مقالات

الصحفيون يخوضون “معركة البقاء”…

مجدي الورفلي
صحفي

يخوض الصحفيون في تونس “معركة البقاء” التي اعلنتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لمواجهة مساعي السلطة لتصفية وسائل الإعلام التي ترفض دخول بيت الطاعة ولا تواليها، واعتماد سياسة الترهيب والتجويع ضد الصحفيين، ومثل يوم الغضب الذي نفذه الصحفيون في القصبة اولى التحركات التي تندرج في اطار “معركة البقاء“.

نفذ الصحفيون التونسيون، الخميس 16 فيفري، وقفة احتجاجية قبالة ساحة رئاسة الحكومة بالقصبة، في إطار يوم غضب للصحفيين الذي دعت له النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، احتجاجا على ما بلغته وضعية قطاع الإعلام من تدهور غير مسبوق وما يصاحبه من تضييق على حرية التعبير من قبل السلطات والتي ترتفع وتيرتها تدريجيا، وبلغت حد إيقاف مدير عام اذاعة موزاييك اف ام نور الدين بوطار على خلفية الخط التحريري للإذاعة، كما أكد فريق دفاعه.

تجمع الصحفيون، من وسائل الإعلام العمومي والمصادر والخاص والجمعياتي، بساحة الحكومة بالقصبة رافعين شعارات للتنديد بممارسات الحكومة ورئاسة الجمهورية، وكان أبرزها “لا لتطويع الإعلام وتدجينه من طرف السلطة السياسية”، و”لا لتجويع الصحفيين وترهيبهم”، و”لا لتصفية وسائل الإعلام المصادر”، و”لا ادخال الإعلام العمومي لبيت الطاعة”، و”لا للمرسوم 54”.

ولم يتوقف تعبير الصحفيين ومسانديهم، من شخصيات وطنية وممثلي بعض المنظمات والجمعيات، على غضبهم من سياسات السلطة في التعاطي مع الإعلام واعتماد التجويع الممنهج للصحافيين وضرب ديمومة وسائل الإعلام العمومي والمصادر والخاص للضغط عليها، وادخالها بيت الطاعة وترهيب من يرفض، على رفع شعارات مناهضة لذلك التوجه وترديدها.

ففي حركة رمزية، قام عشرات الصحفيين من المحتجين بتكميم أفواههم بأشرطة حمراء، في اشارة لمساعي السلطة لتكميم كل صوت حر مخالف لا يتماهي مع مواققها وسرديتها، كما رفعوا بطاقة الصحفي المحترف مع الحفاظ على الشارات الحمراء التي حملوها يومي الأربعاء والخميس 16 فيفري 2023، مركزيا وجهويا أين انخرط الصحفيون في الجهات في نفس التحرك امام مقرات السيادة أو المؤسسات الاعلامية في الجهات.

لا” في وجه محاولات التدجين

اكدت لطيفة بن عمارة، صحفية بجريدة الصحافة في تصريح لـ”الجريدة المدنية” أن هناك قطيعة بين الحكومة والسلطة بصفة عامة والاعلام كرسها أصحاب القرار لعدم ايمانهم بدور الإعلام كسلطة رابعة يحق لها انتقاد السلطة وسياساتها والتعبير عن مشاغل الشعب، واضافت أن وسائل الإعلام التي تتبنى خطا تحريريا مستقبلا أصبحت تواجه خطر التنكيل والتصفية والتجويع والترهيب بكل الطرق المتاحة لبلوغ السلطة لهدفها.

كما اعتبرت الصحفية بجريدة الصحافة أن السياسة الممنهجة التي تتبعها السلطة تستبطن اضعافا للإعلام وتؤدي به الى الموت السريري من خلال عدم دفع الأجور والمستحقات المالية للمؤسسات الاعلامية وتجويع وتفقير الصحفيين المتمسكين باستقلاليتهم ورسالتهم بالدفاع عن الشعب وايصال صوته وتسليط الضوء على مشاكله في الواقع دون تجميل أو الترويج لإنجازات السلطة.

