مقالات

الحقوق الاقتصادية للنساء بين التشريعات والسياسات

لمياء بوزيان
صحفية

منذ ساعات الفجر الأولى تنطلق رحلة الحياة اليومية لجميلة ورفيقاتها إلى العمل ولا يعدن أدراجهنّ إلا قبل غروب الشمس بقليل، محطات حياتهن ممزوجة بالتعب والأرق الجسدي والمعنوي لأنهن لم يرين من لذة الحياة سوى أسلاك الحلفاء التي باتت رفيقة دربهن والتي رسمت على أناملهن تقاسيم الألم والوجع أعين دامعة يملؤها الحزن الممزوج بالأمل، وجوه أنهكتها لفحات الشمس الحارة، بنية جسدية ضعيفة ولكنها تحمل أحزاما من أسلاك الحلفاء الحادة، هن لا يثنيهن المرض ولا التعب ولا حتى الخوف من الألغام ومن الإرهابيين في الجبال الشاهقة، همّهن الوحيد جمع أكثر ما يمكن من أكداس الحلفاء لتامين قوت اليوم ومستلزمات الحياة البسيطة واستمرار عملهن مع المؤجر الذي يتسلم عنهن باقات الحلفاء مقابل أبخس الأثمان.

جميلة كغيرها فهي الزوجة العاملة والأم الحالمة، التي تسعى لإسعاد أطفالها فهم أمل المستقبل الذي سيريحها يوما من خدوش الحياة القاسية.

التشغيل الهشّ وغياب الحماية القانونية 

ليست جميلة حالة فريدة في قرى تونس، شبيهاتها كثيرات أيضا في المدن والعاصمة يجمعهن التشغيل الهشّ وغياب الحماية القانونية والهشاشة الاقتصادية، فإنه من غير الخافي على أحد وبالعين المجردة أنّ النساء قوة عاملة تعيش الاستغلال والاضطهاد.

ويقول تقرير الأمم المتحدة حول الفجوة بين الجنسين الذي صدر مؤخّرا أن “منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنّ 20.5 % من النساء فقط يشاركن في القوى العاملة. وتشير التقديرات إلى أن 33% من النساء في المنطقة يشاركن في العمالة الهشة مقارنة بنسبة 23% للرجال، وتمثل المرأة تمثيلا زائدا في المهن ذات الأجور المتدنية بينما يوجد عدد قليل جدا من النساء في المناصب العليا في المنطقة.

” هكذا شخّصت” الأمم المتحدة السياق الإقليمي الذي تعدّ تونس جزءا منه، وأمام استفحال وضع الهشاشة وضغط المجتمع المدني، احتضنت تونس، قبل عام، التظاهرة الدولية للتمكين الاقتصادي للمرأة. وتتبنى قائمة من الخطط والاستراتيجيات ما يزال أثرها في أرض الواقع أكثر من ضعيف.

وتضمن موقع وزارة المرأة التونسية الرسمي إستراتيجية وطنية لدفع المبادرة الاقتصادية النسائية الرائدة، وإستراتيجية وطنية للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات في المناطق الريفية. إضافة إلى قائمة واسعة لخطط مكافحة العنف ضد المرأة.

العاملات في القطاع الفلاحي ضحايا وبعد …

العاملات في القطاع الفلاحي كغيرهنّ من الفئات الهشة كنّ أيضا ضحية الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي شهد أزمات كبيرة ومتواصلة خاصة ما بعد 2011 نتيجة تعمّق الفوارق الاجتماعية وارتفاع نسب الفقر والبطالة والهشاشة في المناطق الريفية لتكون هذه المؤشرات أكثر وقعا على المرأة العاملة في الوسط الريفي في غياب إرادة سياسية لحمايتهن رغم كل الدعاية الإعلامية ورغم أن وضعية المرأة وحمايتها من كل أشكال الانتهاك والاستغلال كانت عناوين لوعود انتخابية وتنافس سياسي دون أثر فعلي ملموس لدى هذه الفئات …

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بريق أمل

نزّل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قضية الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي ضمن تصور عام للدفاع عن منوال تنموي بديل يكون أكثر عدالة وإنصافا للجهات والفئات الهشة وخاصة النساء في الوسط الريفي ويعطي دورا استراتيجيا أكبر للقطاع الفلاحي فأطلق سنة 2013 مركز الإنصات بالقيروان والذي ساهم ميدانيا، على امتداد 3 سنوات من العمل، في الدفاع عن العاملات وإيصال صوتهن وإيقاف الانتهاكات بحقهن والعمل على التمكين الاقتصادي لهن كما سلّط الضوء على ظاهرة حوادث المرور التي تتعرض لها النساء. ويواصل العمل إلى جانب شركائه في مناصرة كافة قضايا المرأة

