة الموجهة خلال الجلسات الحوارية.
وكانت النسب العامة للمشاركة كالأتي
وتوزّع الاستبيان على 10 ولايات، وهي المناطق التونسية المعنية ببعث نوادي المواطنة دون سواها وكان نصيب ولاية بن عروس الأضعف حضورا في الأجوبة ب80 إجابة فقط تلتها ولاية قفصة ب128 إجابة، أما باقي الولايات فقد كانت النسب متقاربة جدا بالأعلى لقابس ب171 مشاركة ثم سيدي بوزيد ب165 مشاركة.
المشاركة في الشأن العام:
ما يزيد عن 70% من المشاركين في البحث أكدوا أنّ الشباب يستطيع الانخراط في السياسة والهياكل التي تخدم الصالح العام، وهو رقم كبير جدا ومهم، يمكن أن يقدّم عددا كبيرا من مسارات التفكير والتأويل.
يمكن أن يكون أول مسارات التأويل لهذا الرقم الثقة في النفس لدى الفئات الشبابية، خاصة الجيل الجديد من الشباب الذي اكتشف الحياة في فضاء من الحرية الواسعة وحرية التعبير، وهو ما يجعل من «تقييم القدرة الذاتية» على المشاركة والتأثير تقييما إيجابيا وواسعا.
من جهة أخرى، يمكن أيضا أن نفسّر هذه الأرقام بأحلام الشباب وطموحاتهم الكبيرة التي تجعلهم يعتقدون أنهم قادرون على فعل أيّ شيء، فغالبا ما نجد ذلك البيت لدرويش في منشورات الشباب ‹سأصير يوما ما أريد» وهو تعبيره عن القدرة على التغيير والفعل.
من ناحية أخرى، وفي قراءة تتكامل مع ضعف أرقام ونسب المشاركة الحقيقة للشباب في الحياة العامة، يمكن القول أنّ بين تصوّر الشباب للمشاركة من ناحية والفرص المتوفّرة في الفضاء العام من ناحية أخرى هناك تنافر وعدم تلاؤم، وهو ما يفسّر تأكيد الشباب لقدرته على المشاركة لكن النسب الضعيفة للمشاركة من ناحية أخرى في الواقع المعيش.
العلاقة مع المؤسسات الخاصة بالشباب:
عكس ما يتم التسويق له فإنّ الشباب «ماهوشماتيرياليست» لا يبحث أولا على الماتريالففي ما يخصّ السؤال عن فرص التغيير في المؤسسات الشبابية قدّم الشباب عديد الإجابات التي كانت في أغلبها متقاربة جدا، لكن مثيرة في الآن نفسه ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى بعض العناصر التي تدعو إلى التفكير والتمعن.
أولا: من النسب الضعيفة جدا هي مسألة المواد والتجهيزات في المؤسسات الشبابية على عكس ما يقدّمه خطاب الشركاء الدوليين وبعض المسؤولين والمختصين في الشؤون الشبابية، حيث إنّ تحسين المبنى كان بنسبة 16,9% فقط.
ثانيا: تنويع الأنشطة كان بنسبة تفوق 52,3% وهي نسبة مهمة مقارنة ببقية الإجابات وهو ما يعزز الملاحظة الأولى، فالشباب لا يبحث عن فضاءات ضخمة وفخمة بقدر ما يبحث عن فضاءات تتلاءم مع احتياجاته وتستجيب لانتظاراته من خلال برمجة وأنشطة متنوعة و مستجيبة.
ثالثا: حصلت إجابة «لا أعلم» وإجابة «حاجة أخرى» على نسبة عالية (نسبة مشتركة) تقارب 30% من مجمل الإجابات، وهو ما يؤكد أنّ التطوير أمر ضروري بالنسبة إلى الشباب لكن جزءا مهما من الشباب لا يعلم كيف يكون ذلك التطوير، وهو ما يطرح مسألة الوعي بالتغيير والقدرة على إدارة التغيير لدى الشباب. ففي مناسبات عديدة يطالب الشباب بالتغيير ويقوم بتحديد دقيق وجيّد للمشكلات، لكن يجد صعوبة في تصوّر الحلول. هذه المشكلة هي مشكلة مركّبة وترتبط بمناهج التعليم التلقينية وغياب التأطير ودعم القدرات في قيادة التغيير.
1. الملاحظات التأليفية الأساسية
-الشباب يريد ولا يعرف دائما ما يريد:
– ألا أنّ الشباب يعبّر دائما عن الرغبة في التغيير والتطوير الّا أننا نقرأ في نتائج الاستبيان والمقابلات أنّ الشبابفي جزء كبير لا يعرف تماما كيف يمكن أن يكون ذلك التغيير في الشكل أي النتائج المنتظرة ولا في المسار أي في كيفية الوصول إلى تلك النتائج.
