حوارات

“نظام البناء القاعدي خطير على وحدة الدولة.. والمنحى الاستبدادي لقيس سعيّد كان واضحا قبل 25 جويلية”

الصّحبي الخلفاوي، أحد مؤلّفي كتاب "الرئيس يريد: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره" لـ"الجريدة المدنية"

حاوره مجدي الورفلي
صحفي

 حاول مؤلّفو كتاب “الرئيس يريد: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره” أو الورقة البحثية كما أسموها، وهم كل من مهدي العشّ ومحمد الصحبي الخلفاوي وسامي بن غازي، تفكيك فكرة مشروع البناء القاعدي من كل زواياها وجوانبها وآلياتها ومتطلّباتها ومخاطرها. وفي حوار مع “الجريدة المدنية” تحدّث الجامعي والباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي عن المغالطات التي تشوب مشروع الرئيس الذي انطلق وفق عديد المؤشرات في تنزيله على أرض الواقع باعتماد “الجرعة”.

كما عدّد الخلفاوي، في حواره الخاصّ مع “الجريدة المدنية”، مخاطر مشروع البناء القاعدي بداية مما يرافقه من مركزة رهيبة للسلطات في يد شخص واحد، وهو الرئيس، واللجوء إلى الاقتراع على الأفراد في دوائر ضيّقة خلال الانتخابات التشريعية المقبلة، مما سيجعل المال السياسي والعروشية والمصالح الآنية محددا رئيسيّا في العملية الانتخابية، مرورا بآلية سحب الوكالة التي تجعل النائب رهينة لدى السلطة التنفيذية، وصولا إلى تحجيم وتضييق الفعل السياسي للناخب والمواطن وحصره في المحليّات دون الشأن العام والملفات الوطنية التي يرفض الرئيس سعيد الخوض فيها وطرحها في نقاش عام كما كل النظم الاستبدادية، وفق قوله.

الى حد الساعة ما هي تمظهرات مشروع البناء القاعدي في الواقع أو الدلائل على ان الرئيس قيس سعيد ذاهب في تنفيذ مشروعه السياسي؟

التمظهرات عديدة، وليس بالضرورة أن يتنزّل مشروع البناء القاعدي على أرض الواقع دفعة واحدة أو في خطوة واحدة، خاصة أن هناك خطوط مقاومة لتنزيل رئيس الجمهورية لمشروع البناء القاعدي حتى من طرف قوى الدولة الصلبة المتحالفة مع قيس سعيد، لأن المشروع في جوهره تفكيك للدولة.

ولكن هناك تنزيل للمشروع بجرعات على قاعدة “ما لا يُؤخذ كلّه لا يُترك جلّه”، وما لا يُمكن تحقيقه كليّا يُمكن تحقيقه جزئيّا، والدليل على ذلك الدستور الجديد الذي تم تمريره بعد استفتاء 25 جويلية 2022 والذي ينصّ ليس على نظام رئاسوي بل نظام إمبراطوري بمنحه سلطات إمبراطورية للرئيس ومن ثم تنقيح القانون الانتخابي لتغيير نظام الاقتراع من الاقتراع على القائمات إلى اقتراع على الأفراد في دوائر ضيّقة.

وكذلك ما نصّ عليه الدستور من غرفة ثانية بالتوازي مع البرلمان، والذي يقوم على تمثيل الجهات فضلا على الجانب أو البنية الاقتصادية لمشروع البناء القاعدي المتمثلة في الشركات الأهلية التي تم إصدار قانون لتنظيمها، والتي يريد الرئيس من خلالها إعادة بناء هيكلة الاقتصاد التونسي على قاعدة العشائرية.

ذكرتم في كتابكم “الرئيس يريد: تناقضات نظام البناء القاعدي ومخاطره” أن الاقتراع على الأفراد يعود إلى ما قبل المنظومة الحزبية والديمقراطية التمثيلية بشكلها الحالي، هل يعني ذلك أن طرح الاقتراع على الأفراد عودة إلى الوراء؟

في الديمقراطيات الكبرى الثلاث، وهي أنقلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، يقوم نظام الاقتراع فيها على الأفراد ولكن هي نتيجة لتطور تاريخي طويل، ولكن هناك معطى مهم هي أن الانتخابات على الأفراد ممثلين لأحزاب في الدوائر الانتخابية وليس أفرادا معزولين عن أي انتماء حزبي، فكلما خاضت تلك البلدان انتخابات تشريعية يتمّ اختيار توجه عام للبلاد من خلال اختيار فرد يمثّل ذلك الحزب في الدائرة الانتخابية التي يصوّت فيها المواطن، وبالتالي هي انتخابات على الأفراد ولكن في جوهرها على الأحزاب.

