مقالات

عندما نتحدّث عن حقوق النساء: كورونا أعادت عقارب الساعة إلى الوراء

سيماء المزوغي
صحفية

أسقطت جائحة كورونا ورقة التوت عن جميع أشكال العنف ضد النساء، في تونس وفي العالم، فلا يمكن الحديث عن تحقيق تنمية مستدامة وإحلال السلم والأمن المجتمعي في ظل تدهور متواصل لمكانة المرأة خاصة بعد تفشي جائحة كورونا، هذه الجائحة التي أعادت عقارب الساعة إلى الوراء ، وأصبح البعض يستهزأ من الحديث عن تعزيز دور النساء في صنع القرار، ومحاربة العنف والتمييز ضدهن، بل وإعادة بناء الأنظمة الاجتماعية قصد تعزيز المساواة الجندرية.

فعندما نتحدّث عن القانون عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 والمتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة نرى الهوّة الشاسعة بين القانون وبين ما يحصل من جرائم حاصلة ضدّ النساء والتي تبيّن عدم تبنّي الدولة للقانون وعدم تطوّر تعامل الدولة والمجتمع للعقلية التي تتبنّى وتشرع للممارسات العنيفة ضدّ المرأة.

كورونا والعنف : قوانين الحبر على الورق

تقول يسرى فراوس المحامية والرئيسة السابقة لجمعية النساء الديمقراطيات، أنّ الجمعية عاينت من خلال مراكز استقبال النساء ضحايا العنف عدم انخفاض الأرقام المسجلة خلال الحجر الصحي في السنة الفارطة والتي أفرزت تضاعف عدد حالات العنف ضد المرأة بحوالي 9 مرات، بل وأنّ هذه الأرقام تواصلت طيلة فترة الحجر الصحي الموجه وفترة رفع الحجر أيضا.

ومع هذا لم يتمّ “تحديد سقف زمني لتوفير الحماية للنساء المعنفات، مضيفة أن هذه القضية تعدّ قضية أمن قومي ولكن الدولة لم تعطيها الأولوية اللازمة”، وما زاد الطين بلّة ما نراه من تشريع للعنف من خلال الممارسات التي يشاهدها التونسيون في مداولات مجلس نواب الشعب.

وفي التقرير السنوي حول وضع الحريات الفردية في تونس (مارس 2020- مارس 2021) والذي قدمته الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية بالشراكة مع بعض مكونات الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات وهي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومجموعة توحيدة بالشيخ وجمعية دمج والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب ومحامون بلاحدود، اعتبر التقرير أنّ الوضع الوبائي قد خلف أضرارا على المستوى الصحي والاقتصادي وأيضا على مستوى الحريات، وبيّن التقرير أنّ حقوق المرأة تراجعت وتدهورت في ظل جائحة كورونا.

التمكين الاقتصادي : مجرّد شعارات للدولة

ضربت الحكومة التونسية مسألة دعم النساء في القطاعات المتضرّرة من جائحة كورونا، عرض الحائط، خاصة بعد تعرّض النساء إلى مختلف أشكال العنف، فلا يمكن الحديث عن التمكين الإقتصادي للنساء وحقوقهن غير مكتملة أو لا تطبّق على أرض الواقع.

تجلّى ذلك خاصة في عدم صدور الأوامر الترتيبية الخاصة بالقانون عدد 30 لسنة 2020 و المتعلّق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني باعتباره القطاع الاقتصادي الثالث الذي من شأنه أن يساهم بصورة كبيرة في مساعدة النساء على الاندماج في الدورة الاقتصادية.

إضافة إلى أنّ النساء العاملات لا يحضين بتمثيلية متساوية أو حتى نسبية في اللجان الإدارية المتناصفة واللجان الاستشارية للمؤسّسة وذلك استنادا إلى الدستور والذي يلزم فصله 46 الدولة على السعي من أجل تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في الهياكل المنتخبة.

دون أن ننسى الاتفاقية المشتركة في القطاع الفلاحي التي بقيت حبرا على ورق، لتنظيم نقل العاملات بالقطاع الفلاحي، كما أنّ البرلمان التونسي تناسى في أدراجه اتفاقية العمل الدولية عدد 183 المتعلّقة بحماية الأمومة وتغافل عن تطوير التشريعات الشغلية والاتفاقيات القطاعية المشتركة التي تقطع مع التمييز في حقوق العاملات.

