حوارات

يجب أن يصاحب المسار السياسي مسار إقتصادي وإجتماعي بديل في البناء الجديد بعد 25 جويلية

الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية رمضان بن عمر لـ"الجريدة المدنية":

حاوره مجدي الورفلي
صحفي

يجب أن يصاحب المسار السياسي مسار إقتصادي وإجتماعي بديل مما يُمكن أن يمثّل بوّابة لبناء تونس ما بعد 25 جويلية والولوج إلى حل الإشكاليات المتراكمة، وفق رؤية الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية رمضان بن عمر الذي أكد في حوار مع “الجريدة المدنية” أن تونس مفتوحة على كل سيناريوهات الإحتجاج خلال الأسابيع المقبلة خاصة في ظل سوء إدارة السلطة القائمة للأزمات التي إندلعت بعد 25 جويلية كما كان الحال في عقارب مما يمكن أن يطور الحركات الإحتجاجية إلى إنتفاضة مع بداية السنة المقبلة أمر وارد في تقدير بن عمر.

 كيف تقيّمون الوضع بعد 25 جويلية؟

كنا إعتبرنا، في المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية،  أن ما وقع يوم 25 جويلية يتحمّل مسؤوليته السياسية المتحكمون في المشهد السياسي قبل ذلك التاريخ، وخاصة خلال فترة تولي هشام المشيشي رئاسة الحكومة، حيث كان الوضع الإقتصادي صعبا جدّا وإدارة الجائحة الصحية كانت كارثية وتم تكريس سياسة الإفلات من العقاب والفساد والإنهماك في الصراعات السياسية في وقت كان الشعب التونسي يموت أمام المستشفيات، حيث كانت إهتمامات الطبقة السياسية المسيطرة قبل 25 جويلية بعيدة عن إهتمامات وأولويّات الشعب التونسي.

وتم قمع  الحركات الإجتماعية بطريقة غير مسبوقة ومورس عنف لم نره سابقا، بالإضافة إلى حملة الإعتقالات الكبيرة والواسعة التي صاحبتها إنتهاكات يعلمها الجميع، إذا وفي أثناء الأزمة كانت الطبقة السياسيّة منشغلة بصراعات أخرىوالمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية بغض النظر عن إعتباره أن تأويل الفصل 80 كان بطريقة متعسّفة إلا أنه في المجمل كان إيجابيّا وإعتبر انه يجب القطع مع السياسات السابقة والإنطلاق في مشروع إنقاذ البلاد يجمع بين المسار السياسي والمسار الإقتصادي.

ولكن اليوم للأسف لم يفي رئيس الجمهورية بوعوده التي أطلقها يوم 26 جويلية، أثناء لقائه بمنظمات المجتمع المدني، ولم يُطلق أي مسار تشاركيّ وإزداد الغموض وتعقّد الأمر أكثر بصدور المرسوم 117، وحتى تشكيل الحكومة لم يساهم في توضيح الرؤية والمسار خاصة أننا اليوم أمام سياسيّين لا يتكلّمون ولا يخاطبون الشعب بطريقة مباشرة وربّما يخاطبون خصومهم السياسيين فقط بالتوازي مع وجود مؤشرات خطيرة في التعامل مع التحركات الإجتماعية، كما حصل في عقارب من ولاية صفاقس، وكذلك القانون 38 وغيرها من الملفات الإجتماعية التي لا تجد أذانا صاغية مما يُمكن أن يعقّد الوضع الإجتماعي خلال الفترة القادمة.

 الجميع اليوم  في حالة إنتظار ليوم 17 ديسمبر، ولكن نحن للأسف غير متفائلين لأننا نتوقع أن يكون خطاب رئيس الجمهورية مقتصرا على المسار السياسي فيما نحن نرى أنه على أهمية المسار السياسي يجب إيلاء المسار الإقتصادي والإجتماعي الأهمية المطلوبة، فاليوم لا يُمكن المواصلة في نفس السياسات والخيارات الإقتصادية والإجتماعية حيث يجب على الرئيس الإتجاه لإقرار إجراءات وإصلاحات عاجلة تشمل الوضع الجبائي وإستخلاص الديون الجبائية والديون الديوانية والإمتيازات الضريبية ومراجعة إستقلالية البنك المركزي خلال هذه الفترة وطلب عاجل لتعليق تسديد الديون، وفي غياب ذلك فإننا سنشهد وضعا إجتماعيّا مشابها لما شهدته البلاد في جانفي وفيفري 2011.

