مقالات

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تبقى جوهر معاركنا المنسيّة والمغيبة

ما وراء خطوط الاشتباك السياسي والدعائي، السرّ يقبع في "مملكة الصّمت الآمنة" أمامها تخرس كلّ المتاريس

خليفة شوشان،
صحفي.

ونحن على مسافة أقلّ من شهر ونصف على موعد إجراء الاستفتاء على ما أسماه رئيس الجمهوريّة الممسك استثنائيا بكلّ السلطات “مشروع دستور الجمهورية الجديدة”. وهو الموعد الذي سيكون الوصول اليه، أو قطع الطريق عليه، عنوان المعركة الحاسمة في الساعات والأيام القادمة. وستكون نتيجته محددة في رسم مستقبل البلاد، فإما نجاح يمنح سعيّد صكّ عبور  إلى استكمال مشروعه مسنودا بشرعيّة شعبيّة، أو فشل وانتكاسة تقصم ظهره وتمنح معارضيه فرصة لاستعادة المبادرة وتغيير موازين القوى لصالحهم واستعادة المبادرة بما يسمح لهم في الأدنى بالجلوس إلى طاولة الحوار مرة أخرى، وربّما إملاء بعض شروطهم على الرئيس. لكن في كلّ الحالات ومهما كان المنتصر والمهزوم فإن نتائج حرب المسارات المتصارعة ستطبع بخدوشها وٱثارها وجه تونس المستقبل وتحدد مصير البلاد والعباد لسنوات وعقود قادمة.

خوف، وتوجس وتشتيت للانتباه وحرب دعائية مفتوحة على كل الجبهات 

وسط هذا الخضمّ الغامض، والمعركة التي تجنّد لها كلّ الطاقات وتعبأ الامكانيات ويعلن كل طرف النفير العام، تسود حالة من الخوف والتوجس الجماعي،  تزيدها ماكينات القهر الدعائي المكثّف والمركّز في الأيام الأخيرة رعبا، بعد أن بلغت حرب البروباغندا مستويات غير مسبوقة منذ الثورة سلاحها الاشاعات والتشهير والتشويه والتحريض بكل أساليب الانحطاط الأخلاقي والقيمي وبات معه كلّ شيء مستباح وهدف للتصويب والقنص والنسف بما في ذلك المشتركات الوطنيّة. قصف على مدار الساعة يشلّ التّفكير بقدر ما يثير القرف وحنق الرأي العام الذي يسعى المتصارعون إلى حشرهم في زاوية الاختيار بين المعسكرين وفرض قواعد اللّعبة السياسية عليهم بحسب ما تتطلّبه مصالحهم وامتيازاتهم وأهدافهم. وسط ميادين الاشتباك اليومي يسترعي انتباه القلّة القليلة من الناجين من نيران الرعب و الاستقطاب الثنائي وتشتيت الانتباه، حالة من الهدوء والصمت المطبق في بعض الجبهات إلى درجة يتهيأ لنا أنها “ممالك ومناطق نفوذ آمنة منزوعة السلاح” لا يمكن الاقتراب منها أو التجرّؤ على التصويب نحوها باتفاق كلّ الأطراف المتقاتلة. ففي حمّى الصليات (الطلقات المكثفة والمتواترة) الدّعائية الموجهة من كلّ المتاريس صوب (المركبات) الداخلة أو الخارجة من “المنطقة الخضراء” أو لنقل بأكثر وضوح المنظمات المشاركة أو الرافضة لحوار “قصر الضيافة” الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين ممثلة في عميدها والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد العام التونسي للشغل الرافض للحوار رغم إعلانه الحياد والحسم في مسار 24  جويلية وجبهته الخلاصيّة.

مملكة الصمت الٱمنة التي يهابها الجميع

يفاجؤنا الصمت المطبق عن مشاركة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصيد البحري “منظمة الأعراف” وأرباب العمل والجمعية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية وتحييدها من القصف الدعائي من جميع الجبهات المتقاتلة ومن صليات مدافعها ورشاشاتها ومتاريسها المنتصبة في الخنادق المتقدمة وسط الأحزاب والمنظمات والجمعيات ومن منصاتها وراداراتها الإعلامية والدعائية بكلّ محاملها الأرضية والفضائية والبرمائية الثابتة والمتنقلة والمثرثرة بلا توقف.

