حوارات

التضخم الغذائي سيصل إلى 21 بالمائة والأزمة ستتواصل إذا لم يغير البنك المركزي سياسته النقدية ورئيس الجمهورية خطابه

الاستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد رضا شكندالي لـ"الجريدة المدنية"

مفيدة التواتي
صحفية

يؤكد المشهد العام الحالي وخاصة الواقع الاقتصادي والتجاري أن شهر رمضان لسنة 2023 سيكون صعبا من حيث التزويد بعدد من منتوجات الخضر والغلال وما قد ينجر عن ذلك من تأثير على منحى الأسعار في ظل نسبة تضخم اخذة في الارتفاع من شهر لآخر. ولئن لم يبق عن حلول شهر الصيام، الذي يرتفع فيه الاستهلاك في تونس بنسبة تصل الى حوالي 20 بالمائة بالمقارنة مع بقية أشهر السنة، أياما قليلة، يجد المواطن نفسه عاجزا عن مجابهة الكلفة العالية من مصاريف هذا الشهر، ويتزامن ذلك مع وضع سياسي متأزم وافق اقتصادي غامض.

وبخصوص الوضع الاقتصادي وتأثيره على حياة المواطن وارتباط ذلك بالوضع السياسي كان للجريدة المدنية الحوار التالي مع الاستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد رضا شكندالي.

ما هو وضع التضخم حاليا في تونس، وما هي اسباب ارتفاعه المتسارع؟

بلغت النسبة المسجلة في فيفري   10.4 ٪ أي ضعف ما كانت عليه في جويلية 2021 في بداية الفترة الاستثنائية فقد كانت في مارس 2021 في حدود 4 فاصل 8 ٪.  وفي 2016 كانت النسبة 3 بالمائة، وهي فترة بداية تنفيذ القانون الأساسي الجديد للبنك المركزي الذي  يخول له استخدام سياسة نقدية حذرة لاستهداف  التضخم المالي وذلك يعني الترفيع في نسبة الفائدة كل مرة  وهو ما أدى الي جانب عوامل أخرى الي زيادة نسبة التضخم. فقد استعمل البنك المركزي السياسة النقدية مرات عديدة منذ 2016  ليمر التضخم من 3 الي 10٪  يعني انه تضاعف أكبر من 3 مرات.

فالسياسة النقدية المتبعة غير مجدية ولن يتم التمكن من محاربة التضخم المالي فبالعكس سارعت هذه السياسة في الترفيع من معدلات هذا التضخم. فعندما ترتفع نسبة الفائدة المديرية فسينجر عنها كلفة مالية اضافية للمؤسسات بما انها تلتجئ للقروض البنكية لتمويل الاستثمار وبالتالي المؤسسة تعكس هذه التكلفة على الأسعار التي ترتفع تباعا.

كيف ستكون تبعات هذا الارتفاع المتواتر للتضخم على المقدرة الشرائية للمواطن خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان؟ 

إن نسبة 10 فاصل 4 ٪  تتضمن عديد المواد التي لا تدخل في قفة المواطن اليومية  فما  يهمه هو اللحوم والخضر والغلال والزيوت وهو ما يسمي التضخم المالي الغذائي الذي يبلغ حاليا 21.5٪ وهي نسبة سابقة في تاريخ تونس.

فعلي سبيل المثال بلغت نسبة التضخم في خصوص أسعار لحم الضأن 29.9٪ واللحوم البيضاء 25.3٪ والبيض 32٪  ولحم البقر 22.9٪ والزيوت الغذائية 24.6٪ والغلال 14.6٪ والتوابل 14٪ والاجبان ومشتقات الحليب 16٪ دون احتساب فاتورة الكهرباء والغاز والماء والمصاريف الحياتية الأخرى والصحة والتعليم المحروقات والتي ارتفعت بصورة كبيرة. كل هذا ونحن لم ندخل حيز التنفيذ لقرار الرفع الكلى للدعم في أسعار المحروقات المبرمج من قبل الحكومة هذه السنة ورفع الدعم عن المواد الأساسية. فقانون المالية لسنة 2023 الذي تضمن اجراءات في خصوص رفع الدعم والترفيع على القيمة المضافة ستزيد من التسريع في وتيرة الترفيع في التضخم المالي. 

وعادة ما يرتبط التضخم المالي بالمد والجزر أي يتراوح بين الانخفاض والارتفاع، ولكن ما يلاحظ انه منذ جويلية 2021 الارتفاع متواصل ومستمر َوهذا يدل على أن التضخم المالي أصبح معضلة هيكلية وليست معضلة ظرفية وبالتالي معالجة ذلك لا يتم عبر السياسات الظرفية أي أن السياسة النقدية القائمة على الترفيع في نسبة الفائدة لن تؤدي الي نتيجة إيجابية.

