مقالات

التشغيل الهشّ … بلا حماية قانونية

لمياء بوزيان
صحفية

التشغيل الهشّ … بلا حماية قانونية

 عدد لا بأس به من النساء في تونس يجمعهن التشغيل الهشّ وغياب الحماية القانونية والهشاشة الاقتصادية، فإنه من غير الخافي على أحد وبالعين المجردة أنّ النساء قوة عاملة تعيش الاستغلال والاضطهاد.

ويقول تقرير الأمم المتحدة حول الفجوة بين الجنسين الذي صدر مؤخّرا أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنّ 20.5 % من النساء فقط يشاركن في القوى العاملة. وتشير التقديرات إلى أن 33% من النساء في المنطقة يشاركن في العمالة الهشة مقارنة بنسبة 23% للرجال، وتمثل المرأة تمثيلا زائدا في المهن ذات الأجور المتدنية بينما يوجد عدد قليل جدا من النساء في المناصب العليا في المنطقة.

” هكذا شخّصت” الأمم المتحدة السياق الإقليمي الذي تعدّ تونس جزءا منه، وأمام استفحال وضع الهشاشة وضغط المجتمع المدني، احتضنت تونس التظاهرة الدولية للتمكين الاقتصادي للمرأة. وتتبنى قائمة من الخطط والاستراتيجيات ما يزال أثرها في أرض الواقع أكثر من ضعيف.

وتضمن موقع وزارة المرأة التونسية الرسمي إستراتيجية وطنية لدفع المبادرة الاقتصادية النسائية الرائدة، وإستراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية. إضافة إلى قائمة واسعة لخطط مكافحة العنف ضد المرأة.

القطاع الفلاحي … الفرار إلى المأزق

العاملات في القطاع الفلاحي كغيرهنّ من الفئات الهشة كنّ أيضا ضحية الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي شهد أزمات كبيرة ومتواصلة خاصة ما بعد 2011 نتيجة تعمّق الفوارق الاجتماعية وارتفاع نسب الفقر والبطالة والهشاشة في المناطق الريفية لتكون هذه المؤشرات أكثر وقعا على المرأة العاملة في الوسط الريفي في غياب إرادة سياسية لحمايتهن رغم كل الدعاية الإعلامية ورغم أن وضعية المرأة وحمايتها من كل أشكال الانتهاك والاستغلال كانت عناوين لوعود انتخابية وتنافس سياسي دون أثر فعلي ملموس لدى هذه الفئات …

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية … بصيص الأمل

نزّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قضية الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي ضمن تصور عام للدفاع عن منوال تنموي بديل يكون أكثر عدالة وإنصاف للجهات والفئات الهشة وخاصة النساء في الوسط الريفي ويعطي دورا استراتيجيا أكبر للقطاع الفلاحي فأطلق سنة 2013 مركز الإنصات بالقيروان والذي على امتداد 3 سنوات من العمل ساهم ميدانيا في الدفاع عن العاملات وإيصال صوتهن وإيقاف الانتهاكات بحقهن والعمل على التمكين الاقتصادي لهن كما سلّط الضوء على ظاهرة حوادث المرور التي تتعرض لهن النساء. ويواصل العمل إلى جانب شركائه في مناصرة كافة قضايا المرأة

العاملات في القطاع الفلاحي يعملن خارج النطاق الرسمي للقانون. ولا يتم تسجيلهن وتنظيمهن وفق تشريعات العمل التونسية. ولا يتم في الغالب تسجيلهن في منظومة الحماية الاجتماعية، لأنهن ينتمين إلى قطاع اقتصادي غير منظم، ويعانين من تدني الأجور، وعدم الاستقرار الشغلي ولجوؤهن إلى هذا القطاع رغم كل الانتهاكات هي إجابة على فشل الاقتصاد الرسمي في استيعابهن، وفشل التشريعات في حمايتهن رغم الترسانة القانونية المهمة، وآخرها القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة…

شهادات الفقر

وفي ظل هذه الظروف يصعب الجزم بأن منظومة «احميني» المقترحة لتمكين النساء العاملات في الوسط الريفي من الانتفاع بالتغطية الاجتماعية رغم البروباغندا التي رافقت إطلاق هذه الحملة أن تكون الإجابة الحقيقية لكل هذه الانتهاكات وبوابة مرور نحو التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.

فالمرأة في حاجة إلى آلية عملية وفعلية ملموسة نابعة من حاجيات هذه الفئات الاجتماعية الكادحة للكرامة والحقوق المكفولة دستوريا. وهذه المنظومة تلامس جانبا واحد وهو التغطية الاجتماعية وبإجراءات فيها الكثير من البيروقراطية وغير متاحة لجميع النساء اللواتي لديهن انتظارات أكبر من قبل الدولة

وضعية المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وحجم الانتهاكات أثبت أنّ القوانين وحدها قاصرة لحماية هذه الفئة الهشة ومحاولات معالجة الوضع فقط باقتراح مشاريع قوانين مثل القانون المتعلق بإحداث صنف نقل العملة الفلاحيين هو مواصلة في نفس التمشّي المنقوص الذي سبق وأن انتقدنا الحكومة فيه.

إن المنوال الاقتصادي الحالي يهمش النساء اقتصاديا واجتماعيا ويجعلهن من الفئات الهشّة رغم الدور الطلائعيّ للمرأة التونسية في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء، وفي الحركات الاجتماعية والمدنية.

إن الإرادة السياسية الغائبة ترى في حقوق النساء والمساواة مجرد إجراءات وقوانين وشعارات لا تلقى في أغلبها طريقا للتطبيق مادامت لم تترجم إلى سياسات تكرّس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء. لابد أن ينطلق تحسين وضعية المرأة في القطاع الفلاحي من مراجعة عميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية ومن تصوّر أفضل لدور الفلاحة في الاقتصاد الوطني وتمكين اقتصادي للمرأة في الوسط الريفي وإرادة سياسية في تفعيل القوانين وردع المخالفين والمنتهكين لحقوق العاملات في القطاع الفلاحي ففي دراسة حول العاملات في القطاع الفلاحي بسيدي بوزيد للجمعية التونسية للحراك الثقافي أكّدت أنّ نسبة الأمية لدى الريفيات تجاوز 84 % من مجموع الأميّات بالولاية وهو مؤشر على وجود أرضية خصبة للانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية التي

تستهدف حقوق المرأة، وتتوزع النساء العاملات في القطاع الفلاحي بين عاملات مساعدات دون أجر في إطار الفلاحة العائلية 57،9 %ولا تمثل باعثات المشاريع الفلاحية سوى 4،07 % وهو ما انعكس على توزع نسبة الفقر بسيدي بوزيد والذي فاق المعدّل الوطني وتطرح قضية الأمومة والحقوق التي تنتهك في حق الأم والطفل والأسرة.

إنّ المسؤولية ملقاة على الحكومات لحماية حقوق المرأة العاملة التي يضمنها الدستور والاتفاقيات الدولية وذلك باعتماد آليات ومقاربات ميدانية تكشف بما لا يدعو مجالا للشك أنّ المرأة الريفية تداس حقوقها وتتعرض إلى انتهاكات صارخة في ظل غياب إجراءات ردعية واضحة.  

Skip to content