مقالات

زلزال 25 جويلية – 22 سبتمبر يبعثر حسابات الأحزاب ويعيد تشكيل خارطة سياسيّة جديدة.. والاتحاد يعيد ضبط البوصلة الوطنية، ويرسم خطوط التقاطع والاختلاف مع مرحلة التدابير الاستثنائية

خليفة شوشان،
صحفي.

يبدو المشهد السياسي التونسي بعد إصدار رئيس الجمهورية قيس سعيد الأربعاء 22 سبتمبر 2021 أمرا رئاسيا يتعلق “بالتدابير الاستثنائية” التي وصفها بعض أساتذة القانون الدستوري بأنها أقرب لالغاء غير رسمي للدستور و”إعلان التنظيم المؤقت للسلط العمومية” أو “الدّستور الصغير” الذي علّق بموجبه جزئيا العمل بدستور 2014 وخاصة البابين المتعلّقين بالسلطتين التشريعية والتنفيذية منه والاقتصار على مواصلة العمل بتوطئته وبالبابين الأول والثاني وبجميع الأحكام التي لا تتعارض مع التدابير الاستثنائية.

* مواقف سياسية متنافرة

 وبروز جبهات وتكتلات حزبية جديدة

أوامر رئاسية جاءت استكمالا وتفصيلا قانونيا للتدابير الاستثنائية التي أعلنها سعيّد في 25 جويلية، خلطت جميع الأوراق مما زاد المشهد تعقيدا وتنافرا وفتحه على مرحلة من التقلبات السياسية وربما الاجتماعية، لا يرى أكثر المراقبين تفاؤلا أنها ستستقرّ على وضع واضح المعالم والاصطفافات والتكتلات الحزبية أو الجبهوية في الأيام والأشهر القادمة. 

بل من المحتمل وحسب ما يعتمل في الساحة السياسية أن تضاعف تعقيداتها بانفتاح ورشات تفكير واسعة الجدل حول المرحلة القادمة.

لكن وعلى خلاف الأزمات السياسيّة السابقة التي عصفت بالبلاد منذ انطلاق المسار الديمقراطي في2011 والتي تميزت باستقطابات ثنائية هووية وايديولوجية وسياسية قاهرة وحادة، يتميز المشهد اليوم بتعددية واسعة و”مائعة” تشكلت في جملة من الكتل والجبهات الحزبية والمدنية قد تتقارب تصوراتها ونقاط الالتقاء بينها حدّ التماهي وقد تتباعد أحيانا حدّ التناقض حسب زوايا نظر كل طرف وموقعه ومصالحه وموقفه من جملة القضايا المتعلقة بإجراءات 25 جويلية – 22 سبتمبر ومدى شرعيتها ومشروعيتها، وحسب رؤيته وتصوره لتونس المستقبل وللأساليب والأدوات الضرورية لبنائها وأخيرا حسب الموقف من مشروع قيس سعيد الذي لم تتضح ملامحه بعدُ.

* معسكر المطالبين بعودة الشرعيّة الرافعين الدستور على مدارج المسرح البلدي

في علاقة بالموقف من إجراءات 25 جويلية انقسمت الأحزاب وقوى المجتمع المدني إلى معسكرين؛ معسكر الرافضين الإجراءات واعتبارها انقلابا على الانتقال الديمقراطي وتهديدا للتجربة الديمقراطية ويطالبون بالعودة إلى الوضع الطبيعي بما يعنيه من رفع التجميد على البرلمان واستئناف العمل بدستور 2014 مع تنازل تكتيكي بالقبول 

المشروط بإقالة رئيس الحكومة على أن يتمّ الدخول في حوار مع رئيس الجمهورية حول الشّخصية المكلفة بتشكيل الحكومة القادمة وفي الفريق الحكومي واختيار هيكلته وأعضائه على أن يتمّ تمرير الحكومة وجوبا على البرلمان لإكسائها صفة الشّرعيّة،