أمر لا بدّ أن يستوقفنا لفهمه لعلّنا نظفر بتفسير لفهم جوهر الرّهان في هذه المعركة المفتوحة. الجواب في نظري أكثر من بسيط ويعكس فعلا حجم البؤس والنفاق في المشهد السياسي وحدود هذه الحرب الطاحنة ونتائجها المتوقعة. لعلّ نبذة سريعة عن طبيعة هذه المنطقة الآمنة المستثناة من القصف، قد يفسّر لنا جزء من الأحجية. فلا هي بــ”الأماكن المقدسة” و”دُور عبادة” ولا “متاحف أثرية” مدرجة في التراث العالمي ولا هي بــ”المستشفيات” ولا “مراكز حيوية” ولا هي بــ “المحميات الطبيعية”، هي “مملكة الصمت الٱمنة” لأصحابها عائلات “الريع الاقتصادي والمالي” ملّاك البلاد الّي ماهمش كرّاية طارئين على العاصمة” وورثة الغزاة العثمانيين والفرنسيين، أمراء السّلم والحرب ومن يديرون المعارك السياسية ويضبطون حدودها وقوانينها ومآلاتها وايقاعها وأشكالها وألوانها وراياتها وطبولها وبناديرها الاعلامية الدعائية، والمتحكمّون في البلاد منذ أكثر من سبعة عقود.

هذا المحفل الذي يضمّ أباطرة المال والأعمال والذي بيده أعناق السياسيين و”مهبى” الإعلاميين وغنائم الحقوقيين وأرزاق التونسيين يقسمونها بمقادير كلّ حسب ما يبقيه ذليلا طيعا ومن كلّ حسب قدرته على الطاعة والتزلّف والنفاق وتقديم فروض الطاعة والولاء، وحكمتهم التليدة المتواثة ضبط معادلة الحكم “حتى لا تجوع ذئاب السلطة ولا يشتكي الرعاة الوسطاء ولا ينفق القطيع جوعا أو قنصا”. هكذا حكموا البلاد والعباد وهندسوا الحكومات. بل لعلهم أكثر من يفهم السياسة على أصولها خارج مثالية المبادئ وبوصفها ادارة مصالح من خلال المناورة لضبط واعادة ضبط موازين القوى والتحكم في اللعبة. وافضل من يتقن لعبة الشطرنج وتحريك البيادق على رقعتها لحماية المُلك والملِك من نزق “العامة” من الشعب الذين لا يكفّون منذ عقود عن التطلّع إلى لحظة “الكش ملك” وآخرها يوم 14 جانفي 2011.

العشاء مع سعيّد ومصاحبة السلطة أدسم

الصلاة وراء الشيخ وحوارييه من المعارضة أسلم

هذا “المحفل الاقتصادي المالي” عوّدنا أنه لا يضع بيضه أبدا في سلّة واحدة بل لعلّة من يصنع السلال ويوزعها. وتاريخ كلّ المنعرجات السياسية في البلاد يشهد بذلك من الصراع البورقيبي مع البايات مرورا بالصراع اليوسفي البورقيبي وبانقلاب 7 نوفمبر وصولا إلى ثورة 17/14 المغدورة. التكتيك أكثر من بسيط ومعلوم لمن لم تخنهم البصيرة قبل البصر، شعاره “الأكل مع سعيّد أدسم والصلاة وراء الشيخ أسلم”؛  تبعث بالسيّد سمير ماجول ممثل “الريع الاقتصادي” وبالسيد أحمد كرم ممثل “الريع المالي/ البنكي” للحوار مع السلطة القائمة/سلطة الأمر الواقع، فلا تعنيهم التوصيفات للسلطة “انقلابية” أو “دكتاتوريّة” أو”فاشيّة” فهي تفاصيل تقتضيها السياقات. مهمتهما الرئيسية تأمين أكثر ما يمكن من مصالحها المادية الدسمة.