كيف أصبح وضعية الفئات الهشة كالمهاجرين وطالبي اللجوء بعد 25 جويلية؟

المتضرّر الأكبر من الوضع الحالي في تونس بعد 25 جويلية هي الفئات الهشة وخاصة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، ففي تونس لا توجد منظومة قانونية وتشريعية كافية لحماية حقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، كما أن القوانين السارية إقصائية في علاقة بالإقامة والولوج إلى سوق الشغل وغيرها من الحقوق الملزمة تونس بحمايتها بموجب إتفاقية حماية اللاجئين  لسنة 1951 وبروتوكول سنة 1967.

وللأسف تونس لا تزال تتحفّظ على عديد الإتفاقيات وعلى رأسها الإتفاقية عدد 104 لمنظمة العمل الدولية الخاصة بحماية  المهاجرين وأفراد عائلاتهم. إذا هذه المنظومة القانونية رافقتها ممارسات سياسية عمّقت حالة الهشاشة التي تصبغ وضعيّة المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء بإعتبار تأثيرات الوضع الداخلي من أزمة سياسية وإقتصادية. ورغم المجهودات لتمكينهم من الولوج إلى الخدمات الصحية والتلقيح إلا أنه إلى حدّ الآن نعتبر أن المجهودات غير كافية خاصة أن تونس تتجه لتعزيز تلقيح مواطنيها بالجرعة الثالثة بعد تضامن عالمي معها لكنها للأسف لم تتضامن مع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ولم تتوجّه لهم لتلقيحهم بالإضافة إلى الإنتهاكات الإقتصادية والإجتماعية التي يتعرّضون إليها.

هناك أيضا عامل أو بعد خارجي، فتونس للأسف طرحت على نفسها مهاما ليست من مهامها بتحوّلها إلى حارس للحدود الأوروبية وأصبحت تعترض قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسّط وجلبهم إلى تونس مما حوّل البلاد إلى منصة لفرز المهاجرين وإيوائهم مما عمق الأزمة الإنسانية في صفاقس ومدنين ورأينا إشكاليات بين المواطنين والمهاجرين تعاملت معها السلطات للأسف بطريقة تمييزّية وفيها وصم كبير من خلال إخلاء أحياء بأكملها من المهاجرين وطرد بعضهم من المبيتات والحملات على مواقع التواصل الإجتماعي لوصم المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين وإعتبار وجودهم مصدرا للعنف والجريمة وسط صمت رسمي مثير للإستغراب خاصة أن قيس سعيد يتحدّث مرارا عن التوجه لإفريقيا لكن تونس تمارس كل الإنتهاكات ضدّ مواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء او تُغمض عينيها أو تكرّس سياسة الإفلات من العقاب لكل من ينتهك حقوقهم في تونس.

هل تتوقّعون أن تشهد تونس الإحتجاجات التي تشهدها عادة خلال هذه الفترة من كل سنة (نهاية ديسمبر وجانفي وفيفري) ؟

رغم تراجع منسوب التحركات الإجتماعية منذ 25 جويلية إلا أن وتيرتها بدأت تعود إلى الإرتفاع خاصة بعد العودة الجامعية والمدرسية، حيث لاحظت عديد الفئات والشرائح أن وضعها لم يتغيّر كالمؤسسات التربوية وما رافق العودة المدرسية من إحتجاجات وأيضا وضعية وسائل النقل والصحة العمومية والبنية الأساسية، وكانت عديد الفئات تنتظر تشكيل الحكومة لحلّ الملفات الإجتماعية والإقتصادية العالقة لكن فوجئ الجميع بحكومة تعتمد الصمت والتهرّب من التعبير عن مواقفها بخصوص الملفات المطروحة، وهنا لا يقتصر الأمر على الحركات الإجتماعية بل شمل النقابات المهنيّة كذلك.

وما حصل بعد 25 جويلية هو سوء إدارة للأزمات الإجتماعية التي إندلعت. كما كان الحال بالنسبة لأزمة النفايات في صفاقس والتعامل معها، واليوم يوجد رابط مشترك بين الإحتجاجات في عديد الجهات والتي تشمل عديد الفئات كعمال الحضائر أكثر من 45 سنة والمعنيين بالقانون 38 والدكاترة المعطلين عن العمل والمفروزين امنيا وغيرهم، ويتمثّل في وجود إتفاق سابق مُمضى مع ممثلي الدولة ومنطق إستمرارية الدولة يفرض الإلتزام بتطبيق الإتفاقيّات.

