أخبار مدنية

“روضة العشاق” نحو تأسیس مسرح الطریقة

في ظل الاوضاع التراجیدیة التي تشھدھا الساحة الفلسطینیة ومجازر الابادة المرتكبة في حق سكان غزة، تأتي مسرحیة” روضة
العشاق” للمؤلف والمخرج معز العاشوري والتي تم عرضھا بمسرح الأوبرا یوم 22 أكتوبر .2023 لتكشف لنا الفردوس المفقود
في الذات البشریة.
ھذا الفقد الذي تسبب في افلاس البشر من انسانیتھ وجعلھ أعمى في اتباعھ لعساكر النفس التي تجره نحو دوامة الصراعات الدمویة.
تعالج مسرحیة “روضة العشاق” تخلي الانسان عن علاقتھ بمكونات الكون وغوصھ في مكونات مادیة واجتماعیة جعلتھ یتشیأویفقد
قلبھ محرك العشق والحب، وقد تجلت لنا ھذه المعالجة الروحانیة من خلال الخرافة التي استنبطھا المخرج ضمن عملھ بمختبر
المشروع الفني واجتھد في تركیب عناصرھا واتقان حبكتھا، وھي خرافة تسرد سیرة ذاتیة توثیقیة لشخصیة الحبیب بن یزید الملقب
بالمرید الصادق والذي یمارس مع أتباعھ من المریدین طقوس طریقة صوفیة محدثة تعتمد وسائل فنیة وتثیر الشك والریبة لدى الأمن
العام مما أدى إلى القبض علیھم وحبسھم في معتقل والتحقیق معھم.
یوثق المحققون مناظرة بین المرید الصادق وأستاذ متخصص في الطرق الصوفیة حول كتابھ “روضة العشاق” بغایة اقناعھ بضعف
طریقتھ وانحرافھا عن الطرق الصوفیة لكن كبیر المحققین لم یقتنع بالمناظرة و غیر من أسلوب التعامل مع المریدین فلجأ للعنف
والقمع تجاھھم، أدى إلى تدخل محامیة الدفاع عن المریدین والتي وجدت نفسھا بین عشق الطریقة ومقاومة أسالیب المنظومة الأمنیة.
لعل المشاھد لعرض المسرحیة یلاحظ أن المخرج ارتكز على مختبر علمي اعتمد مقاربة بین تقنیات الطرق الصوفیة المسرح
الطقسي كما صرح بذلك، حیث انخرط المشاركون في ھذا المشروع الفني في دراسة مراجع نظریة مرتبطة بفلسفة التصوف الكونیة
وتاریخیة الطرق الصوفیة بالزوایا والمزارات والفضاءات الفارغة بغایة التدریب على تقنیات الطرق المتمثلة في الذكر (اللفظي
والحركي) والسماع (التراتیل، الغناء، الشعر، الإیقاع..) والعمل على مسرحتھا، وقد ساھم ھذا المبحث العلمي على بلورة فكرة
الخرافة وتركیز العناصر الدراماتورجیة الذي تواصل لمدة سنة كاملة عمل خلالھا الفریق الفني على البحث في طقوس شخصیات
المریدین من خلال ھذه المقاربة التي جمعت بین تقنیات الطقوس الصوفیة وتقنیات المسرح الطقسي على غرار مسرح النو الیباني
ومسرح الكاثاكالي الھندي وطرح اشكالیات تتعلق بالشخصیة الطقوسیة وبالزمن الطقوسي والبناء الدرامي في الطقس وتقنیات
المسرح الطقسي وتقنیات الفن الطرقي (الصوفي).
ذلك ما حقق أھدافا كثیرة في العرض تمثلت خاصة في الشعریة الحدیثة في لغة الجسد،والصور الشاعریة الحبلى بالرمزیة
والغموض، تتآلف الأضداد وتتضاد الأنداد وتتواصل الثنائیات كالحیاة والموت/ الذكوریة والأنثویة /الماء والنار / الطوفان
والسكون…
ولئن كانت ھذه الثنائیات المتاضدة، المتألفة أساس شاعریة اللغة الجسدیة واللفظیة في المسرحیة إلا أنھا تمثل منھجا أعتمده المخرج
في كتابتھ الدرماتورجیة. حیث ابتنى الخرافة على ثنائیات الواقعي وألاواقعي أوالسریالي.
ونكتشف ذلك في الشخصیات التي انفصلت بین شخصیات واقعیة (المحقق، المحامي..) وأخرى لاواقعیة (المریدون) تدور في أزمنة
مطلقة سریالیة، وبالتالي انقسمت الفضاءات بین واقعیة مادیة (المعتقل) وأخرى خیالیة تنبع منھا الرؤى والأحلام.
لقد تمكن الفریق الفني من إستنباط معاني جدیدة وھي ثمار المختبر ونجحوا في تمریر الخطاب المسرحي بأداء متمیز، برز خلاله
ممثلون من طراز محترف على غرار الممثل الشاب إسكندر الھنتاتي والممثلة ھیفاء بولكباش والفنان عبد السلام الجمل والممثلین شهاب شبيل رامي الشارني وأمان الله التكابري و محمد سفينة …

إياد الجربي

Skip to content