وفي الوقت نفسه ولتجنّب كل المفاجآت الطارئة والاحتمالات غير المرغوب فيها مع “شخصية سياسية” من “قماش” مختلف، تتربّع على رأس السلطة – قادتها حساباتهم الخاطئة وفي غفلة منهم للوصول إلى مواقع القرار – ولمزيد تحصين “المملكة” اطلاق جميع جيوشها الاحتياطيّة “فرقها الخاصة عالية التدريب” الذي ادخرتها وسمّنتها وأعدتها لمثل هذا اليوم من الأذرع السياسية والجمعياتية والحقوقيّة والإعلاميّة للضغط على نفس “السلطة القائمة” التي تأكل على موائدها للتوقّي من “الانقلاب العنيف” وتحسين شروط هيمنتها السياسية منها والدستورية والقانونية.

هل يحدث أن تشهد هذه المنظومة عالية الدقة والتعقيد خللا قد يغيّر قواعد اللعبة نهائيا؟ الأمر يتوقف عادة على انضباط اللاعبين وحسن أدائهم لوظائفهم، وعلى قدرة “المحفل” على حسن تحريك القطع وعلى الصبر وعدم الارتباك.

“المعلّم الكبير” يتدخّل، فشل الوكلاء وخروج “جينجا زومبي” عن السيطرة

لكن في أسوإ الحالات سيتدخل “المعلّم الكبير” على قول المرحوم الباجي قائد السبسي أحد أهمّ الفرسان الذين خسرتهم “المحفل”. وقد تدخّل عندما عجز “الوكلاء” في معركة تحشيد الشوارع وجمع شتاتهم، ومع الفشل الذريع لكل الأذرع الاقتصادية والمالية والحزبية والحقوقية والإعلامية ودخولها في حالة هستيريا وتعرّي جماعي وانكشاف غير مسبوق وعزلة شعبية في مواجهة خصم عنيد وغامض وغير تقليدي لا يقبل التراجع والصفقات والمساومة، أقرب إلى “الزومبي السياسي” ليس بالمعنى الهوليودي المشوه وإنما بالمعنى التاريخي لقصة “القائد جينجا زومبي” الإفريقي مؤسس دولة العبيد الأحرار في البرازيل ضد الاستعمار البرتغالي.

“المعلّم الكبير” يتدخل بوجه مكشوف عندما اختلت موازين القوى وأصبحت المؤشرات تنذر بإمكانية خروج اللعبة عن السيطرة. تحرّك “القناصلة” في تذكير بأسوأ الحقبات في تاريخ تونس، ومرّ السيد “أندريه باران” سفير فرنسا والراعي الرسمي “للريع الحداثوي” وصاحب الخبرات في لبنان ومصر ووريث “أوليفيي بوافر دارفور” شهر بين التونسيين “الزيتوني” الى السرعة القصوى يحمل جرح فرنسا التي خسرت بلا مقدمات “مجندتها” المتقدمة في القصر “نادية عكاشة” التي تمّ عزلها لتلتحق بعشرات المجندين الفاشلين الذين سحبوا من الميدان إلى باريس. وتعزز التدخل بوصول السيدة “ناتاشا فرانشيسكي” القائمة بأعمال السفارة الأمريكية مددا، وهي الفاتنة صاحبة الضحكة الٱسرة والخبرات في ادارة النزاعات الإقليمية في “القوقاز” و”اسلام أباد” و”نور سلطان” و”ساراييفو” و”وموسكو” و” شبه الجزيرة العربية” ومن ينسى بصماتها في سفارة بغداد زمن “بريمر”، وفي حلف الناتو وعلاقاته مع حلفائه من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

