مقالات

الإعلام الجمعياتي :

معركة البقاء في ظل ضعف التأثير

خولة شبح
صحفية

في الخامس من مارس العام 2014 حصلت نقلة نوعية نحو تقنين عمل الإعلام الجمعياتي في تونس ما بعد الثورة سواء التي تم تركيزها قبل الثورة أو بعدها بإصدار كراس الشروط الخاص بها. ليبدأ رسميا مسار تركيز «قنوات إذاعية متخصصة محلية وغير ربحية» تعمل على تنمية إعلام القرب وتهدف الي تحقيق الصالح العام وترسيخ الديمقراطية ونشر ثقافة حقوق الانسان…

صباح كل يوم وفي تمام السادسة صباحا تغادر الصحفية مبروكة جاء بالله بيتها في اتجاه مقر إذاعة «نفزاوة أف أم» ، وهي تجوب شوارع ولاية قبلي يعج ذهنها بمجموعة أفكار عليها ترتيبها كرئيسة تحرير للإذاعة من محلية وجهوية ثم وطنية. تحديد أولويات باعتبار المتغيرات التي تشهدها الولاية، فبالنسبة للشابة الثلاثينية إذاعة «نفزاوة أف أم» بعد 8 سنوات من العمل باتت الأكثر استماعا وتأثيرا في محيطها المحلي.

تحدي المواصلة هو رهان تعيشه إذاعة «نفزاوة أف أم» كواحدة من ضمن 10 إذاعات حصلت على رخصة عملها في العام 2014. اليوم العديد منها مهدد بالتوقف عن العمل فحتى الآن أغلقت ثلاثة من هذه الإذاعات أبوابها أولاها كانت في 2014 والثانيتين كانتا في 2019.

البحث عن الهوية

تلك هي معركة البقاء في طريق البحث عن الهوية بالنسبة للإعلام الجمعياتي. حيث يرى كثير من العاملين في مجال الإعلام أن أغلب هذه الإذاعات لم تحقق ما كان مطلوبا منها في محطيها المحلي وأن الاستثناءات شملت 3 ولايات فقط هي القصرين وقفصة وقبلي.

هذه الإذاعات حظيت إلى اليوم بدعم لوجستي وتقني لتسهيل ترجمة أهدافها في اتجاه تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعاتها المحلية، إلا أن أغلبها فقد البوصلة أو لم يعثر الي الآن على طريق. حقيقة تقرها راضية السعيدي عضوة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، حيث تقول أن «أغلبها ابتعدت عن أهدافها وأصبحت إذاعات «هجينة» تحاول التماهي مع الإذاعات التجارية». لتكون بهذا قد حادت على الهدف الأساسي لتركيزها وهو تقديم منتج ينطلق من مشاغل الجمهور واحتياجاته.

ويذهب الخبراء في إعلام القرب الى القول أن التمشي الداخلي للجمعيات التي ركزت وسائل الإعلام الجمعياتية غير واضح. ويقول سامي بن جمعة ممثل منظمة «ايريكس أوروب» أحد شركاء هذه الجمعيات أنه «يجب أن تضع هذه الأخيرة أهدافا استراتيجية واضحة وفق دراسات دقيقة لمحيطها لتكون أكثر معرفة به وأكثر قدرة على التأثير فيه كإعلام قرب».

وفي معرض حديثه يرى بن جمعة أن حادثة مؤلمة كحادثة «انقلاب الحافلة بمنطقة عمدون من ولاية باجة كان يمكن أن محور اهتمام هذا النوع من إعلام القرب لطرح موضوع «البنية التحتية السيئة للطرقات» بعيدا عن تناول الإخباري اليومي للإعلام التقليدي.

وبالنظر إلى حدود تأثير الإعلام الجمعياتي حتى اليوم بدى من غير المفهوم شبه الاجتماع على ضعف التأثير بعد مرور 6 سنوات من انطلاق عمله رسميا ومرور أكثر من 12 سنة من انطلاق أول إذاعة جمعياتية في تونس «راديو 6 تونس». ويمكن اعتبار غياب ردود فعل على سحب ترخيص 3 من هذه الاذاعات مؤشرا على قصور دورها في تلك المناطق التي وجدت فيها.

ويؤكد، فهمي البليداوي، رئيس الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي، أن «أغلب المؤسسات ليس لها التقنيات والامكانيات الكافية لوضع خطط بناء مضمون جيد ومحترف ومهني لتعزيز تأثيرها في المحيط الذي توجد فيه ونحن مازلنا في مرحلة البناء وإعادة الهيكلة لتعزيز دورنا في المناطق المحلية التي نغطيها».

ويرى القائمون على هذا المجال أن الإعلام الجمعياتي وبعد هذه السنوات مازال في مرحلة التأسيس والبحث عن الهوية ومن الضروري وضع آليات لمساعدة هذا النوع من الإعلام لوضع استراتيجيات عمل وتوضيح دوره بدقة.

مشكل الاعتراف

إذا أحد أهم العوائق كان داخليا ولكن في الواقع فإن غياب الإرادة السياسية في تفعيل دور هذا الإعلام عمق نكران الهياكل المحلية لوجوده وغياب التعاون والاستجابة من طرفها رغم ما يلعبه هذا النوع من إعلام القرب في تكريس اللامركزية والتمييز الإيجابي بين مختلف المناطق.

