مقالات

الصحة والقضاء والعطالة الحكومية : فيما يمكن اصلاحه وما لا يمكن

عبد الكريم الشابي

كنا قد انطلقنا في تحليل وضع الحكومة من خلال وضعية رجال ونساء القضاء المضربين زهاء الثلاثة أسابيع تبعا لوفاة القاضية الشابة سنية العريضي نتيجة لجشع المؤسسة الاستشفائية الخاصة، والتي رفضت التكفل برعايتها في الابان وكذلك نتيجة اهمال وزارة الصحة بشكل خاص والحكومة عموما لهذا الملف الشائك ألا وهو صحة المواطنين ومدى التزام الدولة بتوفير أسباب الرعاية المتكافئة والحافضة لكرامة عموم أفراد الشعب. وما لبثنا الا وصعقنا خبر وفاة الطبيب الجراح الشاب بدر الدين العلوي ابن 26 ربيعا، أيضا بسبب اهمال مفرط طال لسنوات انجاز أعمال غاية في البساطة مثل صيانة مصعد المستشفى الجهوي بجندوبة حيث كان يعمل فقيد الواجب.

كم يعجز التعبير عن مدى تأثرنا بهذا الفقدان، ولكن الأدق أن نقول كم هو هائل ومروع أن نقف أمام حكومة تعتبر نفسها معنية باستمرارية الدولة في بعض الملفات ولكنها تدير ظهرها إلى الاصلاحات الضرورية والعاجلة حين يتعلق الأمر بالحقوق الأساسية للمواطنين، متعللة بعدم القدرة حينا وضاربة عرض الحائط بمصالح الناس أحيانا، مثلا حين تختار مع من تتفاوض ومع من لا تتفاوض. كم نتفهم المطالب القطاعية التي تنجر عن مثل هذه الحوادث الأليمة وكم لا يليق أن نعهد بالملفات الى لجان تحقيق لم يعد المواطن التونسي يجد إلى تصديقها سبيلا.

كم أن هذه المؤشرات خطيرة و تعني فيما تعني تخلي الدولة عن جزء هام من دورها أي تأمين مرفقي الصحة والقضاء والتسليم للقطاع الخاص خاصة في مجال الصحة والتسليم لحكم العصابات والكارتيلات فيما يخص القضاء.

إن هذا السلوك اللامبالي والمختبئ خلف الأصابع لا يعني سوى عطالة في مستوى التصورات، فالمشاكل جلها، إن لم يكن كلها، تتطلب شجاعة وحكمة قبل أن تتطلب موارد مالية. فالقاصي والداني يعلم مدى الاهدار للمال العمومي كما يعلم الجميع أنه يمكن محاصرة الاهدار وعصرنة الادارة وتحفيز المعنيين على الجهد والبذل في سبيل تأمين مصير مشترك أفضل. أما أن يطلب من فئات بعينها أن تضحي مرارا وتكرارا وأن يتم هذا باملاءات من صناديق صانعة للافلاس الدولي في اتجاه التشجيع على انهاك ما تبقى من الدولة الوطنية الاجتماعية والتفويت فيها لصالح المؤسسات العابرة للأوطان، أما هذا فأمر جلل وجب على الجميع أن ينتبه إليه قبل فوات الأوان.

أن يكون الأوان قد فات لانقاذ كل الضحايا الذين فقدناهم نتيجة للجشع والالتزامات الجوفاء للمانحين والداعمين والدائنين، ونتيجة الحسابات السياسية العرجاء، فهذا لا يعني ألا نحاول اصلاح الأمور وتخليد ذكراهم جميعا بأنهم أسهموا في حياتهم كما في موتهم في تغيير بعض الأمور. أتحدث عن ذكرى بدر وذكرى سنية، وأيضا ذكرى ضحايا البالوعات وذكرى ضحايا عمليات السلب القاتل والتلاميذ ضحايا الرحلة المدرسية وعن العاملات في القطاع الفلاحي ضحايا القوت اليومي وعن كل من فقدناهم نتيجة الاهمال والعطالة المبرمجة. فاما أن يتحمل كل مسؤوليته أو أن يعتذر أمام الشعب عما لم يستطع فعله وأن يكشف اللوبيات التي منعته إن وجدت. أما مجرد الاستمرار على أمل مرور العاصفة فهو مهرب لن يزيد الأمور الا تعقيدا ولن يجعل من الحركات المقبلة الا حركات أكثر راديكالية قد تكون هي من ترفض التفاوض مستقبلا.

قد يتحجج البعض بأن الحكومة ليست سياسية وعليه فإنها لا تستطيع المضي قدما في عملية الاصلاح وللاجابة عنهم نقول :

أولا الحكومة سياسية بما أنها تتمتع بحزامها السياسي البرلماني الواسع كما اريد لها وعليها اذا الايفاء بتعهدات السادة النواب أمام ناخبيهم أو على الأقل مكونات نواب حزامها السياسي.

ثانيا، وبما أننا في نظام هجين يتمتع فيه البرلمان بالقدر الكبير من السلطة فنحن نتساءل ما الذي يفعله البرلمانيون حين لا يتشاجرون؟ هل فكر المواطنون في الاحتجاج أمام مقرات الاحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية في دوائرهم؟ كجزء من ثقافة المساءلة التي وجب ترسيخها وربما بممارستها سيتمكن السادة النواب من توجيه الحكومة التي صادقوا عليها الى خدمة الصالح العام والخروج من حالة البهتة والعبث.

Skip to content