مقالات

اللاجئون في المنطقة العربية:

الواقع ومبادئ الحماية الدولية

لزهــر جـويلي

تعتبر مشكلة اللجوء والنزوح القسري من المشاكل الكبرى التي تؤرق المجتمع الدولي منذ تاريخ طويل لعدة أسباب منها خاصة :

– ارتباطها بالنزاعات والصراعات والحروب المستمرة التي لم تتخلص منها المجتمعات الإنسانية إلى حد اليوم.

– لما يترتب عنها من مشاكل اجتماعية اقتصادية سياسية وأمنية عميقة داخل دول الدافعة والمضيفة على حد السواء، لازالت تتعقد يوما بعد يوم.

– اعتبارا إلى أن اللاجئين يعدّون من أكثر الفئات معاناة بدنيا ونفسيا واستهدافا للانتهاك على نطاق واسع من الحقوق، خاصة منهم الأطفال والنساء.

– لتأثيرها المباشر على العلاقات الدولية وعلى الأمن والسلم العالميين.

لذلك تعتبر مشكلة اللجوء إحدى أهم قضايا حقوق الإنسان في الوقت الراهن خاصة بعد تزايد حالات اللجوء في السنوات الأخيرة إذ تجاوز عدد اللاجئين عبر العالم 65 مليون خلال سنة 2016

تعرّف المادة  2 من الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين لسنة 1951 اللاجئ بأنه كل شخص بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وجد خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق نتيجة لتلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلي ذلك البلد.

رغم الخطوات الهامة التي قطعها المجتمع الدولي في اتجاه حماية اللاجئين وحل مشكلاتهم من خلال إنشاء شبكة من المؤسسات والنظم القانونية ساعدت على توفير الحماية الدولية لهم خاصة بعد صدور اتفاقية سنة 1951 وانشاء مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الا انهم لا زالوا يواجهون صعوبات كبيرة ومتفاوتة في اغلب المناطق في العالم وظلت استجابة الدول لتوصيات منظمة الأمم المتحدة ومنظمات وهيئات حقوق الانسان التابعة لها محدودة وغير كافية لان تشكل أرضية صلبة للعمل من اجل حل مشاكل اللاجئين.

أ- لمحة حول واقع اللاجئين في المنطقة العربية

فيظل واقع اتساع رقعة النزاعات المسلحة وامتدادها لتشمل مناطق ودول جديدة من العالم خاصة بعد الحرب في سوريا واشتداد النزاع المسلح في اليمن وتجدده في العراق وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في جزء مهم من منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ارتفعت طلبات اللجوء الموجهة للمفوضية السامية فبلغت حوالي 695.000 مطلب لجوء سنة 2016، وهو يعد رقما قياسيا منذ الصراع في يوغسلافيا سابقا خلال تسعينيات القرن الماضي أي منذ حوالي 20 سنة خلت ووجهت المطالب الى نحو 44 دولة صناعية عبر العالم،أكثرمنثلثيهاوجهتلستدول حسب الترتيب ألمانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، السويد، تركيا، ايطاليا، وكانت اغلبها المطالب واردة من السوريين.

تعدّ الدولالعربية من اكثر دول العالم المعنية بمسألة اللجوء سواء كبلدان دافعة للجوء او كبلدان مضيفة للاجئين، وبدأ تاريخيا اللجوء في المنطقة العربية يطرح في المرحلة المعاصرة كمشكل انساني امام المجتمع الدولي منذ الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية سنة 1948 خاصة، في ما يعرف بالنكبة العربية وموجة اللجوء الفلسطينية بعد سياسة التهجير الجماعي التي انتهجتها سلطات الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، ثم اتسعت الرقعة منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن لتشمل أجزاء جديدة من المنطقة العربية بداية من الحرب الاهلية الاولى في السودان التي استمرت من سنة 1955 الى سنة 1972التي تعرف بتمرد»أنانيا»وهو صراع بين جزئي السودان شماليه وجنوبه الذي كان يطالب بمزيد من الحكم الذاتي الإقليمي، ثم تجدّد الحرب سنة 1983 فيما يعرف بحرب جنوب السودان او حرب «أنانيا» الثانية ثم الحرب العراقية الايرانية )1980- 1988( والحرب على العراق خلال تسعينيات القرن الماضي، ثم الحرب الاهلية الصومالية التي اندلعت سنة 1991 والنزاع المسلح في اقليم دارفور غرب السودان سنة 2003 ،ثم موجة العنف المسلح التي اجتاحت جزءا مهمّا من المنطقة العربية على اثر ما يسمى ب»ثورات الربيع العربي» بداية من سنة 2011 خاصة سوريا( يناهز عدد السوريين من اللاجئين عبر العالم 6ملايين شخص) وليبيا واليمن وتفاقم تدهور الوضع الامني في العراق من جديد.

