مقالات

في زمن الجائحة: ابتكارات واختراعات تونسية لمجابهة الوباء

الروبوت أطلس المخصص للتعقيم لمخترعه ياسر بوعود
علاء حمّودي

الخوف من تفشي فيروس كورونا والالتزام بقانون التباعد الاجتماعي حفزت العديد من الباحثين التّونسيين، والشّبان منهم على وجه الخصوص، لإخراج ابتكاراتٍ واختراعات ومعدات ذكية للنور، أسهمت في السّيطرة على الفيروس وتطويق الأزمة بل وحركت الجهات الحكومية على تبني عدد من هذه الاختراعات واعتمادها لتطويق الوباء.

في الوقت الذي سيطر فيه هاجس الخوف من انتشار وباء كورونا وانتشار أخبار ارتفاع الإصابات والعدوى والوفيات جرائه في مختلف دول العالم، كان لشبان تونسيين رأي مغاير ودخلوا معركة السيطرة على الفيروس بكل جدية لتعويض النقص الكبير في المعدات الطبية منها والتقنية وحتى البشرية لإعانة الإطارين الطبي وشبه الطبي زمن الجائحة..

الكل وفي فترة الحجر الصّحي العام بالبلاد انطوى إلى نفسه واختار توفير مؤونة أيام تُغلق بعدها الأبواب أمام كل غريب حفاظًا على السلامة، إلا أن البعض كسر القاعدة واختار إطلاق العنان للعقل والاختراع لمساعدة البلد في هذه المحنة الصّحية، فكانت أخبار الابتكارات والاختراعات نقطة ضوءٍ ساطعة أنارت طريق التّونسيين للخروج من نفق الأزمة، لعل أشهرها الروبوت “PGuard” الذي اعتمدته وزارة الدّاخلية وكان حديث الساعة في نشرات الأخبار وعلى مواقع التّواصل الاجتماعي لمّا ساعد في حث التّونسيين بالشوارع على التزام التّباعد الاجتماعي واحترام قواعد الحجر الصّحي العام الذي أقر بتاريخ 22 مارس للحد من تفشي الوباء.

أنيس السحباني يقدم الروبوت الذي استعمله وزارة الداخلية

الروبوت “PGuard” أشهرها

يقول أنيس السحباني مخترع الروبوت “PGuard” الذي عمل أستاذًا بجامعة السوربون الفرنسية قبل أن يبعث سنة 2014 شركة “Enova Robotics” التي قدمت الرجل الآلي الذي كان موجهًا للتصدير هبة لوزارة الداخلية، يقول إنّ شركته هي الأولى في إفريقيا والشرق الأوسط التي تصنع الروبوتات وتصدّرها، وكان تحصّل على الجائزة الأولى في فئة المخترع المؤسساتي لصنع أول سيارة آلية لحراسة المنشآت الصناعية الكبرى مجهزة بكاميرا حرارية وأربع كاميرات بالأشعة تحت الحمراء وملتقط صوت(ميكروفون) وبنظام تحديد المواقع “GPS”، إضافة إلى كومبيوتر داخلي للتواصل عن بعد، حيث أشار إلى أنه واجه صعوبات عديدة قبل أن يبدأ العمل بشكل رسمي رفقة عدد من زملائه المهندسين بعد أن وجد الدعم من المدير الجهوي لوكالة النّهوض بالصّناعة والتّجديد بسوسة، وقال إنه لولا استعمال وزارة الداخلية للروبوت لما انتبه إلا القليلون إلى عمله ورفاقه وشركته الموجهة للتصدير. وكانت نفس الشركة قدمت روبوتًا آخر لمستشفى عبد الرحمان مامي بولاية أريانة خصص لتمكين المرضى من التّواصل مع أقاربهم خلال فترة انتشار الفيروس.

أنيس السّحباني لم يكن الوحيد الذي قدمته الجائحة كمخترع ومبتكر، حيث تمكن طلبة المدرسة الوطنية للمهندسين بسوسة بالتّعاون مع أساتذتهم ومع كلية الطبّ بالمنستير من انتاج جهاز تنفس اصطناعي عالي الجودة وبمواصفات محلية، حيث يمكن من ضخّ الهواء والأوكسيجين بكميات معتبرة في وقت قياسي ووجه لمرضى القصور الرئوي.

طلبة ومهندسون في الموعد

من جهتهم قدم عدد من المهندسين الشّبان بولاية جندوبة رفقة طلبة المعهد العالي للدراسات التكنولوجية، روبوتات مسيرة جُهزت بكاميرا وخصصت للتنقل داخل أقسام إيواء المصابين بالفيروس، حيث كان دور هذه الروبوتات تعقيم الغرف ونقل الأدوية والأغذية للمرضى ما ساهم في تجنيب الأطارات الطبية وشبه الطبية خطر انتقال العدوى إليهم.

ابتكار آخر كان مسرحه مدينة نابل للمهندس الشاب ياسر بوعود وفر للفضاءات العامة بالمدينة روبوتًا مسيرًا مهمته التعقيم بشكل أساسي بعد أن تم تعديله للغرض ووهب للجهة في الفترة بين شهري مارس وأفريل الماضيين وحمل اسم “أطلس”.

شاب آخر دخل السباق وهو محمد أمين قرفالة خريج المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالقيروان الذي تمكن من اختراع آلتين اثنتين، الأولى تتمثل في جهاز للتنفس الاصطناعي، والثانية لتنقية الهواء والقضاء على الفيروسات تم توفيرها لاحقًا للفضاءات الطبية ومراكز الحجر الصّحي للمصابين، وقال الشاب في تصريح إذاعي إن كلفة الجهازين لم تتجاوز 1700 دينار.

كما ابتكر ثلاثة مهندسين شبان خريجي المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالمهدية جهاز تعقيم للأفراد متطور يعتمد تقنية قيس الحرارة عن بعد، وتمكن عدد من طلبة المدرسة الوطنية للهندسة بسوسة من صناعة أقنعة واقية للحد من انتشار الفيروس.. ولم يقتصر الأمر على المخترعين المدنيين حيث كان للجيش الوطني اختراع لعدد من مهندسيه تمثل في سرير عازل ومنقول تم اعتماده في عدد من عمليات تدخل الجيش التونسي بالمناطق المعزولة في فترة الجائحة.

نجاحات يقابلها التهميش وقلة الثّقة

نجاحات تونسية كانت لتمر في صمت لولا الوباء الذي أرعب الكثيرين ولحسن الحظ وبمساعدة هذه الاختراعات تمكنت تونس رغم محدودية امكانياتها التقنية والصناعية والظرف الاقتصادي غير المتزن، من الخروج من أزمة كورونا بأقل الأضرار، في المقابل فإن الجهات الرسمية بالبلاد كوزارة التعليم العالي والتكنولوجيا والوكالة الوطنية للنّهوض بالصّناعة والتّجديد والبنوك لا تراهن حتى اليوم على التطور العلمي

محمد أمين قرفالة مخترج جهاز للتنفس الاصطناعي

والتوجه للصناعات الجديدة إضافة للدور السلبي للإدارات التونسية التي لا يكون دورها إلا العرقلة والتهميش لقدرات الشبان التونسيين الساعين لإنشاء مشاريعهم الخاصة القادرة على منافسة السّلع الأجنبية في مختلف الميادين ليتواصل التعويل على استيراد المعدات مقابل تواصل ارتفاع هجرة الأدمغة التي لا تجد حظها في بلدٍ وجد أبنائه وقت الحاج إليهم.

Skip to content