هذا الخندق تتزعمه بلا منازع حركة النهضة وبقية أحزاب الائتلاف الحكومي الحليف لها، قلب تونس وائتلاف الكرامة، وتقف على يمينه ما سُمّي “بالجبهة الديمقراطية” التي تأسّست مؤخّرا كإطار سياسيّ اختارته مجموعة من الأحزاب لتنسيق جهودها في مواجهة الانقلاب حسب ما جاء في بيانها التأسيسي وتضمّ كلاّ من أحزاب حراك تونس الإرادة، حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، حزب الإرادة الشعبيّة وحركة وفاء إلى جانب بعض الجمعيات والشّخصيات السياسية والحقوقيّة الدائرة في فلكها أو التي تلتقي معها في الدفاع عن المنظومة السابقة والدعوة إلى ضرورة منح تجربة الانتقال الديمقراطي فرصة أخرى لاستكمال مؤسّساتها وهيئاتها الدستورية للحكم لها أو عليها. ولنختصر الأمر يمكننا بتوصيف هذا الخندق بالمستفيدين بشكل مباشر أو غير مباشر من هذه المنظومة رغم كلّ التناقضات الفكرية والسياسية بينها، التي لم تمنعها من الانخراط في جملة من الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتحرك الميداني تحت عنوان وشعار موحد “مواطنون ضد الانقلاب” وتنفيذ تجمعين أمام المسرح البلدي يومي 18 و26 سبتمبر  للتعبير عن رفضها للتدابير الاستثنائية والتحذير من عودة الديكتاتورية للبلاد رافعين الدستور على مدارج المسرح البلدي مطالبين بعودة البرلمان، بل بلغت شعاراتهم من الراديكاليّة حدّ المطالبة بعزل الرئيس وضمان محاكمته محاكمة عادلة.

* حزب العمّال والتّموقع الهجين 

على يسار الشّرعيّة وعلى يمين التغيير

وسط هذا المعسكر الرافض لما سُمّي بالانقلاب تبرز مواقف حزب العمال ناشزة فإن اختلف جذريا مع حركة النهضة وحلفائها في تشخيص مسار الانتقال الديمقراطي الذي تزعّمته واعتبرته انقلابا على أهداف الثورة واتهمها بالمسؤولية المباشرة عن الخراب الذي وصلته البلاد

فإنه فاجأ الجميع بمواقفه القصووية من 25 جويلية والتي عبّر عنها زعيمه من على منابر لم يكن يظهر فيها “قناة الجزيرة” بل لعلها كانت مسرحا لسحله سياسيا وترذيل صورته بعد أن كان يطالب قبل أسابيع رئيس الجمهورية بالأفعال لا الأقوال ويتحدّاه أن يفعّل صواريخه الدستورية ضدّ المنظومة. وقد تكثّفت هذه المواقف في البيان الأخير للحزب ردا على الأمر الرئاسي المتعلّق بالأحكام الاستثنائية.

 بيان رآه البعض إسقاطا فجا لصورة بن علي على قيس سعيد واستحضارا للمواقف الجذرية للحزب وزعيمه زمن الدكتاتورية.