وهناك إشكالية أخرى نظرية قبل الوصول إلى الاقتراع على الأفراد، وهو بالفعل عودة إلى الوراء لأن العوامل التي يختار على أساسها الناخبون ممثليهم في البلدان التي تعتمد هذا النظام هي عوامل سياسية وفي ظل غياب منظومة حزبية وفي ظل قانون انتخابي يضرب الأحزاب كما هو الحال بالنسبة للانتخابات التشريعية التي ستُجرى في تونس يوم 17 ديسمبر المقبل يُصبح دافع التصويت ومحدّده عوامل أخرى.

في تقديركم هل تستقيم مقولة الرئيس قيس سعيد أو قناعته بان دور الأحزاب قد انتهى؟

قطعا لا، فالديمقراطية هي نظام حزبي في النهاية وان نفكرّ في شكل الأحزاب وطريقة بناءها ونجاعة فعلها السياسي ودورها… هذه مسائل أخرى ومشروعة ولكن التنوع في المجتمع وتمثّله في عدة تكتلات أو مجموعات تعبّر على توجّهات مختلفة أو تناقضات اجتماعية واقتصادية وثقافية وطبقية ومناطقية (إحالة على المنطقة)، تعبر عنها في الساحة السياسية مجموعة من الأحزاب تحمل تلك التناقضات من الساحة المجتمعية إلى الساحة السياسية ليتمّ حلّها بطرق سلمية وفي أطر قانونية.

هذه هي الديمقراطية وهذا دور الأحزاب السياسية وهذا الدور لا يزال قائما إلى اليوم وكل التجارب التي يتمّ الاستشهاد بها هي حجج خاطئة فكل الأحزاب في العالم بصدد التجدّد وانهيار الأحزاب القديمة أو التقليدية حقيقة ولكن ليس لفسح مجال الفعل السياسي لتنظيمات أخرى أو أفراد وإنما لفعل سياسي جديد في إطار تنظيمات جديدة تُسمى كذلك أحزابا سياسيّة.

في ظل ما شاب مسار الترشّحات للانتخابات التشريعية من شراء وبيع للتزكيات، هل فعلا يرتبط الاقتراع على الأفراد بالفساد والزبونية السياسية ويقضي على حظوظ السياسيين النّزهاء خاصة إن كانت الانتخابات تُجرى في دوائر ضيّقة؟

نحن في بلد تلعب فيه القدرات والموارد المالية دورا كبيرا جدا خاصة إذا كانت الدوائر الانتخابية ضيّقة، وكلّما وسّعنا الدوائر الانتخابية تراجع تأثير المال السياسي، وكما رأينا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لو كانت الانتخابات تُجرى في دوائر ضيّقة لما فاز قيس سعيّد بالرئاسة على حساب منافسه نبيل القروي ولكن باعتبار أن الدائرة الانتخابية كانت على مستوى وطني كان الفوز لسعيّد.

الانتماء القبلي والعروشية لا يزال محددا كبيرا ويلعب دورا كبيرا في عديد المناطق وليس فقط في المناطق الداخلية الموسومة بالقبليّة بل في كل البلاد باستثناء دائرة أو دائرتين، وإذا كان الفعل السياسي يعود الى الانتماء القبلي وقوة المال والوجاهة المحلية تُضرب فكرة الديمقراطية وفكرة الالتقاء المجتمعي.

ما هي مخاطر البناء القاعدي وهل هناك مخاطر فعلية على الدولة والعقد الاجتماعي المبنية عليه، في حال تنزيله على أرض الواقع؟

قطعا هناك خطر كبير متأتي من مشروع البناء القاعدي، فالدولة تقوم على وحدة المجتمع ووحدة الدولة في مواجهة المجتمع ووحدة المجتمع في مواجهة الدولة والتفاعل بينهما أو التّضاد بينهما مهما كان التصوّر السياسي أو الإيديولوجي لهذه الفكرة، ولكن وحدة المجتمع هو وحدة الدولة، بطبيعة الحال مع احترام التناقضات داخل المجتمع ومحاولة تمتين وحدته.

في المقابل مشروع البناء القاعدي يقوم على تمتين السلطة السياسية مركزيا في يد شخص واحد دون أي رقابة عليه وتفتيت بقية السّلط ما عدا سلطة الرئيس، وأهم سلطة مضادّة لسلطة الرئيس (أي السلطة التنفيذية) هي السلطة التشريعية ثم الذهاب في محاولة تفتيتها إلى الأقصى وتضييق مجال التفكير والبناء والفعل السياسي والجماعي ليتم وضع حدوده في المستوى المحلّي.