لا ننسى أن هناك قرض صندوق النقد الدولي الذي تأخر أكثر من اللزوم وهذا له تأثير خاصة بعد قرار البنك الدولي تعليق التعامل مع تونس إثر تصريح رئيس الجمهورية بخصوص المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. َوهذا قد يجبر الحكومة إلى الإقراض من البنوك وهوما يعني ضخ سيولة اضافية دون تحقيق نماء للثروة َهذا سيؤدي بدوره الي ارتفاع معدلات التضخم المالي. وكذلك نحن على مشارف شهر رمضان الذي يرتفع فيه الطلب على المواد الاستهلاكية وهو أمر يعد عاملا من العوامل التي سيسرع من معدلات التضخم.

ماهي الحلول العاجلة المقترحة والتي قد تحد من هذه الأزمة؟ 

عندما تسأل المنتجين عن أسباب ارتفاع الأسعار يؤكدون لك أن كلفة الإنتاج ارتفعت خاصة في ما يخص المواد الأولية التي يتم توريدها من الخارج وكذلك الوقود بالتوازي مع هبوط قيمة الدينار نتيجة تطبيق سياسة للصرف من قبل البنك المركزي تسببت في هذا المشكل.

فتراجع قيمة الدينار التونسي والذي أدى الي تآكل العملة الصعبة وسط غياب مصادر كبيرة لدخول العملة الصعبة إلى تونس مع تعطل قرض صندوق النقد الدولي نجم عنه مزيد شح المخزون من العملة الصعبة لدى البنك المركزي.

لا بد من دعم وتقوية الدينار التونسي عبر ايجاد مصادر تضخ العملة الصعبة لتونس وأهمها الفسفاط الذي يجب أن يتم تأمين انتاجه من قبل الجيش الوطني في جميع مراحله مع الاهتمام بالنواحي الاجتماعية والاقتصادية والبنية التحتية َوالصحية والتنموية لمتساكني الحوض المنجمي. فالفسفاط التونسي مصنف في المراتب الأولى عالميا من حيث الجودة وقابليته العالية للتحويل وبيعه سيكون بأموال ضخمة. 

وقد فاقت تحويلات التونسيين بالخارج مداخيل السياحة، ونحن سياسيا حرمناهم من الترشح للانتخابات بتلعة حيازتهم على جنسية ثانية، ويتطلب هذا الوضع حاليا العمل على تشجيعهم على فتح حسابات بالعملة الصعبة عبر الترفيع في نسبة الفائدة على المدخرات من العملة الصعبة بالنسبة للجالية المقيمة بالخارج والغاء ضريبة الأداء على الثروة المضمنة بقانون المالية لأنه عادة ما يحولون أموالهم لشراء العقارات.

وأيضا بخصوص الأرباح التي تم الترفيع فيها بالنسبة إلى المؤسسات المصدرة التي أصبحت تخضع لنفس الضريبة للشركات التي تنتج في السوق المحلية وهوما ما ادي إلي تراجع كبير على مستوى الصادرات َوهذا يدعو الي مراجعة هذا القرار عبر التخفيض من الاداء عن الأرباح للشركات المصدرة.

أموال ضخمة من العملة الصعبة تتداول عبر السوق الموازية لذلك لا بد من اقرار عفو شامل على مخالفات الصرف وبالتالي ترك هذه الأموال الكبيرة تدخل ضمن المسالك المنظمة ويساهم ذلك في إخراج تونس من أزمتها ومن الخضوع التام لصندوق النقد الدولي وقبول شروطه التي لها تداعياتها  اجتماعية وخيمة.

هذه هي الحلول العاجلة الممكنة وبإمكان رئيس الجمهورية ضمن الية المراسيم الإسراع في اتخاذها وتطبيقها. 

لكن رئيس الجمهورية ما فتىء يؤكد أن الأزمة مفتعلة وأن تونس مُستهدفة بمؤامرة داخلية وخارجية لتأجيج الأوضاع عبر الترفيع في الأسعار؟

الدول لا تدار بالمشاحنات والحقد بين أفراد المجتمع فرواندا التي تفرقت بالإبادة اجتمعت بالريادة عبر رؤية جمعت كل الروانديين ونجح رئيسهم من خلال خطاب مجمع في تحقيق التنمية والسلام.

من الأفضل أن يغير رئيس الجمهورية من خطابه فهو رئيس كل التونسيين ومنتخب من قبل 72 %من الناخبين، فقد حان الوقت لتغيير لهجة الخطاب والعمل على تجميع كل التونسيين حول برنامج واضح وان يتولى القضاء ملفات الفساد.