 تحت عنوان “يسقط الانقلاب، لا لدكتاتور جديد” خلص حزب العمال إلى اعتبار الأمر الرئاسي “استكمالا للعملية الانقلابية التي أقدم عليها سعيد يوم 25 جويلية الماضي باستعمال متعسّف للفصل 80 من الدستور” وجدّد تأكيده ” ورفضه التامّ لهذا النهج الذي يؤسس لحكم فردي، مطلق، استبدادي، معادٍ لمطامح الشعب التونسي” قبل أن يعلن بكل وضوح “انخراطه في مقاومة هذا النّهج والتمسّك بشعارات الثّورة والعمل على تحقيق أهدافها ضمن برنامج سياسي، اقتصادي، اجتماعي، شعبي بديل” وختمه بدعوة “القوى السياسية والاجتماعية والمدنية التقدمية والديمقراطية إلى العمل المشترك لمواجهة هذا المسار ووضع حدّ للتّلاعب الجنوني والخطير بمصير الشعب وبالبلاد” ولم يغفل الحزب عن التذكير بتحميله حركةَ النهضة وحلفاءَها في الحكم طيلة العقد المنصرم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد والشعب”. موقف حاسم وقاطع من رئيس الجمهورية ومن إجراءات 25 جويلية 22 سبتمبر لم يترك فيه الحزب مجالا للمناورة والتراجع وتصحيح الموقف مع تطوّر الأحداث. بل لعله ترك أسئلة عديدة بلا أجوبة عن أي قوى اجتماعية وتقدمية يتحدّث البيان ويدعوها إلى العمل المشترك وقد أوصد دونها كلّ الأبواب بقطعه الجازم بأن التعامل مع إجراءات سعيّد تكريس للحكم الفردي المطلق الاستبدادي. فأي تمايز سياسي حققه فعليا مع حركة النهضة التي تطابقت مواقفه معها في توصيف ما حدث بالانقلاب؟ والحال أن إعلانه انخراطه اللامشروط في مقاومة هذا النهج لن يصبّ إلاّ في رصيدها ورصيد حلفائها ويخفّف عزلتهم وهو ما يبدو واضحا في احتضان منابرها وصفحاتها وقنواتها لخطابه والاحتفاء به وترويجه حجّة تستقوي بها داخليا وخارجيا على سعيد، فإن لم توحدهم المواقف ستجمعهم ساحات الفعل المقاوم لاستعادة المنظومة القديمة وإزالة آثار ما تسمّيه انقلابا وهو وحزبه للاستكمال الوهمي لمسار الثورة التي يحمل اليوم سعيد لواءها مدعوما من غالبية أبناء الشعب المفقر والمهمش قولا وفعلا لا شعارا ومزايدة.

* معسكر المعارضين بين تفهّم ضرورات التّغيير والاختلاف في تحديد البديل

على مسافة من هذا المعسكر يقف معسكر ثانٍ يمكن أن نصفَه بمعسكر المعارضين المتفهّمين نسبيّا لإجراءات 25 جويلية والتي يعتبرها ضرورة موضوعية استدعاها التعفّن السّياسي وتعطّل مؤسسات الحكم وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقيّة وخاصة منها الصحية بعد “مجزرة كورونا” التي عصفت بحياة ما يناهز خمسة عشرين ألف تونسي أمام عجز الحكومة والبرلمان وتلهيتهم بالمعارك الصغيرة والتافهة عن التموقع السياسي واقتسام مغانم السلطة والنفوذ في دولة آخذة في التفكك وإدارة الظهر لشعب فقد الثقة في الدولة وقبلها في الطبقة السياسية بأحزابها ومنظماتها ونخبها وفي مؤسسات الحكم وخاصة منها الحكومة والبرلمان وحوّل مجمل آماله وانتظاراته صوب رئيس الجمهورية باعتباره أمله الوحيد في تخليصه من هذه المنظومة الجهنّمية بحلّ البرلمان وإسقاط الحكومة واستعادة الدولة المختطفة من مافيا الفساد والإفساد وكسر الدائرة المغلقة على نفسها والمعارضين في الوقت نفسه للتدابير الاستثنائية أو الأمر المنظم السلط العمومية. داخل هذا المعسكر المتمايز والمتنافر “المتقبل” للأمر الواقع والمتفهم نسبيا لاستحالة أي ممكنات للتغيير من داخل المنظومة بدأت تتشكّل كتل وتيّارات تعكس مواقف متباينة ما بين توصيفات التوسّع والتعسّف والانقلاب وفقدان الشرعيّة الرئاسية توصيفا وبين كيفية إدارة المرحلة الاستثنائية وحدودها؛ حلّ البرلمان، العودة إلى المنظومة القديمة على علاّتها دون النهضة وائتلافها أو التّغيير والمرور إلى تعديل الدّستور والقانون الانتخابي وقانون الأحزاب عبر استفتاء شعبي والمرور إلى انتخابات برلمانية مبكرة وفتح الملفات الحارقة: الاغتيالات السياسية والإرهاب والتسفير، ملفّ الفساد وتغيير المنوال الاقتصادي وتفكيك منظومة الريع.

