مقالات

الفنانة التشكيلية ريم سعد، أو معنى أن يكون الفنان عاملا

سيماء المزوغي
صحفية

ربما من أنبل ما قد تراه يوما أن تجد فنانا يعيش مما تنتج يداه ومما تدرّه روحه وفكره من شغف وعشق للفن.. واليد التي تزرع يمكن أن تكتب وتنقش وتسوّي اللامعنى معنى، نتحدّث اليوم عن الفنانة التشكيلية والحرفية ريم سعد التي تصف نفسها بالفنانة العاملة، وممن تنتمي للفنانين العمّال. ولكن ما معنى أن يكون الفنان عاملا؟ هل هنالك فنان عامل وفنان ليس بعامل؟ فالفن هو الفن في جوهره وأصله وكنهه وتجلياته ومختلف اتجاهاته.

ماذا لو كان فنان ما يشتغل عملا آخر ومحمي بضمان اجتماعي، وله دخل مادي مستقر، هل يسمّى هذا الفنان عاملا؟ كيف يستطيع الفنان أن يعيش من فنّه فقط؟ ربما هي معادلة جدّ شائكة أمام نظام متوحّش متدثّر بقشور الفن لا كنهه، نظام متناقض في جوهره، يتبجّح بمقولة “دعه يعمل دعه يمر”، ولا يسمح لأصحاب الطرق المختلفة أن يعملوا بطريقتهم ومذهبهم وفكرهم وفنهم. نظام يمقت الهامش ويقصيه ويحاكمه ويتبرأ منه، في حين ظلّ الهامش صدّا منيعا أمام الضياع الفكري والخواء الروحي والفني..

وعندما نتساءل أمام ريم سعد هل تعتبرين أن فنّك هو عملك، وهو مصدر رزقك ومكمن إبداعك وشفائك وربما شقائك في آن؟ وهل تستوي هذه المعادلة إذا مرض الفنان مثلا؟ هل تستوي المعادلة إذا أغلق السوق أمام ما تنتج؟ هل تصمد أمام كارثة إنسانية محتملة؟ هل يجوع الفنان العامل إذا ما اعتبر الفن في بلاده ترفا أو حكرا على فئة معينة؟ هل يجوع الفنان العامل إذا لم يجد الحد الأدنى الذي يتكأ عليه من ضمان اجتماعي وقانون يحميه ويحمي حقوقه كانسان له الحق في حياة كريمة.

وهنا تقول ريم سعد بنبرتها المتفائلة، “أليس جميلا أن يكون الفنان كل هذا في آن؟ جميل وصعب ومغامر.. الفنان العامل كالفلاح الذي يزرع ويسقي الأرض ويحصدها ولا سقف يحميه غير السماء المرصّعة بالنجوم. ولا يستوي بائع الخضار ولا السوق إذا غاب الفلاح، الفنان العامل كالفلاح تحتاجه السوق كي يغذيها وتغذيه.

وتقول “أنا أعيش بفني ومن فنّي، وهي معادلة أحسنها بشرط أن يأخذ الفن في هذا الوطن على محمل الجد، ويكون للفنان قانون يحميه ويسانده خاصة عند الأزمات، فالفنان العامل إذا وجد الحد الأدنى يمكن أن يخلق سوقه بنفسه، سوق هو من يختار أخلاقها وتفاصيلها وجماليتها.

الفنان العامل هو من يشتغل بالفكر والروح والساعد، وما أصعب هذا في بلد لا قانون فيه يحمي الفنان ولا توجد مقاربة وطنية ثقافية ولا مبادرة حكومية تقوم على رؤية فكرية انطلاقا من أنّ القطاع الثقافي يعد من القطاعات الإستراتيجية الحساسة لترابطها بالتنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة والمستدامة”.

لا أحد ينكر أنّ الثقافة هي جوهر التمنية المستدامة بكامل مستوياتها وتجلياتها، انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 في فصلة 27 بنازعه الثقافي وكل ما قد يشمل توصيات اليونسكو من إعلان مكسيكو 1982 حول الحقوق الأساسية للإنسان بمداها الثقافي وإعلان Fribourg 2007 حول الحقوق الثقافية..

فالقطاع الثقافي يعد من القطاعات الاستراتيجية التي تعول عليها دول العالم المتقدم، وتونس المتدحرجة في استقرارها الحكومي لا يمكن أن تراهن على هذا القطاع في التنمية البشرية والاقتصادية والتنمية الشاملة والمستدامة، ولا يمكن أن تتفاعل مع أي تجارب معيارية في أقطار متقدمة..