ونحن نعلم في تونس أن المحليّ (التقسيم الترابي الأضيق كالمعتمديات أو العمادات) يقوم أساسا على الانتماء العشائري وقرابة الدم، وهو يعني إرجاع المواطن التونسي إلى مرحلة ما قبل الدولة أو حتى ما قبل السياسة، وفي مقابل ذلك سلطة مركزية مطلقة في يد شخص واحد لا يستطيع أي كان منازعته في جزء صغير من السلطة حتى أو مراقبته أو محاسبته.

في الخلاصة قد تبدو فكرة البناء القاعدي محاولة لتوسيع الفاعلين والمشاركين في المسار السياسي من خلال تركيز للامركزية السياسة لتشمل كل الجهات، لكن المشروع في جوهره مشروع استبدادي خاصة بتفكيك أي سلطة مضادة لسلطة رئيس الجمهورية وعلى رأسها السلطة التشريعية وإرجاع المواطنين إلى انتماءاتهم التي كانوا عليها قبل الدولة وما قبل السياسية.

ومن جهة أخرى، فكرة الشركات الأهلية لا تقوم كما يُروّج لها على تضامن مواطني ومشاريع مواطنيّة وطنية إنما على فكرة مشاريع محلية جهوية فقط وليس من حقّ أي مواطن تونسي أن يخوض في الشأن العام إنما فقط له التحرّك حتى سياسيّا داخل محليّته ودون الانتماء إلى محليته لا يستطيع الخوض في أي شأن آخر يتجاوز حدودها ما عدا في مناسبة واحدة وهي انتخاب رئيس الدولة إن تم إجراء انتخابات رئاسية بطبيعة الحال.

يعتمد مشروع سعيد على القرعة كآلية تعوض الانتخاب لاختيار الممثلين في الجهات وعلى مستوى وطني وقد انتقدتم ذلك في كتابكم.. في تقديركم أو وفق ما خلصتم له بعد بحثكم أليس ذلك تحجيما متعمدا لآلية الانتخاب في إطار المعاداة للديمقراطية التمثيلية التي تستمدّ مشروعيّتها من الانتخابات والصندوق والقائمة على منظومة حزبية؟

بالفعل، خاصة أننا نعتقد أن القرعة يُمكن ان تمرّ بسهولة، ولكن القرعة كآلية في حدّ ذاتها ليست معادية للديمقراطية، ويتم اللجوء في الديمقراطيات الحديثة إلى القرعة لا كآلية وحيدة للاختيار إنما كآلية لتعديل الاختيارات وإدخال “جرعة مواطنيّة بسيطة” على المجالس المنتخبة، هذا على مستوى أول.

وعلى مستوى ثاني القرعة في مشروع البناء القاعدي خاطئ وخطير جدا، فالمفروض أو الأسلم أن تكون القرعة آلية لإدخال المواطنين في المجالس المنتخبة وليس قرعة بين المنتخبين بل قرعة بين المواطنين خارج المجالس المنتخبة، فالمتّفق عليه أن القرعة آلية تعديلية جزئية وليست كلية للتمثيليات غير المتوازنة والتي تحصل في كل الديمقراطيات في العالم.

هي آلية عندما نذهب للاختيار بين مواطنين بالصدفة لتمثليهم كنواب في مجالس نيابية أو مجالس تفكير لصياغة عقد اجتماعي جديد، ولكن ما يحصل في مشروع البناء القاعدي اعتماد القرعة بعد انتخابات، أي قرعة بين منتخبين، وهو ضرب لفكرة القرعة التي يحملها البعض ممن يحملون فكرة تجديد الديمقراطية التمثيلية وكذلك ضرب لفكرة القرعة التي تحافظ على الحدّ الأدنى من التمثيليات، مما يجعل التفكير في القرعة في إطار البناء القاعدي فكرة خاطئة.

ومن جانب آخر، أعتقد أن هناك تفكير داخل البناء القاعدي في الانتخاب، ولكن انتخاب من؟ ومن قبل من؟

ومثلما قلت في سؤال سابق انتخاب ممثلين في الجهات والمحليات وليس ممثلين على مستوى وطني، وبالتالي الفكرة ليست تحجيما للديمقراطية التمثيلية، خاصة أن مشروع البناء القاعدي هو تفكير من داخل الديمقراطية التمثلية حتى إن كان عن غير وعي وداخل فكرة التمثيل، ولكن الديمقراطية التمثيلية بمعناها التحرّري والديمقراطية التمثيلية بمعناها “القيسي” (في إشارة إلى قيس سعيد) وبمعناها القاعدي هو تحويل مستوى التمثيل من الوطني إلى المحلّي كفرق أساسي.