* تنسيقية القوى الديمقراطية، محاولة التمايز عن النهضة ورفض العودة الى الدكتاتورية

كيان جبهوي جديد فرضه تسارع الأحداث وانقلاب المشهد السياسي رأسا على عقب يشترك مع أحزاب ورموز المنظومة الساقطة في الكثير من المواقف بل يزايد عليها ولكنه يترك الباب مواربا لتوافقات مع معسكر المتفهمين ضرورات وحتمية التغيير ولو اختلفت الأساليب والأدوات. كيان جمع أحزابا تموقعت سابقا في تحالفات متناقضة تكتل الترويكا وآفاق تحالف الباجي والنهضة وتيار الكتلة الديمقراطية حليف حركة الشعب وحزام حكومة الفخفاخ وسند سعيد وأكبر داعميه في تطبيق “الفصل 80” وأكبر أعداء النهضة، وما بينهم الحزب الجمهوري سليل الحزب الديمقراطي التقدّمي الذي خسر هويّته بعد الثّورة وتحوّل إلى محطة رسكلة للسياسيين الباحثين عن التموقع في الحكم وعن مغانم التوزير. هذه الجبهة التي ضمت قوى وسطية اختارت أيضا التّموقع في الوسط بمنأى عن دفّتي الصراع خاصة بعد فشلها في استمالة الاتحاد العام التونسي الشغل عبر زيارات مكوكية لفرض الالتقاء على قطبي التنازع بين المنظومة القديمة والجديدة الآخذة في الشكل في منتصف الطريق لتغيير الربان والابقاء على السفينة ولما لا قيادتها والتمكن من التّموقع مجدّدا في الحكم، أعلنت في بيان مشترك تعليقا على الأمر الرئاسي لأنه خروج على الشّرعية وانقلاب على الدستور ودفع بالبلاد نحو المجهول، واعتبرت رئيس الجمهورية فاقدا لشرعيته بخروجه عن الدستور وأن كلّ ما بُني على هذا الأساس باطل ولا يمثل الدولة التونسية وشعبها ومؤسساتها وحملته مسؤولية كل التداعيات الممكنة لهذه الخطوة الخطيرة. وعبرت عن رفضها استغلال رئيس الجمهورية للإجراءات الاستثنائية لمغالطة التونسيات والتونسيين وفرض خياراته السياسية الفردية كأمر واقع وذلك على حساب الأولويات الحقيقية وعلى رأسها مقاومة الفساد ومجابهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والصحية، قبل أن تذكر برفضها العودة إلى الفساد والفوضى التي ميّزت ما قبل 25 جويلية بالقدر نفسه الذي ترفض به العودة إلى دكتاتورية ما قبل 17 ديسمبر-14 جانفي والتي تقود بالضرورة إلى الفساد والتهميش، لتدعو في خاتمة البيان إلى مواصلة التنسيق بينها ومع بقية الأحزاب الديمقراطية والمنظمات الوطنية قصد تشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدى لهذا الانقلاب على الدستور وتستجيب للانتظارات المشروعة للتونسيات والتونسيين.