العاملات في القطاع الفلاحي يعملن خارج النطاق الرسمي للقانون. ولا يتم تسجيلهن وتنظيمهن وفق تشريعات العمل التونسية. ولا يتم في الغالب تسجيلهن في منظومة الحماية الاجتماعية، لأنهن ينتمين إلى قطاع اقتصادي غير منظم، ويعانين من تدني الأجور، وعدم الاستقرار الشغلي ولجوؤهن إلى هذا القطاع رغم كل الانتهاكات هي إجابة على فشل الاقتصاد الرسمي في استيعابهن، وفشل التشريعات في حمايتهن رغم الترسانة القانونية المهمة، وآخرها القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة…

منظومات توزع الوهم لترسيخ الفقر

وفي ظل هذه الظروف يصعب الجزم بأن منظومة «احميني» المقترحة لتمكين النساء العاملات في الوسط الريفي من الانتفاع بالتغطية الاجتماعية رغم البروباغندا التي رافقت إطلاق هذه الحملة أن تكون الإجابة الحقيقية لكل هذه الانتهاكات وبوابة مرور نحو التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة.

فالمرأة في حاجة إلى آلية عملية وفعلية ملموسة نابعة من حاجيات هذه الفئات الاجتماعية الكادحة للكرامة والحقوق المكفولة دستوريا. وهذه المنظومة تلامس جانبا واحد وهو التغطية الاجتماعية وبإجراءات فيها الكثير من البيروقراطية وغير متاحة لجميع النساء اللواتي لديهن انتظارات أكبر من الدولة.

وضعية المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وحجم الانتهاكات أثبت أنّ القوانين وحدها قاصرة لحماية هذه الفئة الهشة ومحاولات معالجة الوضع فقط باقتراح مشاريع قوانين مثل القانون المتعلق بإحداث صنف نقل العملة الفلاحيين هو مواصلة في نفس التمشّي المنقوص الذي سبق وأن انتقدنا الحكومة فيه.

إن المنوال الاقتصادي الحالي يهمش النساء اقتصاديا واجتماعيا ويجعلهن من الفئات الهشّة رغم الدور الطلائعيّ للمرأة التونسية في الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء، وفي الحركات الاجتماعية والمدنية.

إن الإرادة السياسية الغائبة ترى في حقوق النساء والمساواة مجرد إجراءات وقوانين وشعارات لا تلقى في أغلبها طريقا للتطبيق مادامت لم تترجم إلى سياسات تكرّس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء. لابد أن ينطلق تحسين وضعية المرأة في القطاع الفلاحي من مراجعة عميقة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية ومن تصوّر أفضل لدور الفلاحة في الاقتصاد الوطني وتمكين اقتصادي للمرأة في الوسط الريفي وإرادة سياسية في تفعيل القوانين وردع المخالفين والمنتهكين لحقوق العاملات في القطاع الفلاحي.

واقع العاملات في القطاع الفلاحي بسيدي بوزيد

ففي دراسة حول العاملات في القطاع الفلاحي بسيدي بوزيد للجمعية التونسية للحراك الثقافي أكّدت أنّ نسبة الأمية لدى الريفيات تجاوز 84 % من مجموع الأميّات بالولاية وهو مؤشر على وجود أرضية خصبة للانتهاكات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف حقوق المرأة، وتتوزع النساء العاملات في القطاع الفلاحي بين عاملات مساعدات دون أجر في إطار الفلاحة العائلية 57،9 %ولا تمثل باعثات المشاريع الفلاحية سوى 4،07 % وهو ما انعكس على توزع نسبة الفقر بسيدي بوزيد والتي فاقت المعدّل الوطني

وتطرح قضية الأمومة والحقوق التي تنتهك في حق الأم والطفل والأسرة.

إنّ المسؤولية ملقاة على الحكومات لحماية حقوق المرأة العاملة التي يضمنها الدستور والاتفاقيات الدولية وذلك باعتماد آليات ومقاربات ميدانية تكشف بما لا يدعو مجالا للشك أنّ المرأة الريفية تداس حقوقها وتتعرض إلى انتهاكات صارخة في ظل غياب إجراءات ردعية واضحة  

Skip to content