مقالات

الجمهورية الجديدة تحاول تجاوز الألغام

عبد الكريم الشابي

مثلت العشرية المنقضية فرصة ذهبية للنهوض بالبلاد ولإصلاح ما أفسدته عشريات سابقة من الحكم المطلق، أهدرتها الحكومات المتعاقبة بين 2011 و2021 في محاولة للتمكين للجماعة الحاكمة ولتأسيس نظام حكم زبوني يستجيب في جانب منه الى التمثيلية الشكلية البرجوازية ولا يمت بصلة لحاجيات عموم الناس.

وفي سبيل التمكين للجماعة الحاكمة تم التخطيط والتنفيذ لتفكيك الدولة واضعافها بطريقة ممنهجة انتهت إلى تفخيخ المرافق العمومية وجعلها نسخا مصغرة لبرلمان المهرجين الذي سئم التونسيون متابعة فصوله الدرامية، وصولا إلى 25 جويلية 2021 حيث أنقذوا من هبة شعبية كانت ستضع تونس في وضعية شبيهة بسيرلانكا في ماي 2022، حيث أدت الانتفاضة الشعبية هناك إلى مقتل عدد من المواطنين والنواب والمترفين كما أسفرت عن استقالة رئيس الحكومة تبعا لأحداث العنف في البلاد.

رغم هذا التدخل الدستوري لرئاسة الجمهورية في سبيل المحافظة على السلم الأهلي وإعادة المبادرة إلى المجال السياسي ومنح التونسيين فرصة إعادة بناء جمهورية كانت على وشك الفشل، الا أن الجماعة استبسلت في الدفاع عن غنيمتها وحركت في سبيل ذلك مجموعاتها هنا وهناك تارة من أجل طلب الحوار وطورا من أجل المطالبة بالعودة الى “الشرعية”، هي ذات الشرعية التي استمات القوم في الدفاع عنها بعد اغتيالين سياسيين في أقل من 6 أشهر لأثنين من أبرز وجوه النضال الديمقراطي الشعبي منذ حقبة ما قبل 2011 وما بعدها شكري بلعيد ومحمد البراهمي. قبيل ذلك ببضعة أشهر، تم توثيق الاعتداء الاجرامي على المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل من طرف الجماعة وميليشيتها المسماة “روابط حماية الثورة” وذلك بينما كان النقابيون يستعدون للخروج في مسيرة لأحياء ذكرى استشهاد القائد النقابي فرحات حشاد بتاريخ 04 ديسمبر 2012.

على الرغم من جنوح التونسيين إلى السلم ومحاولتهم المرور إلى جمهورية ديمقراطية اجتماعية تتسع للجميع عن طريق أكثر الاليات ديمقراطية الا وهي الاستفتاء، فإن هذا الحلم يواجه صعوبات موضوعية وذاتية. أول هذه الصعوبات مصدره العلاقة المعقدة التي أنتجتها انتخابات 2019 بين الرئيس قيس سعيد والاعلام، فلقد كان الاعلام أكثر قربا للحكومة منها إلى الرئاسة وقد أدى ذلك لخلق أسلوب جديد للرئاسة في التعاطي مع الاعلام. أصبح الاعلام إذا طرفا غير محايد في نقل وتحليل المعلومة مما يمكن أن يؤثر على جزء من الناخبين، اما النشيطين (الذين سيشاركون في الاستفتاء دون منح الثقة لمسودة الدستور الجديد) أو المقاطعين.

أما العامل الثاني والذي لا يقل أهمية عن سابقه فهو الاعلام الأجنبي الذي يفتقر في غالبه إلى نظرة دقيقة عن الأوضاع ومن ناحية أخرى فإن الحملات التشويهية التي قام بها بعض وجهاء الجماعة في المهجر لم تلقى سوى ردود واسعة من قبل مواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي وليس من قبل وسائل اعلام مما سهل استقرار السردية المناهضة لمسار 25 جويلية، في أذهان عديد المراسلين الأجانب.

هناك صعوبة بالغة تكمن في توتر العلاقة بين الرئاسة والاتحاد العام التونسي للشغل على خلفية عدم رضى الأخير عن شكل الحوار وطريقة ادارته وضرورة دعوة الأحزاب لحوار “حقيقي” يخرج بالبلاد من حالة التخبط. لكن المثير للانتباه في هذا الصدد هو رفض المنظمة الشغيلة القاطع أن يتم استعمالها أو التخفي وراءها من قبل ما بات يعرف بـ”جبهة الخلاص” كما أكدت المنظمة في عديد المناسبات رفضها القاطع للعودة الى ما قبل 25 جويلية وبأنها لا تنوي عرقلة مسار الاستفتاء رغم أنها لا تود مباركة مشروع الدستور قبل الاطلاع عليه.

يبقى الاضراب العام المقرر ليوم الخميس 16 جوان 2022 التحدي الأكبر دون أن ننسى أنه لا يتعلق بالاستفتاء، بل بالمفاوضات المتعثرة مع الحكومة حول عدة نقاط من أهمها الإصلاحات التي تعهدت الحكومة بتنفيذها أمام صندوق النقد الدولي. وهنا تكمن الصعوبة الرابعة ألا وهي ثقة جزء من الناخبين السياديين في المشروع الجديد، فهذه الفئة من الناخبين تنتظر القطع مع سياسة التداين والارتهان للأجنبي والمرور نحو جمهورية الاقتصاد المنتج، أية رسالة تبعث بها حكومة الرئيس الى هؤلاء المساندين لمسار 25 جويلية وهي تصر على اجراء “إصلاحات” عادة ما فشلت الحكومات حول العالم من تحويلها الى إنجازات، بطريقة أحادية ودون الاستماع الى الشريك الاجتماعي الأول والمنظمة الوطنية الأكثر حرصا على استمرارية الدولة.

في الأخير وقد اطلعنا على بعض فصول نشرتها جريدة المغرب بتاريخ 15 جوان 2022 تقول الجريدة أنها مسودة للورقة الاقتصادية والاجتماعية للدستور الجديد فإننا نلاحظ جهدا محمودا في اتجاه تأسيس دستور أكثر عدالة ومسؤولية تجاه الدولة والمجتمع والبيئة ونعتقد أن الجمهورية الجديدة تشق طريقا صعبة ومحفوفة بالمخاطر إلا أننا نلمس وعيا اجتماعيا كبيرا بضرورة المرور الى فصل جديد من تاريخ البلاد وعدم المجازفة بإلقائها في المجهول، سيما وأن ملامح الدستور الجديد تبشر بإمكانية إرساء جمهورية ديمقراطية اجتماعية أكثر عدالة ومساواة. 

Skip to content