* التيّار الديمقراطي والصراع المزمن 

بين الموقف الثوري والتموقع في الحكم

 كانت إجراءات وقرارات 22 سبتمبر بمثابة الزلزال الثاني الارتدادي والأكثر عنفا على البعض من زلزال 25 جويلية، مما ضاعف التصدعات في المشهد السياسي وغيّر المعادلات وقلب المواقف والحسابات السياسية لبعض الأحزاب والقوى المجتمعية رأسا على عقب ولعلّ أبرز تجليات هذا المنعرج جسدتها مواقف حزب التيار الديمقراطي وقياداته والتي انتقلت دفعة واحدة من توصيف ما حدث والتوسع الذي يمكن تفهمه في استعمال الفصل 80 لإنقاذ البلاد إلى اعتباره انقلابا يفقد رئيس الجمهورية شرعيّته قد يكون هذا الانقلاب في الموقف متفهما لمن تابع مسيرة التيار السياسي وللعارفين بانقساماته الداخلية وبأن بذور هذا الموقف كانت كامنة في الخطّ البراغماتي الذي يمثله أمينه العام غازي الشواشي وأنه توارى خلال مرحلة ال 50 يوما الأولى من المرحلة الاستثنائية على أمل أن يكون للحزب نصيب الأسد في التربع على عرش الحكم مكان حركة النهضة وأن يكون عنوان المرحلة القادمة ولكنّ خيبة الأمل في كرم الرئيس بمنحهم هذه الفرصة جعل قيادات الحزب تستبق الخازوق وتنقلب إلى الموقف النقيض وتتمترس على يسار المعارضة الراديكالية لسعيد لعلها تتدارك خيبة انتظاراتها منه.

* الدستوري الحرّ والسعي إلى استنساخ تكتيك الاستقطاب الثنائي مع سعيّد

المفارقة نفسها وقع فيها الحزب الدستوري الحر الحزب الذي طرح نفسه الأكثر راديكالية في معارضة حركة النهضة الإخوانية والمتهم بالرغبة في اجتثاثها واستئصالها من المشهد السياسي وحمّلها وحدها المسؤولية عن تدمير البلاد بل والتآمر عليها وخيانة الدولة الوطنية،

ففي حين تميز موقفه أولا بالتردد من إجراءات 25 جويلية تأخر يومين لتخرج رئيسته على أنصارها بموقف الحزب الأقرب إلى المساندة النقدية والمزايدة السياسية واعتبار ما قام به سعيد دون المأمول والضروري خاصة في علاقة بفتح الملفات التي تدين “الإخوان” في علاقة بالاغتيالات والإرهاب والتسفير، فإن ما اعتبره بعض المحلّلين سحبا للبساط من عبير وحزبها بإلغاء جوهر وجودها وسرّ قوتها حركة النهضة وتحييد ميدان اشتباكها السياسي “البرلمان” سرعان ما دفعها إلى العمل على خلق عدوّ جديد تصارعه وتستعيد من خلاله تكتيك الاستقطاب الثنائي الذي غنمت منه قوّتها وتقدّمها في نتائج سبر الآراء لذلك سارعت إلى تغيير موقفها واختارت التموقع في صفوف المعارضة الجدية لقيس سعيّد مع الاحتفاظ مع المسافة نفسها من “الإخوان” وعدم الاصطفاف معهم وإعطائهم طوق نجاة “والتحذير من فرضية وجود تنسيق خفي بين سعيد والإخوان لمحو جرائمهم وإعادتهم إلى الصفوف الأمامية كما جاء في مداخلة لرئيسة الحزب تعليقا على إعلان سعيّد “التدابير الاستثنائية“.

* مشروع جبهة دعم تصحيح المسار 

وحتمية التأسيس لتونس أخرى ممكنة

على تماس وتقاطع مبدئي مع قرارات رئيس الجمهورية وإجراءاته وتدابيره الاستثنائية سواء في جرعتها الأولى 25 جويلية أو الثانية 22 سبتمبر تقف كتلة من الأحزاب والقوى الوطنية والتقدّمية القومية واليسارية تتكوّن: من حركة تونس إلى الأمام، حركة الشعب، التيار الشعبي، حزب التحالف من أجل تونس، حركة البعث والحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي. وقد توّجت هذه الأحزاب لقاءاتها بإصدار بيان مشارك أكدت من خلاله دعمها لقرارات 25 جويلية إيمانا منها بحتمية التأسيس لتونس أخرى ممكنة واعتبرت الأحكام الصادرة عن رئيس الجمهورية بتاريخ 22 سبتمبر خطوة مهمّة في اتجاه تجذير خيار القطع مع عشرية الخراب والدمار والفساد والإفساد ومع خيارات حكومات لم تكن سوى واجهة لحكم بارونات المافيا بقيادة حركة النهضة وحلفائها.