وبالتالي مشروع البناء القاعدي هو ضرب للديمقراطية التمثلية التحررية في مسألة أن كل هياكل الدولة المكلفة بالرقابة على قرارات المنتخبين تصبح غير ذات معنى، بصيغة أخرى ضرب القضاء ليصبح القضاء وظيفة لدى الدولة وضرب المجلس النيابي التمثيلي ليصبح مجرد غرفة تسجيل وضرب كل المنظومات الرقابية الأخرى وتحويلها إلى سلطة مركزية سلطانية بيد شخص واحد.

فالبناء القاعدي خاضع لمبدأ التمثيل لكنه يضرب في العمق الجانب التحرري الذي بُني في الديمقراطية منذ القرن 18 والقرن 19 في إدخال أجهزة رقابية معينة لمنع استبداد الفرد أو الأغلبية، وهذا هو الضرب الأساسي الذي يحمله مشروع البناء القاعدي للديمقراطية التمثيلية التحررية.

في كتابكم دائما، ذكرتم أن النظام القاعدي يتطلّب نظاما رئاسويّا قائما على الاختلال في التوازن بين السلط، هل هو الاتجاه الذي تتخذه تونس حاليا، بمعنى آخر هل ان النظام القائم في تونس خاصة بعد الاستفتاء وتبني الدستور الجديد، هو نظام رئاسوي يفتح بابا أمام ديكتاتورية جديدة ؟

دستور 25 جويلية 2022 لا يكرّس نظاما رئاسويّا بل يحمل نظاما إمبراطوريّا، فالأنظمة الرئاسوية في تعريفها هي نظم يختلّ فيها التوازن بين السلطات، الذي يمثل شرطا أساسيا للنظام الرئاسي، لصالح رئيس الدولة، فنحن بصدد منظومة أو نظام يكون وجود المجلس التشريعي من عدمه سيان ولا فرق في الحالتين، وليس هناك فائدة في وجود المجلس التشريعي في الدستور الجديد.

فنحن في نظام لا توجد فيه أي ضرورة لوجود سلطة قضائية، ولا ضرورة فيه لوجود باب يتحدّث عن الحقوق والحريات، فكل ذلك أو غيره يُمكن إلغاؤه بمجرد كلمة من رئيس الدولة وفق الدستور الجديد الذي يمنحه سلطة مطلقة في غياب أي رقابة ممكنة أو سلطة مضادة، مع ذرّ رماد على العيون بإمكانية إسقاط الحكومة التي يعيّنها رئيس الدولة الذي يُمكن المسّ به.

وفق دستور 2022 رئيس الدولة هو من يرسم السياسات وهو من ينفّذها، ولكن يُمكن ان نُحاسب الحكومة، وحتى محاسبة الحكومة يكون بشروط تعجيزية يجعل تعديل الدستور أيسر من محاسبة الحكومة التي يعيّنها رئيس الدولة لتنفيذ سياساته، فإسقاط الحكومة وفق دستور 2022 مثلا يتطلّب موافقة أغلبية الثلثين في كل من المجلسين.

في الخلاصة نحن أمام سلطة رئاسوية، رغم أني مقتنع أنها سلطة إمبراطورية، مطلقة ولا تقبل بأي شكل من أشكال الرقابة أو المحاسبة لا سياسيّا ولا جزائيّا لما يُمكن أن يحصل من تجاوزات من قبل السلطة أو الرئيس، وهو ما يجعل النظام الذي يكرّسه دستور 2022 نظاما استبداديّا ودكتاتوريا بمعنى المؤسسة القانونية القائمة على تجميع كل السلطات في يد شخص واحد لكن تسقيف زمني.

فنحن أمام سلطة رئيس دولة غير مُسقّفة زمنيّا، وبصدد فتح الباب أمام مشروع استبدادي جديد لا يُعطي أي ضمانة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة نستطيع من خلالها تغيير الشخص الحاكم، ونحن بصدد نظام يُمكن ان يُسيطر على كل مفاصل الدولة وكذلك كل مفاصل المجتمع، ونحن أمام نظام يضع بالقانون كل السلطات في يد شخص واحد و”السلطة المطلقة مفسدة مُطلقة”.