وأكدت بن عمارة أن الصحفيين المشاركين في يوم الغضب، لا بطالبون بدفع أجورهم باعتبارها من ابسط حقوقهم، بل يتمثل مطلبهم في إطلاق عملية أصلاح شاملة للإعلام بما فيه العمومي، حيث قالت انه من غير المعقول ان تبقى جريدة الصحافة دون موقع الكتروني، اذ اكدت ان المطلب الأساسي لصحفيي “سنيب لبراس” هو إعادة هيكلة المؤسسة وتمكين العاملين فيها من حقهم في التغطية الاجتماعية.

وختمت الصحفية بجريدة الصحافة لطيفة بن عمارة تصريحها لـ”الجريدة المدنية” بالتأكيد انها والصحفيين المشاركين في يوم الغضب قدموا لرفع كلمة “لا” في وجه محاولات السلطة ادخالهم لبيت الطاعة وتدجينهم، وفق تعبيرها.

إرادة واضحة للتصفية..

أوضح عبد الرؤوف بالي، عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في تصريح لـ”الجريدة المدنية”، اعلان قطاع الإعلام عن تحركات في اطار “معركة البقاء” إلى تواصل تراجع وضع حرية الصحافة والحريات الفردية والجماعية والضغوطات والهرسلة المسلطة على قطاع الاعلام، والتدهور المتواصل للاوضاع المادية والمعنوية للصحفيين في عديد المؤسسات الاعلامية، سواء العمومي أو المصادر أو الخاص.

حيث اعتبر عضو نقابة الصحفيين أن السلطة القائمة لا تملك إرادة حقيقية لحلحلة الملفات العالقة، وتطبيق الاتفاقيات الممضاة بخصوص عديد الملفات وعلى رأسها ملف المؤسسات الإعلامية المصادرة التي يعاني العاملون فيها من أوضاع مادية واجتماعية ونفسية صعبة جدا، وفق قوله.

وأضاف بالي، ان المؤسسات الإعلامية المصادرة التي لا تدخل بيت الطاعة، يتم تصفيتها من خلال إعلان الحكومة عن إحالة ملفاتها إلى التسوية القضائية، وهو ما يعني إعلان إفلاس هذه المؤسسات، رغم التعهدات المتكررة للحكومة بحل الاشكال والتخلي عن ذلك التوجه.

ووفق ما افاد به بالي لـ”الجريدة المدنية”، فجميع المؤسسات الاعلامية تعاني من تدهور الأجور نتيجة عدم نشر الاتفاقية الاطارية المشتركة والصنصرة والهرسلة بتواطئ من الدولة في عملية تجويع الصحافيين العاملين بوسائل الاعلام المصادرة التي تشرف عليها، وفي ممارسة الضغوطات والهرسلة على الاعلام العمومي والخاص الذي بلغ حد إيقاف مدير عام اذاعة موازييك اف ام للتحقيق معه حول الخط التحريري للإذاعة.

وخلص عضو المكتب التنفيذي للنقابة، الى أن الارادة السياسية لتصفية قطاع الإعلام واغراقه واضحة للجميع، وهو ما سيعمل ابناء القطاع على التصدي له بكل الوسائل القانونية والسلمية الممكنة، في اطار “معركة البقاء” التي يجب أن تشمل كل الصحفيين وتعكس تضامنا نقابيا واسعا، وفق قوله.

ضرب الأجسام الوسيطة وتفقير الصحفيين

اعتبر خليل الحناشي، الصحفي بدار الصباح، في تصريح لـ”الجريدة المدنية” أن السلطة تحاول تصفية وتدمير كل الوسائط بينها وبين الشعب، سواء كانت احزابا أو منظمات أو جمعيات، بما فيها الإعلام عبر اعتماد سياسة التجويع والتخويف، بداية من دار الصباح وسينب لابراس وككتوس برود واذاعة شمس اف ام التي يعاني العاملون فيهما من تنكيل بلغ حد عملهم طيلة أشهر دون الحصول على أجور أو تمتيعهم بالتغطية الاجتماعية مما أثر سلبا على ادائهم المهني والتزاماتهم المالية والعائلية وحالتهم النفسية، وفق قوله.

واضاف الحناشي، أنه من الواضح أن السلطة تسعى لتكميم الأفواه واسكات الأصوات والمؤسسات الاعلامية الحرة مقابل فتح الباب للمؤسسات الاعلامية التي تعمل في فلكها، وذلك باعتماد سياسة التفقير والترهيب لأهل المهنة وأصحاب الاقلام والأصوات التي لا هم لها سوى نقل الحقائق المواطن.