– نلاحظ أنّه في أغلب الأسئلة كانت هناك نسبة عالية من المشاركات تكون الإجابة التي تحصل على النسب الأعلى هي أنّ الشباب «لا يعرف» أو «أخرى»، وهو ما يؤكّد أنّ الشباب يريد التغيير ولكن لا يعرف تماما ماذا يريد وكيفيغيّر فهو إمّا لا يعرف تماما المشكل وطريقة حله وإمّاأنّه لا يعترف بالحلول المقترحة دون أن يقدّم بديلا لها.
– الشباب يحتاج إلى الأمان
يحتاج الشباب إلى الأمان ولا يريد أن يكون في مواجهة مع العالم في اليومي و»التفصيلي» هذه هي أحد الإشكالات الكبرى التي عبر عنها الشباب في المقابلات والاستبيانات.
1. التوصيات العامة الأساسية
– الاقتصاد الحلم الدائم والهمّ الأساسي
يؤكّد الشباب بطرق مختلفة وفي أغلب المحاور خاصة في مجموعات التفكير والتركيز على أهمية الجانب الاقتصادي وإعتباره أحدأهم الأولويات بالنسبة إليه من خلال تأكيد أن الشباب يرغب في العمل وبعث المشاريع والتجديد الاقتصادي.
– المؤسسات الشبابية دائما مهمة للشباب
من الواضح أنّ الشباب يختلف في تقييمه لجودة المؤسسات الشبابية لكن في المجمل تبقى مهمة جدا بالنسبة إليه.
في البداية لابدّ من التأكيد على أنّ هذه التناقضات في الأرقام تفسّرها جلسات الحوار حيث نكتشف أنّ الموقف من المؤسسات الشبابية يعود بالأساس إلى التجربة الذاتية والشخصية لكل شاب في المؤسسة الشبابية، والذي يكون نتيجة لتلاقي أو عدم تلاقي انتظارات الشباب وتوقعاته من ناحية وبين الخدمات والبرامج التي تقدّمها هذه المؤسسات من ناحية أخرى.
لكن رغم الاختلافات بين آراء الشباب فإن الأرقام العامة تعتبر أنّ المؤسسات الشبابية تبقى مهمة جدا للشباب كمؤسسات الخط والمساحات الأقرب للمشاركة والتعلم.
توصيات:
تعزيز القدرات في فهم الذات ومعرفة العالم المحيط به
في البداية لا بدّ من تأكيد ضرورة القطع مع «وهم» الشباب الذي يعرف كل شيء والذي يستطيع الإنجاز والتغيير لكن لا يتم توفير الفرص له. الشباب في جزء كبير، جراء منظومة تعليمية متكلّسة وعالم يشجع على التفاهة و الرداءة،أصبح يفتقر إلى الحسّ النقدي والقدرة على التحليل والتفكير المنهجي بالإضافة إلى التصحّر في مستوى المعارف والعلوم التي تمكّنه من تغيير الواقع.
المهارات الحياتية لصقل المواهب
تتوافق هذه التوصية مع مطالب الشباب التي كان قد أكدها في مخرجات الاستبيان من أن دور مؤسسات الشباب في صقل المواهب وتعزيز المهارات أمر مهم.
التوصيات التي تستهدف البيئة العامة
تتمثّل هذه التوصيات في التغييرات التي تستهدف البيئة العامة للشباب أي المؤسسات العمومية وغير العمومية من جهة الأدوار وطريقة العمل.
– سياسيّة بين قطاعية محورها المؤسسات الشبابية ك»ميسر قرب»
تؤكّد مخرجات البيانات والحوارات في مجموعات التفكير والتركيز أن الشباب يريد تغييرا شاملا في كلّ القطاعات من التشغيل إلىالأمنإلى العدالة إلى الثقافة إلى الرياضة إلى غيرها من القطاعات، وهو مطلب ملحّ وأهم بالنسبة إليهم لكن الإشكال الذي يواجهه الشباب هو تعدّد المؤسّسات وتعقّد العلاقات في ما بينها وصعوبة نفاذه إليها والتعامل معها.
-المشاركة رفيعة المستوى في السياسات الوطنية من أجل تملك واستدامة أكثر للسياسات الشبابية
هناك فكرة تقول إنّ «حقوق الإنسان هي منطلق وغاية كل تشريع»، وهي قولة يمكن أن تلهمنا في ما يتعلّق بخدمات الشباب بالقول وسياساتهم أنّ «الشباب منطلق وغاية كل السياسات والخدمات وأطر عمل كل الفاعلين والفاعلات».
رغم أنّ البحث قد ركّز على مشاركة القرب للشباب من خلال أسئلة موجّهة على مستوى محلي وقريب، إلّاأنّ هذا لا ينفي قراءة تطلّعات الشباب الالية بين السطور وفي التصورات العامة.