وحين لا تجد كل تلك الحركات الإجتماعية اي صدى أو تجاوب من الحكومة فإن الخيار الوحيد أمامها هو الإحتجاج الذي يتصاعد منسوبه تدريجيّا، حيث نرى حاليا مؤشرات أشبه بالاجواء التي تسبق شهري جانفي وفيفري وكذلك التصريحات التي تُشبه تصريحات هشام المشيشي سابقا والتي كانت سببا في إندلاع عديد الإحتجاجات، فتصريحات رئيس الدولة أو أعضاء الحكومة يُمكن أن تتسبّب في إندلاع إحتجاجات كنتيجة للفشل التواصلي لمن يُمسك بالسلطة.

في الخلاصة اليوم كل السيناريوهات مُمكنة وإذا واصلت رئاسة الجمهورية في مسارها الأحادي والإقصائي لكل الشركاء الإجتماعيين والمدنيين فستجد نفسها بمثل ذلك الخطاب في مواجهة إجتماعية أثبتت التجارب بعد 25 جويلية فشل الرئيس في إدارة مثل تلك الازمات والمواجهات الإجتماعية، إذا نحن امام سيناريوهات مفتوحة قد تأخذ فيه الإحتجاجات أشكالا متعدّدة ومتنوعة وستمتدّ جغرافيا أكثر مما إمتدّت عليه إحتجاجا جانفي وفيفري 2020 خلال حكم المشيشي بالنظر الى الأزمات المتعدّدة الأوجه والتي تجعل عديد الفئات تصبح معنية بالإحتجاج مما يجعل من الممكن أن تحصل إنتفاضة شعبيّة.

في تقديركم كيف يُمكن بناء تونس الجديدة في إتجاه دعم الحقوق الإجتماعية والإقتصادية؟

 عبّرنا خلال إنتخابات سنة 2019، على أن الإنتخابات وحدها لا يُمكن أن تعبر بتونس إلى برّ الأمان، إذ يجب أن يُصاحبها قضاء مستقلّ وعادل ويتمتّع بكل الإمكانيات وهيئات دستورية قوية وتتمتع بإمكانيات العمل وإعلام مستقلّ بعيد عن سيطرة ونفوذ اللوبيات ومجتمع مدني حيوي ويتفاعل ويطرح البدائل وحركات إجتماعية وشبابية قوية لابدّ من التفاعل معها، كل هذا يمثّل سبلا للإنقاذ واليوم ثبت ذلك الرأي لأنه بعد إنتخابات سنة 2019 إنفردت المجموعة الفائزة بالسلطة وأقصت بقية الأطراف أو همّشتها مما أفضى إلى حدث 25 جويلية.

واليوم يجب أن يقتنع القائمون على السلطة ان الحلّ لا يُمكن أن يكون أحاديا، بل يجب ان يكون تشاركيّا بعيدا عن مركزة كل السلطات بل بالعكس يجب أن تكون السطات موزّعة بطريقة تضمن الإنسجام والتناسق بين مؤسسات الدولة وتضمن إحترام كل سلطة لإختصاصها، نحن اليوم نعتقد أنه لابدّ من مسار تشاركي دون إقصاء على قاعدة تحقيق إنتظارات التونسيين في علاقة بثورة 17 ديسمبر/14 جانفي، وهذه الإنتظارات لا يُمكن تحقيقها فقط بمسار سياسي حتى إن كان بتوافق عريض.

حيث يجب أن يصاحب هذا المسار السياسي مسار إقتصادي وإجتماعي بديل من خلال إعادة النظر في السياسات الإقتصادية ومجمل المنوال التنموي وإعادة النظر في علاقتنا مع كل الشركاء والعلاقات غير العادلة والسياسات الجبائية والخيارات الهيكلية وإعطاء المفاهيم، كالعدالة الجبائية والسيادة الغذائية والأمن المائي والأمن الطاقي الأهمية اللازمة. وكذلك مسار يحترم إستقلالية القضاء والإعلام ويتفاعل مع المجتمع المدني والحركات الإجتماعية والإحتجاجية والحركات الشبابية…هذا ما يُمكن أن يمثّل مجتمعا بوّابة للبناء وللولوج إلى الحل الذي يجب أن يكون داخليّا ومستمدّا من إمكانياتنا ومواردنا الذاتيّة.

Skip to content