
في إطار الدورة 69 للجنة وضع المرأة في نيويورك التي انطلقت في العاشرة من مارس وتنهي أشغالها يوم 21 مارس 2025، يتواصل إحياء المجتمع الدولي الذكرى 30 للمؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي عُقد في بيجين عام 1995 والذي اعتمد خلاله إعلان ومنهاج عمل بيجين ليشكل خارطة طريق شاملة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.
غوتيريش يدق ناقوس الخطر بشأن حقوق المرأة.
في افتتاحه لأشغال الدورة الـ69 للجنة وضع المرأة، وجه الأمين العام للمنظمة الأممية غوتيريش تحذيرًا صارخًا أمام التحديات المتزايدة التي تواجهها النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، مشددًا على أن هناك موجة متصاعدة من كراهية النساء ورد فعل عنيف ضد المساواة بين الجنسين، تهدد بالتراجع عن عقود من التقدم.
وقال غوتيريش: “بعد ثلاثين عامًا من بيجين، ورغم كل التقدم المحرز، لا تزال النساء والفتيات يواجهن مستويات صادمة من الظلم والعنف والتهميش. هناك قوى تسعى إلى تقويض حقوق المرأة وإعادتها إلى الوراء، وهذا أمر غير مقبول وغير أخلاقي ولا يمكننا السكوت عنه.”

خلال مداخلته، استعرض الأمين العام أبرز التحديات التي تواجه النساء والفتيات في العالم اليوم ومن بينها حرمان النساء والفتيات من حقوقهن الأساسية في بعض المناطق وعلى رأسها أفغانستان، إضافة إلى تصاعد العنف الجنسي في النزاعات المسلحة من هايتي إلى السودان، وتفاقم الفقر والجوع بين النساء خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، وتزايد التهديدات ضد الناشطات نسويا بالاعتقالات والتحرش وحتى القتل.
كما ذكر الأمين العام في باب التمييز في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بأن الخوارزميات المتحيزة تعكس فجوة جندرية واضحة يجب معالجتها.
وفي مواجهة هذه التحديات، دعا غوتيريش إلى تحرك عالمي منسق من أجل تمويل أكبر للمنظمات النسائية وتعزيز مشاركتها في صنع القرار، وتنفيذ تدابير صارمة ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، وضمان مشاركة النساء في عمليات السلام وبناء الدول، وتقليص الفجوة الرقمية بين الجنسين مع ضمان أن تكون التكنولوجيا عاملاً مساهماً في المساواة وليس أداة للتمييز ومحاسبة الحكومات والمؤسسات على تنفيذ التزاماتها بشأن المساواة بين الجنسين.
واختتم الأمين العام كلمته بتجديد التزام الأمم المتحدة بدعم حقوق المرأة عالميًا، مؤكدًا أن تحقيق المساواة بين الجنسين ليس مجرد مسألة عدالة، بل هو شرط أساسي لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.
إعلان سياسي أممي جديد لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة:
بمناسبة انعقاد هذه الدورة التاسعة والستون المتزامنة مع الذكرى الثلاثين للمؤتمر العالمي الرابع للمرأة، أصدرت لجنة وضع المرأة إعلانًا سياسيًا يعكس التزام الدول الأعضاء بتعزيز المساواة بين الجنسين وتحقيق التنمية المستدامة مع التركيز على التحديات الراهنة والسبل الكفيلة بمعالجتها.
شدد الإعلان على أهمية الوفاء بالتعهدات السابقة المتعلقة بالمساواة بين الجنسين، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وأجندة التنمية المستدامة لعام 2030.
بعد ثلاثين عامًا من بيجين، ورغم كل التقدم المحرز، لا تزال النساء والفتيات يواجهن مستويات صادمة من الظلم والعنف والتهميش
وأشار ذات الإعلان إلى استمرار التمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي وعدم المساواة الاقتصادية وقلة تمثيل النساء في مواقع صنع القرار. كما أوصى بتدابير لتعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة، وضمان وصولها إلى التعليم والرعاية الصحية.
وفي جانب آخر، دعا الإعلان إلى سد الفجوة الرقمية بين الجنسين من خلال توفير التدريب التكنولوجي للنساء وتعزيز فرصهن في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
كما شدد الإعلان على أهمية مشاركة الرجال والشباب في جهود القضاء على التمييز وتعزيز المساواة من خلال تغيير القوالب النمطية وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل.
وفي سياق ثان، أكد الإعلان على ضرورة توفير التمويل الكافي لتنفيذ برامج دعم المرأة وتعزيز القوانين والسياسات التي تحمي حقوقها في العمل، والتعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية.
يعكس هذا الإعلان التزام المجتمع الدولي بتسريع تنفيذ الأجندة العالمية للمساواة بين الجنسين.
ومع استمرار التحديات، تبقى الجهود المنسقة بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص ضرورية لضمان عالم أكثر عدالة وتمكينًا للمرأة والفتيات.
في تونس: تقرير وطني حكومي و آخر موازي:
شاركت تونس في أشغال الدورة 69 للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة، المنعقدة في نيويورك بوفد رفيع المستوى ترأسته وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن السيدة أسماء الجابري، والتي قدمت في وقت سابق تقريرها الدوري الوطني المتعلق بمتابعة تنفيذ منهاج بيجين.
رابط تقرير الجمهور ية التونسية:
tinyurl.com/26ojuyqz
أكدت الوزيرة في كلمتها يوم 12 مارس 2025، أن تونس تعمل خلال هذه المرحلة على تعزيز حقوق المرأة وفق مقاربة قائمة على المساواة والمواطنة الشاملة، وذلك في إطار مجتمع متماسك وعادل.