وأكدت على ضرورة التسقيف الزمني للوضع الانتقالي والإجراءات الاستثنائية وتشريك الأحزاب والجمعيات الداعمة لمسار التّصحيح في مناقشة مشروعي تنقيح فصول من الدستور والقانون الانتخابي قبل عرضهما على الاستفتاء. إلى جانب تأكيدها على أن تلتزم الحكومة القادمة بإطلاق عملية إنقاذ اقتصاديّ تقطع مع سياسات المنظومة المنهارة.

* حزب الوطنيين الموحد: خطوة جديدة في اتجاه تفكيك مؤسسات المنظومة الفاشلة والمأزومة:

غير بعيد عن موقف مجموعة الأحزاب المساندة لما أطلقنا عليها “جبهة تصحيح المسار” يتحدد موقف حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي وان لم يمض مع بقية أحزاب الجبهة بيانها المشترك الثاني فقد أكد في بيانه أن ” ما تضمنه الأمر الرئاسي عدد 117 مثل خطوة جديدة في اتجاه تفكيك أهم مؤسسات المنظومة السياسية الفاشلة والمأزومة التي استنزفت البلاد طيلة العقد المنقضي” قبل أن يطالب رئيس الجمهورية في المقابل “بتحديد سقف زمني لهذه الإجرائات و تعيين آجال واضحة لعودة القرار للشعب صاحب السيادة” توقيا مما اعتبره “المخاطر المحدقة بالمرحلة الإنتقالية”. ويحذر مما أسماه “انفراد الرئيس و مؤسسة الرئاسة بالتنقيحات الدستورية دون آليات ديموقراطية تضمن مشاركة كل التونسيين دون استثناء في ذلك على مستوى النقاش والإقتراح، والاعتراض والتعديل” واعتبره “متناقض مع حق الشعب في تقرير مصيره”. كما أشار حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الى أن “اختزال حلّ الأزمات المتعاقبة في جملة من الإجرائات القانونية والدستورية ونقاش حول الحقوق والحريات وصلاحيات السلطات؛ على اهمية ذلك؛ دون خطة دقيقة للكشف عن حقائق الاغتيالات و الملفات الارهابية ولتصفية نظام المكاسب والإمتيازات المافيوية، واقتصاد النهب والتهميش، وقلب موازين القوى الإجتماعية لصالح المتضررين طيلة العقود التي خلت؛ يضع هذا المسار في طريق إعادة انتاج نفس سياسات الفشل التي ثار عليها الشعب” وجدد الحزب في خاتمة بيانه ادانته “تواصل الضغوطات الخارجية السافرة على بلادنا وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكل داعميهم في الداخل من أحزاب ومنظمات وشخصيات”وصفها “بالعميلة للخارج”٠ وأكد أن الحل الحقيقي يتمثل في النهوض بالمسار الثوري من خلال بناء تحالف وطني شعبي من أجل تحقيق سيادة الشعب على قراره السياسي و مقدرات البلاد. 