كما تناسى اتفاقية العمل الدولية عدد 190 المتعلّقة بمناهضة العنف والتحرّش في عالم العمل وتفعيل الآليات والإجراءات الواردة بالقانون الأساسي المتعلّق بمناهضة العنف ضدّ المرأة.

نساء العالم يواجهن الوباء والعنف

لعلّنا نذكر خطاب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في اليوم العالمي للمرأة في مارس الفارط، الذي اعتبر أن حقوق المرأة تراجعت في جميع أنحاء العالم في ظل جائحة كورونا التي محت عقودا من التقدم نحو تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وقلبت حياة المرأة رأسا على عقب مع تزايد فقدان الوظائف جراء الجائحة وتصاعد الاستغلال والعنف العائلي، مع أنّ المرأة كانت على الخطوط الأمامية للتصدي لجائحة كورونا، وحافظت على انخفاض معدلات التفشي وأبقت البلدان على طريق التعافي، على حدّ تعبيره.

وشهد العالم ارتفاعا غير مسبوق في منسوب العنف القائم على النوع الاجتماعي المبلّغ عنه مع تفشي هذه الجائحة، ففي تقرير مشترك صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اعتبر أن النساء يشكلن 70 بالمائة من العاملين في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم، وأنهن أكثر تضررا من جائحة كورونا، ويتم “استبعادهن بشكل منهجي” من عمليات صنع القرار التي تهدف إلى إنهاء الجائحة، بما في ذلك فرق العمل التي تديرها الحكومات حول العالم.

واعتبر أنّ النساء يعانين آثار فيروس كورونا بشكل أسوأ ليس فقط على الخطوط الأمامية للرعاية الصحية، ولكن أيضا من خلال فقدان الوظائف مع انكماش الاقتصاد غير الرسمي، والارتفاع المقلق في العنف المنزلي، وعبء الرعاية غير مدفوعة الأجر الذي يهدد بدفع 47 مليون امرأة إضافية نحو الفقر المدقع، حيث تكشف البيانات أنه من بين 225 فرقة عمل للتصدي لكوفيد-19 تم تشكيلها وتشغيلها في 137 دولة، 24 في المائة فقط من أعضائها من النساء.

واعتبرت الوكالتان الأمميتان إنه من أجل الاستجابة الفعالة لفيروس كوفيد -19، يجب أن تتضمن السياسات والبرامج “منظور النوع الاجتماعي”.

بدون وجود المرأة في مناصب صنع القرار، من المرجح أن تتجاهل الإجراءات الحكومية احتياجات المرأة ويمكن أن تزيد من تفاقم الانتعاش غير المتكافئ الذي يهدد بالفعل بعكس عقود من التقدم في المساواة بين الجنسين.

تقول كارين كراون المديرة العالمية لمجموعة البنك الدولي: “هناك نقطة يجب وضعها في الاعتبار، خاصة في البلدان المنخفضة الدخل، وهي أن العديد من النساء يعملن في وظائف غير رسمية، وبالتالي لا تشملهن خطط الحماية الاجتماعية مثل التأمين ضد البطالة. ومن شأن ارتفاع معدل وفيات الذكور بسبب كورونا إجبار النساء المتخلفات عن الركب على السعي للحصول على الحماية الاجتماعية أو تأمين دخل آخر لأسرهن.

كما يوجد توزيع غير متكافئ لأعمال رعاية الأسرة بين الرجال والنساء. ففي الأوقات المعتادة، تتحمل النساء والفتيات مسؤولية رعاية الأسرة والمنزل بسبب التقاليد الاجتماعية. وهن يتحملن الآن على الأرجح الزيادة في مسؤوليات أعمال الرعاية الناجمة عن إغلاق المدارس، وعزل كبار السن، والأعداد المتزايدة لأفراد الأسرة المرضى. وهناك مخاطر كبيرة تتمثل في دفع هذه الظروف العديد من النساء في جميع أنحاء العالم إلى ترك وظائفهن، وخاصة تلك التي لا يمكن القيام بها عن بعد، مع آثار سلبية محتملة طويلة الأمد على مشاركة الإناث في القوى العاملة”.

Skip to content