فعلي جميع الأطراف التوجه إلى طاولة الحوار ودراسة كل المبادرات التي تبحث عن حلول توافقية وأن يفتح المجال للنقاش َوالحوار.

أعتقد أن مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمات أخري هي مبادرة تستحق الوقوف عندها وأن توضع علي طاولة الحوار وأن تضم حولها كل الأطراف دون اقصاء فالإقصاء نتائجه سلبية وسبق لتونس أن عانت من الاقصاء فالمنوال التنموي الذي انتجهته تونس قبل الثورة والذي أدي إلي مشاكل اجتماعية وفوارق جهوية ونمو ضعيف وتوزيع غير عادل للثروة وارتفاع نسبة البطالة لدي الشباب هو منوال اقصائي بامتياز.

فالسياسي مرتبط بالاقتصادي وهناك ثلاثة مسارات حول العلاقة بين السياسي والاقتصادي بدول الانتقال الديمقراطي توزعت بين دول فضلت السياسي عن الاقتصادي واخري اختارت المنحى الاقتصادي والتنموي أولا ثم الديمقراطية، وبين دول وازنت بين الجانبين.

وتبين أن الدول التي نجحت في هذا الانتقال على غرار الشيلي واستونيا هي الدول التي ذهبت إلي العمل بالتوازي بين السياسي والاقتصادي أي بين التنمية والديمقراطية.

في تونس نحن نعيش وضعا صعبا وسيئا لأننا ذهبنا في تفضيل السياسي على الاقتصادي بدليل أنه قبل 25 جويلية احتلت تونس المرتبة الأولى في الحرية السياسية عربيا واحتلت في المقابل المراتب الأخيرة على مستوى الحرية الاقتصادية.

هناك فجوة كبيرة بين السياسي والاقتصادي فعندما تتسع هذه الفجوة هناك امكانية كبيرة للانتقال من الديمقراطية الي الدكتاتورية، فالدول التي مرت من الديمقراطية الي الدكتاتورية هي الدول التي انتجت فجوة كبيرة بين الانتقال السياسي والانتقال الاقتصادي.

فالديمقراطية التي لا تحقق العيش الكريم للمواطنين لا يمكنها الصمود طويلا وهناك دراسات أنجزت بمخبر البحوث التي اترأسه بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بنابل توصلت الي أن عمر الديمقراطية التي تعيش انتكاسة اقتصادية لا تتجاوز ال 12 سنة. فاذا احتسبنا السنوات من  تاريخ الثورة فسنصل الي سنة 2023.

وقد نبهنا في هذه الدراسات التي انجزت قبل ثلاث سنوات من امكانية ان تمر تونس خلال سنة 2023 الي الدكتاتورية اذا لم تتحسن المؤشرات الاقتصادية والقدرة الشرائية للتونسيين.

هل أن لقرار البنك الدولي تعليق عمله مع تونس تداعيات على حظوظ تونس في الحصول على قروض خارجية وبالتالي مزيد تعميق الأزمة الاجتماعية المعيشة للمواطن؟  

البنك الدولي له علاقة قديمة مع تونس، وتوجه في السنوات الأخيرة إلي دعم المشاريع الاستراتيجية مثل الصحة والتعليم والمساعدات الاجتماعية ومقاومة الفقر.

وتدخل البنك عندما وجدت تونس صعوبات في التزود بمواد أساسية على خلفية الاشكال المتعلق بالعملة الصعبة.  وبالتالي البنك قام بدور جيد خلال السنوات الأخيرة واقرض تونس أموالا طائلة. 

إن علاقة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هي علاقة متينة فهما يعملان تحت مظلة الأمم المتحدة ويشتركان في هدف واحد َهو مساعدة الدول الأعضاء.  فالصندوق يقدم قروضا قصيرة الأجل تهتم أساسا بإحلال التوازنات علي مستوي ميزان المدفوعات والبنك الدولي يقدم قروضا طويلة المدى ضمن برامج استراتيجية كبري للدول الأعضاء.

إن البنك الدولي لن يوقف نشاطه في تونس من خلال برنامج الشراكة القطري ولكن هناك تنسيق كبير مع صندوق النقد الدولي من خلال اجتماعات الربيع ويلتقي محافظو  المؤسستين ضمن لجنة التنمية التي تتزامن اجتماعاتها مع اجتماعات الربيع إلي جانب اجتماعات منتظمة بين رئيس الصندوق ورئيس البنك ويصدران أحيانا بيانات مشتركة  وهذا ما يثير المخاوف من أن تتأخر تونس مرة أخرى في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.

ولا بد أن تعمل الدبلوماسية الاقتصادية كثيرا قبل اجتماعات الربيع لاحتواء الصدمة التي خلفها تصريح رئيس الجمهورية بخصوص المهاجرين الافارقة.

Skip to content