* الاتحاد يعدّل بوصلة الرافضين ويكبح شهوة التفرّد لدى المغامرين

بعد اجتماع المكتب التنفيذي الاتحاد العام التونسي الشغل المتواصل يومي الخميس والجمعة 23 و24 سبتمبر 2021 والذي التقى خلاله جملة من المشاورات المكثفة مع مجموعة من أساتذة القانون الدستوري أصدر الاتحاد بيانا أكد من خلاله موقفه من الأمر الرئاسي الذي أصدره رئيس

الجمهورية يوم 22 سبتمبر والذي اعتبره “بداية توضّح خارطة الطريق” المطالب التي سبق بها الاتحاد في بياني المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية الوطنية إثر إجراءات 25 جويلية.

الاتحاد عبّر عن “تمسّكه بما تضمّنته بياناته عقب 25 جويلية” والتي اعتبرت “ما حدث فرصة تاريخية للقطع مع عشرية غلب عليها الفشل والتعثّر وسادتها الفوضى والفساد وانتشر فيها الإرهاب”. وذكر بيان الاتحاد رفضه “محاولة اعتماد فشل هذه العشرية ذريعة للمقايضة بين الحرية واحتكار السلطة” وجدّد مطالبته “بالتسريع بتشكيل حكومة بكامل الصلاحيات قادرة على مجابهة تعقيدات وضع زادته الحالة الاستثنائية تعقيدا وتأزّما” وأن هذه الحكومة “استمرارية الدولة في تنفيذ تعهّداتها والتزاماتها واتفاقيّاتها مع الأطراف الاجتماعية”. كما حذّر من “خلوّ الأمر الرئاسي من أيّ إجراءات أو تدابير للتنفيذ ومن أيّ تسقيف زمني للحالة الاستثنائية التي أعلنها منذ 25 جويلية 2021” وعبر عن رفضه “استمرار التدابير الاستثنائية وتحويلها حالة مؤبّدة وحذّر من مخاطر تجميع السلطات في يد رئيس الدولة في غياب الهياكل الدستورية التعديلية.

عموما كان موقف الاتحاد الذي انتظره الجميع في السياق نفسه الذي عبّر عنه في بياناته السابقة تفهما للإجراءات والتدابير الاستثنائية مع التحذير من الانحراف بها نحو الفردانية والمطالبة بفتح قنوات تواصل حوار مع القوى والمنظمات الوطنية والاحتفاظ بالدور الرقابي للاتحاد وعدم منح الرئيس صكا على بياض وعدم الانخراط في معارك الاستقطاب الثنائي الحدّي بين الرافضين بالمطلق لقرارات 25 جويلية وبين المناشدين الداعمين بلا تحفّظ.

* معسكر سعيّد ومحاولة استثمار الفرصة لتحويل مسار 25 جويلية

يبقى من الضرورة الإشارة إلى معسكر الرئيس قيس سعيد والمؤمنين بمشروعه وأبناء حملته التفسيرية الذين وإن لم تتبيّن طبيعة انتظامهم وهوية مشروعهم وهيكليتهم القيادية وأهدافهم المستقبلية وبقيت على قدر من الغموض إلا بالقدر الذي يفصح عنه الرئيس في خطاباته وتصريحاته يشكلون كتلة وازنة وإن لم تكن متجانسة في مواقفها قبل وبعد 25 جويلية بأقلّ حدة بعد 22 سبتمبر في حاجة إلى الخروج إلى العلن وحسم ترددها وغموضها السياسي الذي يثير الكثير من القلق والهواجس لدى قطاعات واسعة من مساندي قرارات الرئيس قبل خصومة ولعلّ هذه الهواجس تتحول إلى كوابيس تخنق بارقة الأمل لدى المثقفين الذين تنفسوا الصّعداء بعد تصدّع منظومة تحالف الأخونة والفساد وفي خضم الزوابع السياسية التي تعيشها البلاد عندما ترى ردود الفعل الموتورة والميليشوية من هؤلاء الأنصار تجاه كل خطاب معارض للرئيس بما في ذلك أصحاب المساندة النقدية في استنساخ لظاهرة كل أنواع الميليشيات الالكترونية والذباب بكلّ ألوانه الأزرق النّهضاوي والأحمر الدستوري.

Skip to content