الهاربون من وجه قضيّتهم بين “المسبغة” الطبقية و”البشمة” الحقوقية

 بعيدا عن كلّ محاولات التضليل والإلهاء وقنابل الدخان لحجب الأهداف والتمويه، المعركة الحقيقية في البلاد اليوم وبالأمس وغدا والتي يتمّ تأخيرها والانحراف بها باستمرار منذ الثورة تبقى اقتصادية واجتماعية أساسًا وحسمها هو الذي سيحدّد طبيعة كلّ “البنى الفوقية” التي ستنتجها السياسية منها والدستورية والقانونية والحقوقية وحتى الثقافية، بطبيعة الحال لا أتحدث هنا تبنيا للمنهج المادي الجدلي الذي حدّدته “الماركسية الكلاسيكية” والذي هجره أصحابه الأصليين هروبا من “مسغبة” “الصراع الطبقي” وصداع الجدل حول الثورة البروليتارية التي ستفجّرها الطبقة العاملة بقيادة حزبها الثوري، إلى “بشمة” الصراع الحقوقي و”بطنة” وسخاء المانحين الدوليين و”متعة” الطبقات المخمليّة بعيدا عن عرق العمّال ومزاجهم الشعبوي، ليس هذا “براديڨم” تحليلي فلا السياق ولا الأدوات ولا الوعي الشّعبي والطبقي يسمح بها ولا المتصارعون السياسيون يتبنونها ولا موازين القوى الدولية تحتملها. بل أوشك أتحدّث في مستوى الأقصى الممكن موضوعيا وواقعيا اليوم في تونس المعلقة على كلّ الحبال، وبعيدا عن الإرادوية والطفولية الثورية.

في الحدّ الأدنى الإجتماعي

جوهر معاركنا المنسيّة والمغيبة

هي بكل بساطة معركة دفاعيّة للحفاظ على المتبقي من دور الدولة التونسية الاجتماعي وضمان الحدّ الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي سعت وتسعى “منظومة الريع” وحلفاؤها في الصناديق المانحة الدولية ووكلائهما بكل ألوانهم وعناوينهم المكشوفة إلى قبرها نهائيا مستغلة ذروة الأزمة الاقتصادية الهيكلية التي بلغها “المنوال التنموي” -وهي أحد أسبابها- وعجز المالية العمومية، وعزلة رئيس الجمهورية الداخلية والخارجية وضعف حكومة “تصريف المرحلة الاستثنائية” وفقر خيالها المحكوم والمكبل بالبيروقراطية والتقنية الفجّة والمطحونة بين تركة العشرية الكارثية والخطاب الرئاسي التبشيري وابتزاز المانحين الدوليين.

هي في رأيي أم المعارك التي يجب الانتباه إليها اليوم وعلى الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الوحيدة المتبقية والقادرة على المنازعة والصمود وخوض المعارك الحقيقية التفرغّ لخوضها بكل قواه بعيدا عن ألغام الجبهات المتقاتلة وعن كلّ الفخاخ السياسيّة المنصوبة لاستدراجه للتمرغ في وحل معاركهم الصغيرة والمقرفة. والمبادرة بتوحيد المتبقي من فلول القوى الديمقراطية والاجتماعية التي لم تتلوّث بمعارك الوكالة وتمكنت من النجاة من ماكينة السحق والفرم والتفجير الجهنمية ومن ألغام التوظيف والانحراف الليبرالي طيلة العشرية. أؤكد مرة أخرى أنني أتحدّث من داخل المنظومة الليبرالية المشوّهة السائدة والمهيمنة والتي تمكنت من السطو على الثورة وتوجيهها واستغلالها والتي يدافع عنها ويستفيد من فتات موائدها جلّ الفاعلين السياسيين رغم إنكارهم وادعاءاتهم وبقطع النظر عن اختلاف عناوينهم السياسية النهضة بكل فروعها، والنداء بكل مستنسخاته والتجمع في نسخته الفاشية ومجمع القوى الوسطية الديمقراطية الفاشل والمعزول شعبيا بكل انتهازيته وتلون قياداته، وأغلب الجمعيات “الملبرلة” والمعولمة” والمرتهنة لتمويلات الجناح المالي والحقوقي لهذه المنظومة داخليا وخارجيا. معركة تتطلّب في الحدّ الأدنى وفي شروطها الاقتصادية الدنيا “تحرير المنافسة” وإزالة امتياز “الرخص” لكسر حلقات الريع الذي تستفيد منه كمشة من العائلات المتنفذة التي تجد تمثيليتها في منظمة الأعراف وجمعية البنوك، وضمان نظام سياسي ديمقراطي يحقق وحدة الدولة والفصل بين السلطات والتوازن بينها ويضمن جميع الحقوق والحريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بعيدا عن المغامرات والمشاريع المشتهاة.