سحب الوكالة، أحد أهم ركائز مشروع الرئيس، ألا ترون انه يُبقي النائب رهينة لمن يُمكن له جمع العدد المطلوب من الإمضاءات لسحب الوكالة منه ؟

سحب الوكالة من النواب دون إتاحة سحبها من الرئيس، يعني أن كل نائب ينتقد رئيس الدولة أو يزعجه يُمكن أن يسحب منه صفته النيابة أو الوكالة كما يُسميها في دستوره، كما أن سحب الوكالة يجعل النائب دائما تحت الضغط المجاني الذي يجعله في حملة انتخابية دائمة بالإضافة إلى حالة الاستقرار التي سيكون عليها المجلس النيابي.

وبالتالي النائب لن يكون رهينة للناخبين أو من يُمكن له جمع العدد المطلوب من الإمضاءات لسحب الوكالة منه، بل سيكون رهينة للسلطة التنفيذية التي تملك حصريّا الإمكانيات والقدرة لتفعيل آلية سحب الوكالة.

ومن جانب آخر أريد أن أشير إلى أن سحب الوكالة يكون وفق عملية حسابية ونسبة معينة تقوم على عدد الناخبين وغيرها، ولكن كيف سيكون الأمر مع النواب الذين تحصوا على مقاعد دون انتخابات خاصة بعد إعلان هيئة الانتخابات عن وجود دوائر ترشّح عنها مترشّح فقط مما يعني فوزه آليّا، كيف سيتمّ سحب الثقة منهم في ظل عدم إجراء انتخابات أصلا في دوائرهم وعلى أي أرضية سيتم سحب الوكالة منهم خاصة أنه لم يقدّم وعودا لناخبيه.

بالتالي المغزى الأساسي من آلية سحب الوكالة هو تحويل الرقابة والاهتمام من الذين يملكون السلطة الفعلية، أي رئيس الدولة والحكومة بدرجة اقلّ، إلى من لا يملكون أي سلطة وجعلهم في الواجهة.

أحد أهم تحفظاتكم على مسار 25 جويلية هو غياب النقاش العام أو التداول العام كما أسميتموه في الكتاب، مما يدحض في رأيكم مزاعم ومقولات الرئيس قيس سعيد بـ”إعادة السلطة إلى صاحب السلطة”، أي الشعب،… ما السبب في ذلك في تقديركم أو بمعنى آخر لما يرفض سعيد طرح الملفات المهمة للنقاش العام؟

غياب النقاش العام ورفض الرئيس قيس سعيد طرح الملفات المهمة للنقاش العام، مرده أن سعيد لا يحمل أي تصوّر جديد ولم نرى ذلك في أي فعل من الأفعال التي قام بها، فالرئيس يتصّرف كزعيم للمعارضة بانتقاد الدولة ومطالبتها بأفعال فيما هو رأس الدولة بفعل سلطة دستور 2022، فالرئيس يطالب الدولة بمقاومة الفساد ويطالب الدولة أن تجد الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتمويلات اللازمة.

وأعتقد أنه لا قيس سعيد ولا أنصاره وأنصاره فكرة البناء قاعدي قادرون على الصمود للإقناع في أي نقاش حول أي مسألة دستورية وقانونية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية لعدم وجود أي حجج مقنعة لاتجاهات السلطة وفعلها منذ 25 جويلية 2021.

والسبب الثاني في تقديري وهو الأهم، هو المنحى الاستبدادي لقيس سعيد الذي بطبيعته يرفض النقاش، هناك منحى استبدادي واضح لم يظهر بعد 25 جويلية 2021 بل ظهر منذ سنة 2011 مع أول تدخلات لقيس سعيد في الشأن العام، منذ تخلص قيس سعيد من صداقاته مع رموز ومناصري نظام بن علي، ومن يومها تحوّل قيس سعيد إلى مشروع مستبدّ.

وبطبيعة الحال عرف هذا مشروع المستبدّ عديد المراحل والتطوّرات على امتداد 8 سنوات وظهر ذلك بعد توليه رئاسة الدولة بخرقه الدستور في عديد المرات، ضاربا وحدة الدولة بعرض الحائط، متصرّفا كزعيم لمعارضة غير ديمقراطية من قصر قرطاج… كل ذلك وغيره كان يوحي بشدّة للمنحى الاستبدادي لقيس سعيد.

والفعل الأساسي كان 25 جويلية، والفعل الاستبدادي هو فعل تمتين السلطة بيد شخص واحد وفي يد مجموعة واحدة وفي يد رؤية واحدة هو بالضرورة حكم يجب ألاّ يكون قابلا للنقاش العام بكل بساطة.

Skip to content