كما شددت على ضرورة دعم النساء، لا سيما في المناطق الريفية، عبر تعزيز ريادة الأعمال النسائية وتوفير الحماية الاجتماعية وتحسين ظروف العمل.
وأشارت في ذات السياق إلى الإصلاحات القانونية التي تعكس التزام تونس بحقوق المرأة، ومنها القانون عدد 58 لسنة 2017 للقضاء على العنف ضد المرأة والقانون عدد 44 لسنة 2024 الذي ينظم عطلة الأمومة والأبوة والمرسوم عدد 4 لسنة 2024 الخاص بالحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات.
وأبرزت الوزيرة المكانة المتقدمة التي وصلت إليها المرأة التونسية، حيث تمثل 70% من خريجي الجامعات العلمية و70% من قضاة الرتبة الأولى.
كما دعت الوزيرة إلى تعزيز مشاركة النساء في ريادة الأعمال وخاصة في ظل التغيرات المناخية والانفتاح على شراكات جديدة لدعم حقوق المرأة.
وفي سياق حديثها عن حقوق الإنسان، شددت الجابري على دعم تونس الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني منددة بالاعتداءات التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات وداعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لوقف العدوان الإسرائيلي ومساءلة الاحتلال.
يُذكر أن الوفد التونسي عقد عدة لقاءات ثنائية وشارك في ورشات عمل لعرض التجربة التونسية في دعم حقوق المرأة وتمكينها الاقتصادي والاجتماعي.
ومن جانب آخر صاغت شبكة المجتمع المدني التونسي تقريرا وطنيا موازيا ذكرت فيه بأن تونس تعيش في ظل ظروف سياسية صعبة تتميز بتحديات وصعوبات عديدة، أهمها المناخ السياسي الذي يتسم بالاختناق ومصادرة الحريات.
التقرير الموازي :
tinyurl.com/25zm65jh
كما طرح التقرير الموازي عديد القضايا أهمها غياب التشاور والتشاركية حيث تم إعداد التقرير الرسمي من قبل وزارة المرأة دون استشارة أهم المنظمات الحقوقية والنسوية العاملة في مجال حقوق النساء والمساواة بين الجنسين.
كما ذكر التقرير الموازي أن هناك تراجعًا في المكتسبات التي تحققت منذ 2011، خاصة في ظل الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد. وشدد التقرير على الدور الهام والمؤثر للمجتمع المدني والائتلافات النسوية خاصة بعد الثورة في تحقيق المساواة والدفاع عن حقوق النساء وذلك بالرغم من التضييق على الحريات واستهداف النشطاء بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
تضمن هذا التقرير ثلاث أقسام كبرى تتعلق بقراءة في التقرير الوطني للجمهورية التونسية حول تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين +30 من حيث الشكل والمحتوى و قراءة في مطالب الحركة النسوية من خلال التقارير والأنشطة والتوصيات في علاقة ببعض الأولويات من بين 12 أولوية من إعلان ومنهاج عمل بيجين، وكذلك الفرص والتحديات وبعض التوصيات من أجل إدراج حقوق النساء والمساواة في السياسات العامة والبرامج التنموية دون تحفظ ولا موالاة.
ومن بين الملاحظات الواردة في قراءة للتقرير الرسمي، يرى التقرير الموازي أن التقرير الرسمي قد شارك في إعداده عدد كبير من الأشخاص إلا أنه يغيب عنه أسماء ليس لها خبرة أو معرفة أو تجربة في مجال حقوق الإنسان أو حقوق النساء، إضافة إلى أن المنظمات التي تم تشريكها هي منظمات متناغمة مع الحكومة وليست مهتمة بالحقوق الإنسانية.
وفي باب الملاحظات أيضا تم التركيز صلب التقرير الرسمي على أهداف التنمية المستدامة مع إهمال الإعلان ومنهاج عمل بيجين و عدم الإشارة إلى إجراءات ملموسة للحد من العنف والتمييز ضد النساء.
أما بخصوص مطالب الحركة النسوية، فقد تضمن التقرير الموازي التمسك بالدولة المدنية واحترام حقوق الإنسان وتفعيل تقرير دائرة المحاسبات و تكريس الحقوق والحريات العامة وضمان نفاذ النساء إلى مواقع القرار وتوفير الضمانات لاستقلالية القضاء واعتماد التناصف في أي حكومة قادمة.
من بين المطالب أيضا، ضرورة مراجعة القوانين التمييزية و تفعيل القانون عدد 58 لسنة 2017 و العمل على نشر ثقافة المساواة و دعوة المجالس البلدية والسلط الجهوية للتعاون مع منظمات المجتمع المدني في التعهد بالنساء ضحايا العنف و وإحداث صندوق لجبر الضرر للنساء ضحايا العنف المادي والمعنوي، و الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الخاصة للأمهات العازبات² والأرامل والمطلقات والعائلات ذات المعيل الواحد و وتوفير الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات، وتمكين النساء من التمتع بالحق في العمل في ظروف لائقة ومتساوية و إصدار نص قانوني مكمل لقانون الشغل يلغي كل مناظرة أو طلب عروض انتداب لا يحترم تساوي الفرص و تطبيق التزامات الدولة في مجال الصحة ووضع برنامج صحي للتكفل بالنساء ضحايا العنف في كل الأقسام الاستعجالية.