مرّة أخرى لتفرز القوى التوافق المستحيل، والتعايش الممكن والحسم الضروري

لكن مع تشابك جبهات الصراع وتقاطعها وأمام تعقد المعارك واختلاط خطوط التماس ومساحات الهدنة والهدنة وتضارب الأهداف التكتيكي منها والاستراتيجي وترنح المبدأ يبقى من المهم تحديد مقاييس الفرز الرئيسي منها والثانوي بعيدا عن سعار المصالح الضيقة والولاءات الفاسدة والأطماع الذاتية والزعاماتية المرضية وتوزيع الأدوار، وإعلان نهاية مرحلة بكلّ بؤسها وخيباتها على قاعدة التعايش الممكن رغم التناقضات والتوافقات المغشوشة المستحيلة، وعلى هذا الأساس من الضروري الإشارة بكلّ وضوح أن المعادل الموضوعي السياسي للدفاع عن استمرارية “منظومة الريع” وإعادة انتاجها بكل أشكالها الاقتصادية والمالية وبأذرعها السياسية والحقوقية والإعلامية الفاسدة وغير القابلة للإصلاح والرسكلة هو الدفاع المستميت عن وعي أو دون وعي على “انتقال ديمقراطي مسخ” كرّس الديمقراطية الشكلية والزبونية السياسية والمشهدية الإعلامية والتفريط في السيادة الوطنيّة. ودفع المواطن التونسي المطحون تحت عجلة نفس المنوال التنموي الفاشل الذي أورثه الفقر والجهل والمرض و”الحڨرة” والبطالة وانعدام الأفق إلى الكفر بكلّ شعارات الديمقراطية والحقوق والحريات ويحتقر المتاجرين بها في الوقت الذي يسكتون فيه ويبلعون ألسنتهم عندما يتعلّق الأمر بـ”المفرمة” الاقتصادية والاجتماعية واحتكار بعض العشرات من العائلات الريعية المتنفذة في “مملكة الصمت” أكثر من ثلاثة أرباع الثروة الوطنية برا وبحرا وجوا. قد يكون من الممكن التفكير في امكانيّة الاقتصاد في الجهد واختزال الزمن في التاريخ بالتقاطع مع مسار قيس سعيّد ومنحه جرعة من “الذكاء” الاستراتيجي والتجويد التكتيكي والتأصيل المبدئي الواقعي بعيدا عن الشعبوية والتبشيرية، مع عدم الاطمئنان وملازمة الحذر من صمت سعيّد وحكومته وربما تواطؤهم قناعة أو باسم الإكراهات أو تحت الضغط مع نفس هذا المحفل الاقتصادي المالي. والتنبه جيدا إلى فرضية أن يكون هذا الصمت عنوان صفقة لاستمرار هذه الزيجة المشؤومة بين “القوى الصلبة الاقتصادية والمالية” من عائلات الريع و”القوى الصلبة العسكرية والأمنية” وأنّ سعيّد ليس سوى الأداة المخدرة للشعب لمباركة هذه الزيجة وربّما الدفاع عليها ثقة فيه. زيجة غير مباركة ستعيد إنتاج نفس أنظمة البؤس ولن تنتج إلا مزيدا من الفشل والخيبات واستمرار سيطرة هذا المحفل على البلاد لكن بأذرع جديدة بعد التخلص من الأذرع القديمة لانتهاء صلاحيتها وقدرتها على النجاح في وظيفة “المناولة” وإقناع الجمهور العريض بحكمة المغفلين الفانين الذين سبقوهم بأن  “كل ما هو عقلي واقعي وكل ما هو واقعي عقلي” على قول الفيلسوف هيڨل.

Skip to content