مقالات

الإقتصاد الأخضر كحل للكارثة البيئية

سيماء المزوغي
صحفية

“أوقف التلوث” و”عطشانين والأرياف منسيين” و”العدالة المناخية حق موش مزية” و”يا رئيس الجمهورية أعلن الطوارئ المناخية” و”في تونس عطشانين وعلى مستقبلنا خايفين” .. هي أبرز الشعارات التي رفعت في الوقفة الاحتجاجية التي نفّدها يوم السبت المنقضي في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، ممثلو منظمات بيئية حيث طالبوا رئيس الجمهورية قيس سعيّد وأصحاب القرار بالعدالة المناخية وإعلان حالة طوارئ مناخية.

معتبرين أنّ الوضع البيئي في تونس كارثي ما يستوجب بالأساس سياسية مناخية عاجلة لإنقاذ البلاد من تداعيات التغيّر المناخي والتلوّث الهوائي والبيئي، ولا سيّما إيجاد حلول لأزمة المياه.

ما معنى العدالة المناخية؟

يقصد من عبارة العدالة المناخية هي أن تتحمّل الدول الأكثر تلويثا للبيئة والمناخ تكاليف خفض انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري والملوّثة للمياه.. قصد إرساء سياسات تنموية صديقة للبيئة، إضافة إلى توفير الإمكانيات المالية بشكل متوازن بين كلّ المدن لمواجهة المخاطر البيئية.

وقد شهدت تونس في الأسابيع الأخيرة العديد من الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية التي تنادي بوقف مد التلوّث البيئي، ولعلّ أبرز الاحتجاجات تلك التي تعلقّت بأزمة النفايات في صفاقس، في الوقت الذي تنادي فيه منظمات المجتمع المدني بالعدالة المناخية والحق في بيئة سليمة وعيش كريم.

تونس المصنّفة ضمن 33 دولة في العالم سوف تواجه في سنة 2044 شحّا مائيا كبيرا بسبب التغيّر المناخي، تصنّف أيضا تحت خط الفقر المائي، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوقة جرّاء انبعاثات الغازات السامة التي تنتجها الشركات العالمية الملوّثة للبيئة. وتقّدم هذه المنظمات الاقتصاد الأخضر كبديل تنموي صديق للبيئة.

ما هو الاقتصاد الأخضر؟

يعتبر الاقتصاد الأخضر من الموضوعات المهمة التي تتبناها الأمم المتحدة ووكالاتها المتعددة خاصة بعد خيبة الأمل في النظام الاقتصادي العالمي الذي أفرز العديد من الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية وعدد من الظواهر جراء تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض والتقلبات المناخية وتداعيتها المتعددة على البطالة والفقر والتراجع في الموارد الطبيعية.

ويعني الاقتصاد الأخضر بالضرورة نمو اقتصادي مستدام يتماشى والحفاظ على البيئة بكل عناصرها المتنوعة، وهو مجال الأنشطة المتعلقة بإنتاج وتوزيع واستهلاك الثروة من المجتمع البشري في ظل احترام البيئة ومواردها، من خلال الاستثمارات التي تحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتلوث، وتمنع فقدان التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية.

يتبنّى الاقتصاد الأخضر مبدأ ترشيد الإنتاج والاستهلاك، ويرتكز على مبدأ تقييم آثار القرارات على أجيال المستقبل، ويرتبط ارتباطا وثيقا بمجلات التنمية المستدامة، وهي الاقتصادية والاجتماعية وطبعا البيئية، ما يخلق بالضرورة الوظائف الخضراء.

الوظائف الخضراء

عرفت منظمة العمل الدولية الوظائف الخضراء “بأنها عمل لائق من شأنه أن يخفف من أثر نشاطات الشركات والقطاعات الاقتصادية على البيئة أو أنها عمل يتضمن وظائف تحافظ على البيئة وتعيد تأهيلها، وإرساء اقتصاد خال من الكربون يعمل على تجنب انتاج جميع أشكال النفايات والتلوث بشكل عام.

ويقصد بالوظائف الخضراء تلك الوظائف التي تكفل تخفيض الأثر البيئي للشركات والقطاعات الاقتصادية وتؤدى إلى تقليص مستوياته إلى حدود يمكن تحملها ومن أمثلة ذلك: الطاقة وإعادة تدوير المخلفات وفي الزراعة والتشييد والنقل بما يسهم في تخفيض استهلاك الطاقة وحسن استخدام الموارد الأولية والمياه، وكل هذا يعمل على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة وتحفيض أو إزالة أشكال النفايات وهذا يخفض من نسبة الكربون وتلوث البيئة ويساهم في حماية وإصلاح النظم البشرية وعلى التنوع البيولوجي.

وتقوم الوظائف الخضراء على تجديد رأس المال الطبيعي وصيانته وهي جسر يربط بين القضاء على الفقر وتحقيق الاستدامة البيئية، وهي مولد جيد لفرص العمل خاصة في مجالات الطاقة الاحيائية والشمسية وطاقة الرياح وفى مجال الزراعة العضوية.

ولسائل أن يتساءل ما هي متطلبات التحوّل إلى الاقتصاد الأخضر.

متطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر

في تقرير أعدّه الخبير الاقتصادي البهلول إشتيوي عن منظمة العمل العربية اعتبر أنّ متطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر تبدأ من الوعي بأنّ الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر ليس قرارا فوقيا وإنما هو عملية طويلة وشاقة وجهد مكثف لكل الأطراف من القمة إلى القاعدة منها، الاهتمام بالتنمية الريفية، والاهتمام بقطاع المياه، ورفع كفاءة الطاقة واعتماد تكنولوجيات الإنتاج أكثر نظافة وكفاءة ودعم التنقل الجماعي واعتماد المعايير البيئية في البناء والتصدي لمشكلة النفايات وتدويرها بما هو مفيد وصديق للبيئة.

ويتطلب التحول إلى الاقتصاد الأخضر تغيرا في آليات أسواق العمل والتدريب والتأهيل، ويرتبط هذا التحوّل بمدى تحسين بيئة العمل وعلاقات العمل. كما يتطلب الاستثمار في بناء القدرات لصقل مهارات العاملين مع المتابعة المستمرة لبرنامج تدريب وتعزيز المهارات وتأهيلها للتحول نحو قطاعات الاقتصاد الأخضر.

ويقتضي كل هذا بالأساس مراجعة السياسات وتحسين التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لهذا الاقتصاد وإعادة النظر في توصيف الوظائف، وتشجيع الاستثمارات للولوج في قطاعات الاقتصاد الأخضر وتقديم الحوافز المشجعة لها حوافز ضريبية وتسهيلات ائتمانية وإعفاءات جمركية.

الاقتصاد الأخضر في تونس

لا تحظ قضايا البيئة بأي اهتمامات في الخطابات الرسمية التونسية، ولا تعرف أي سياسات أو استراتجيات واضحة في هذه الغرض.

الموقع الرسمي لوزارة البيئة يعرض ما أسماه الإستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأخضر، ووردت هذه الإستراتيجية دون مؤشرات أو أرقام أو برامج أو مشاريع، ما يجعلها حبرا على ورق. في حين إلى الآن لم نر مقترحات لتنفيذ مخططات هذه الإستراتيجية من (الأطراف المعنية، رزنامة التدخل، الكلفة التقديرية،…). دون أن ننسى الجوانب القانونية والتنظيمية، الحوكمة، التمويل، التكوين والإحاطة والبحث العلمي..

وترتكز هذه الإستراتيجية الرسمية على “البحث في إمكانيات تطوير الأنشطة الاقتصادية الحالية وتركيز أنشطة جديدة خضراء في عدة مجالات منها بالخصوص الفلاحة البيولوجية والسياحة الإيكولوجية والنقل المستدام والبنية الأساسية المستديمة والبناءات الإيكولوجية والصناعات الخضراء وتكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الخضراء والخدمات البيئية الداعمة للمؤسسة وذلك بدعم خيارات النجاعة الطاقية واستعمال الطاقات المتجددة والاقتصاد في الماء وإعادة استعمال المياه المعالجة والتصرف المندمج في النفايات. وترتكز هذه الأنشطة بالأساس على الخيارات القائمة على التحولات التكنولوجية بما يقلص في نسب التلوث والتبعية الطاقية والغذائية ويحمي البيئة ويسهم في النمو الاقتصادي الشامل والمتوازن وخلق مواطن الشغل الإضافية”.

وتصور هذه الإستراتيجية على أربعة مبادئ وهي تطوير اقتصاد ذو ديناميكية نمو مرتفعة، إدماجي، مبتكر وتضامني. وتقليص الحساسية الحالية للموارد والمنظومات الطبيعية وأقلمة نظم التصرف فيها مع التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية. وتبني حوكمة تنمية مندمجة، تتسم باللامركزية والتشاركية، مع اعتماد مقاربة فوقية-تحتية تسهر على تنفيذ المشاريع الإستراتيجية من جهة، ومقاربة تحتية-فوقية لتشجيع المبادرات المحلية من جهة أخرى. والنهوض بجودة حياة المواطنين ومقاومة الإزعاجات.

وتعرض هذه الإستراتيجية تسع محاور حول” فلاحة ناجعة في استعمال الموارد الطبيعية، أقل تلويثا للمحيط وذات إنتاج مستدام. وضمان التزود بالماء الصالح للشراب والصرف الصحي لكافة المواطنين. وتصرف مندمج في النفايات بهدف تحسين إطار العيش من خلال تثمين النفايات المرسكلة وتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة. وتكييف وتحسين نظم التصرف في الموارد الغابية والرعوية لمجابهة التأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية. وتطوير اقتصاد ذو تبعية ضعيفة للطاقة الأحفورية. والنهوض بالقطاع الصناعي من خلال اعتماد الطاقات والتكنولوجيات النظيفة وجعله ذو قيمة مضافة عالية. وتحسين جودة وأداء قطاع النقل العمومي. وتعزيز النجاعة الطاقية واعتماد النظم الجديدة المتصلة بالبناءات الإيكولوجية. والنهوض بالسياحة المستدامة والتي تعرض خدمات متنوعة”. كما ورد في الموقع الرسمي لوزارة البيئة.

Skip to content