ولسائل أن يتساءل أمام حيرة ريم سعد والصعوبات التي تعترض الفنان في تسويق فنّه ومنتجاته وأعماله، متى يتمّ إدراج الثقافة ضمن منظومات الحوكمة المستدامة للممتلكات والخدمات الثقافية من تعلم وإبداع وإنتاج وتوزيع وترويج ونفاذ ووساطة ومساواة في الجنس الثقافي؟

متى تعمل الدولة على الاقتصاد الثقافي الرقمي والصناعات الإبداعية الثقافية من خلال صياغة استباقية للاقتصاد الثقافي الاجتماعي التضامني الذي يجعل الثقافة تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في تنمية الموارد والثروات الوطنية؟

متى تقام علاقة متوازنة بين الممتلكات والخدمات الثقافية في علاقة بالحقوق الثقافية والسياسات الأفقية والسياسات البديلة؟ فهل من العبث إذن أن نتحدّث عن إدراج الثقافة في سياسات استباقية أو عن اعتماد سياسات ديناميكية مندمجة لا تقصي أحدا وشعارها ثقافة تضامنية تقرّ بالحقوق والحريات الفردية والعامة؟

إن الفنان العامل أو ما تنتهجه ريم سعد يترجم عملا ورؤية وفكرا مبدأ الحق في الثقافة إلى واقع يومي ملموس، ما يعني أيضا مبدأ العيش الكريم، فهل يمكن للفنان أن يحلّ محلّ الدولة التي لا تعترف به ولا بسوقه ولا بمنتجاته؟ ومن يستطيع أن يصمد أمام كل هذا؟

وهنا ترى سعد أنه “عندما نتحدّث عن الفنان العامل نتحدّث لزاما عن حرية التعبير الفني والثقافي، نتحدّث عن حماية حقوقه الملكية الأدبية والفنية، نتحدّث عن حقه اللامشروط في التمتع بدخل أو تأجير عادل مقابل ما يبذله من إبداع، مع أنّ الإبداع لا يضاهى بثمن”.

وتضيف في ذات السياق: “عندما نتحدّث عن الفنان العامل نتساءل عن قدرة ممارسة المهن الفنية على تحقيق العيش الكريم للفنان؟ ونتساءل عن لغز مشروع قانون الفنان:

هل سيرسي فعليا إطارا قانونيا يكفل حقوق الفنان ويحدد واجباته من دعم لمكانته في المجتمع ومن تحديد لصيغ ممارسة المهن الفنية بما يضمن للمنتسبين إليها العناية بأوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية؟ “

إن الدولة من خلال مختلف حكوماتها المتعاقبة أو من خلال قوانينها لا تأخذ الثقافة على محمل الجد أبدا ولا تأبه بتكريس الحق في الثقافة والإبداع والنهوض بالإنتاج الأدبي والفني في جميع أشكاله ومضامينه، ولا تعنيها بناء ثقافة مواطنية متأصلة ومتنوعة ومنفتحة، وتخلط بين مفهومي الثقافة والترفيه وتنظر إلى الفعل الثقافي من خلال البهرج وتستند إلى تسميات مؤثرة وهالات لامعة ترتكز على الابتذال لا غير.

ومن هنا وإلى قيام دولة الثقافة_التي تعلي الفكر وتبجّله، والتي ترسم منوالها التنموي على أساس فكري منفتح وطموح، والتي تأخذ بيد المثقّف العضوي كي يساهم بدوره في بناء مشروع مواطني يبجّل الحرية والمساواة_ فإنّ الفنان سيبتكر طرقه التي قد تنجيه وتنجي فنّه، أو سيتراجع عن تمشيه ليضمحلّ ويتقهقر ويترك مكانه لأصحاب اللا معنى ممن تصيدوا الفضاء العام وممن سلعنوا الثقافة والفن وسطّحوا القضايا الفكرية الثقافية .

الفنانة التشكيلية ريم سعد صاحبة مبدأ الفنان العامل تتبنّى هذه التوجهات وتقول في آخر المطاف :”سنكون في أفضل صورنا عندما نعتبر الفن مفتاحا من مفاتيح الحياة الذي لولاه نكون مقفلين ومغلّفين بالصدأ، سنكون في أرقى إنسانيتنا إذا أخذنا الفن مأخذ الجدّ واعتبرناه أيضا كالمعادلات الرياضية التي تحمينا من السقوط على بعضنا البعض”.

Skip to content