وتقول عضو الهيئة راضية السعيدي أنه « لم نجد اعترافا في مسار تركيز هذا النوع من الاعلام وغياب إرادة سياسية

في صرف الميزانية المخصصة له وفي إيجاد تشريعات تعترف به حتى أن بعض الأطراف كانت تعارض بشدة بنود القانون الجديد المتعلقة بالإعلام الجمعياتي».

وتعاني الإذاعات الجمعياتية حسب العاملين فيها من مشكل عدم استقرار الهياكل المحلية ومن غياب الاعتراف من الإدارات العمومية في أغلب الأحيان.

ويقول عبد الملك بن عبد الله مدير راديو «المهدية 1» أنه ليس هناك اعتراف من قبل الهياكل المحلية بولاية المهدية بالإذاعة رغم سعينا لتقديم محتويات إعلامية محترمة وتعتمد في تغطياتها على المؤسسات الإعلامية الأوسع انتشارا على المستوى الوطني».

ومن جانبها تقول مبروكة جاء بالله رئيسة تحرير إذاعة «نفزاوة أف أم» أن الإذاعة عانت عدم الاعتراف حتى منتصف 2013، حيث كانت تعتبر الجهات المحلية أنها تتعامل مع هواة مؤكدة أن مستوى المحتوى المقدم والحرفية التي نتعامل بها وسعينا للتواصل مع المسؤول وتحفيزه لحل الإشكاليات ومتابعته خلق لدينا حزام دعم من قبل المواطنين وحقق لنا الاعتراف.

و يربط أغلب الصحفيين المحترفين المتواجدين بالولايات التي تم فيها تركيز إعلام جمعياتي اعتراف الجهات الرسمية بضرورة توفر المزيد من الحرفية لافتكاك الاعتراف.

والاعتراف داخل الولايات مرتبط أساسا بالمهنية وبما هو تقني عبر منح التراخيص والبطاقات المعرفة للصحفيين ومراسلة الهياكل الرسمية لدعم عملها في المناطق المحلية.

وقد عملت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري مع الهياكل المهنية على تحقيق حد أدنى من الاعتراف عبر منح الانخراط في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين للمحترفين العاملين بهذه الإذاعات كما يتم البحث حاليا عن سبل تقنين «إذاعات الواب» والتي وصل عدد اليوم إلى 17 إذاعة جمعياتية (حسب الاتحاد التونسي للإعلام الجعياتي) في ظل تمسك بعض الجمعيات ببقائها على «الانترنات» بحثا عن انتشار أوسع.

توسيع نطاق العمل

وحاليا تنظر الهيئة في آليات دعم انتشار الإذاعات الجمعياتية  الذي اقتصر حاليا على 6 ولايات على الأف ام و10 ولايات على الواب في والوقت الذي تعد بعضها العدة بانتظار الترخيص، فعلى سبيل المثال قرر المعهد العربي لحقوق الإنسان تركيز إذاعة «السيدة» بداية على الواب ثم تقديم طلب للحصول على ترخيص قريبا من الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

ويرى بسام بوشعالة المسؤول على الاتصال الرقمي بالمعهد أن هذه الخطورة هي نتاج قدرة وسائل الاعلام على الوصول والتأثير في الناس عبر المضامين الإعلامية. وستكتسي هذه الإذاعة بعدا إقليميا بالاعتماد على شبكة علاقات لصحفيين محترفين متخصصين في مجال حقوق الانسان تم تدريبهم لسنوات في هذا الاختصاص من قبل المعهد.

وقد قدم المعهد مطلبا للحصول على رخصة بث وهو واحد من 35 مطلبا تنظر فيه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

وتقول راضية السعيدي أن أهم المعايير التي من المنتظر اعتمادها في منح التراخيص احترام الجمعيات للمرسوم 88 المنظم لعمل الجمعيات من حيث الشفافية والحوكمة. كما يجب، وفق السعيدي، أن تتوفر خصوصية للخط التحريري وجدية في الوثائق التي تقدم وخاصة تلك المتعلقة بـ»إذاعات الواب» التي أثبتت جديتها بالعمل الذي تقدمه.

وبانتظار حصول الإذاعات على التراخيص من المهم حسب رئيس الاتحاد التونسي للإعلام الجمعياتي أن أهم الخطوات التي من الضروري وضعها هي وثيقة «مهام الإعلام الجمعياتي» والتي سيتم الإعلان عنها في الثالث عشر من شهر فيفري من السنة الحالية حتى تتمكن كل مؤسسات الأعلام الجمعياتي من وضع خط تحرير واضح لها وتحديد خطة عمل استراتيجية تنطلق من دراسة دقيقة لاحتياجات محيطها المحلي وتشركه في وضعها. وتتضمن هذه الوثيقة وفق القائمين عليها نقاط مرتبطة أساسا بدورها والتزاماتها في خدمة المجتمعات المحلية الموجودة فيها.

ولا يخفي العاملون في هذه المؤسسات مخاوفهم من إمكانية تقليص أو غياب دعم الإعلام الجمعياتي في النصوص التشريعية، التي يقع اعدادُها حاليا، لتنظيم قطاع الاتصال السمعي البصري. وهي أحد أهم الهواجس التي تعود بها مبروكة جاء بالله كل يوم إلى بيتها والتي تعمق قلقها على استمارارية هذه التجربة المميزة لها في إذاعة «نفزاوة أف أم» ومن خلف مبروكة عشرات العاملين في الإذاعات الجمعياتية الذين يسعون إلى التأثير في مجتمعاتهم المحلية وتحقيق أهدافهم في دعم التنمية المحلية والتمييز الإيجابي بين الجهات.

Skip to content