وفي نفس اتجاه الحناشي، يرى الصحفي بإذاعة “شمس اف ام” مالك الخالدي من خلال تصريح أدلى به لـ”الجريدة المدنية” ان الخطاب السياسي للسلطة يعكس بوضوح عدم إيمانها بالأجسام الوسطية، وعلى رأسها الإعلام الذي تعتقد السلطة بوجوب تحجيمه وتصفيته والإبقاء فقط على نزر قليل منه يكون بوق دعاية لها وناطقا رسميا لها وتكون مهمته الترويج لها لإنجازاتها في مقابل اعتبار كل صوت حر وصحفي مهني ووسيلة اعلام مستقلة خطرا على أمن الدولة يجب تصفيته، وهي وضعية اذاعة “شمس اف ام”، وفق الخالدي. حيث أكد ان وضعية “شمس اف ام” تعكس محاولات السلطة لتركيع الإعلام ووضعه تحت سيطرته أو التهديد في كل مرة بالتوجه للتسوية القضائية الذي يثير مخاوف بخصوص ديمومة المؤسسة، خاصة في ظل سياسة التجويع التي يعيشها العاملون في الاذاعة بعدم تمكينهم من أجورهم لأكثر من 3 أشهر، في مواصلة لما سعت له كل الحكومات المتعاقبة لتركيع “شمس اف ام”، وفشلت فيه في النهاية، وفق تعبير مالك الخالدي.

تحركات أخرى

يوم الغضب الوطني الذي نفذه قطاع الإعلام الخميس بساحة للقصبة، لا يمثل سوى أحد التحركات التي اقرتها النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في اطار ما أسمته “معركة البقاء”، لصد محاولات السلطة تدجين الإعلام بكل الصيغ المتاحة وتصفية كل وسائل الاعلام التي لم ترضخ.

حيث أطلقت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين حملة اعلامية في كل وسائل الاعلام الورقية والالكترونية والسمعية البصرية للتعريف بقضايا القطاع وما يتعرض له خلال هذه الفترة من محاولات للتصفية، والدفاع عن حقوق العاملين فيه، وعن الحق في التعبير، وذلك بالشراكة مع نقابة أصحاب المؤسسات الإعلامية وجامعة مديري الصحف، وفق ما كشف عنه نقيب الصحفيين.

كما تشمل التحركات التي اقرتها نقابة الصحفيين في إطار “معركة البقاء”، رفع قضيتين ضد الحكومة، ستكون الأولى لتعويض الصحفيين عن الضرر الحاصل بسبب عدم نشر الاتفاقية الاطارية المشتركة رغم حكم المحكمة الادارية الذي نص على نشرها في الرائد الرسمي، في مقابل الحكومة التي لم تلتزم بالقرار القضائي وتنصلت من نشر الاتفاقية الاطارية المشتركة بالرائد الرسمي.

أما القضية الثانية التي سترفعها نقابة الصحفيين ضد الحكومة، فهي تتعلق بسوء التصرف في المؤسسات الاعلامية المصادرة ولضمان حقوق العاملين فيها، خاصة في ظل عدم صرف أجور العاملين في اذاعة شمس اف ام المصادرة منذ 4 أشهر وتوجه السلطة نحو تصفية وسائل الإعلام المصادر وليس الى تسويتها، خاصة ان نقابة الصحفيين طالبت مرارا وتكرارا بوقف عمليات التسوية القضائية.

حيث تؤكد نقابة الصحفيين ورئيسها محمد ياسين الجلاصي وأعضاء مكتبها التنفيذي، أن لجنة المصادرة ووزيرة العدل المشرفة على التسوية القضائية تعمل على تصفية وسائل الاعلام المصادرة من خلال سوء الادارة والتصرف فيها واعتماد سياسة التفليس الممنهج لها، كما هو الحال بالنسبة الى إذاعة “شمس آف آم” و”كاكتيس برود” للإنتاج السمعي البصري التي لم يتلقى العاملون فيها أجورهم منذ أكثر من سنة.

Skip to content