تنقسم الدول العربية في الوقت الراهن الى دول دافعة للاجئين خاصة فلسطين و العراق وسوريا والصومال والسودان وليبيا واليمنودولا تعتبرمضيفة بالأساس مثل تونس والجزائر ومصر والاردن ولبنان ودجيبوتي ودول الخليج العربي. لأغلب الدول لعربية لاجئين في عدد من بلدان العالم لأسباب مختلفة وان كانت الاعداد متفاوتة من بلد الى آخر، وترتفع النسب بشكل واضح وكبير بالنسبة للبلدان التي تمرّ بحالة حرب او نزاعات مسلحة،كما تستضيف اغلب البلدان العربية على اراضيها اعدادا من اللاجئين غير ان النسب تختلف من بلد الى آخر وهي اعداد قليلة في معظم البلدان . وتجدر الاشارة الى أن بعض الدول كانت اساسا دولا مضيفة للاجئين ثم اصبحت دول دافعة للاجئين مثل سوريا والعراق واليمن الذي حافظ على الصفتين فهو يضم اليوم عددا كبيرا من اللاجئين خاصة الصوماليين والاثيوبيين وهو دولة دافعة للاجئين بعد تصاعد العنف المسلح خلال سنة 2015، ويستقبل السودان الذي يعد من اكبر الدول الدافعة للاجئين والنازحين قسرا في المنطقة العربية على اراضيه اعدادا كبيرة من اللاجئين  حوالي) 242.000 لاجئ (خاصة من أثيوبيا واريتريا وجمهورية افريقيا الوسطى وجنوب السودان .

رغم ان نسبة اللاجئين من العرب تعد من بين اكثر النسب ارتفاعا في العالم  ورغم ان جل الدول العربية اما دافعة او مضيفة للاجئين اوجامعة للصفتين فان الدول العربية وخاصة الغنية منها تعد اقل الدول استقبالا للاجئين ولم تولي مسألة الاطار القانوني المنظم للجوء اهمية خاصة ذلك انه 6 دول عربية فقط صادقت أو انضمت إلى الاتفاقية الدولية للاجئين وهي : الجزائر دجيبوتي ومصر والسودان وتونس واليمن وتفتقر اغلب الدول العربية الى قوانين وطنية للجوء لاسباب مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية غير ان  ذلك لا يجعل تلك الدول في حل من التزاماتها تجاه اللاجئين فهي تظل ملزمة بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الانسان ( اتفاقيات حقوق الانسان الستّ) واحكام القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف الاربعة المتعلقة بحماية حقوق الانسان في زمن الحرب)، التي صادقت عليها باحترام حقوق اللاجئين.

تضمّنت جل المواثيق الدولية لحقوق الانسان ومواثيق القانون الدولي الانساني مبادئ وقواعد حماية اللاجئين وعموما يمكننا ان نميز بين ثلاثة اصناف من المبادئ:

ب-المبادئ العامة لحماية اللاجئين

يعتبر قانون اللاجئين فرعا من فروع القانون الدولي العام ، ورغم ارتباطه بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، الا انه يختلف عنهما باعتباره محدد الاختصاص والنطاق  وهو حماية حقوق اللاجئين في حين ان موضوعهما هو حقوق الإنسان بشكل عام بالنسبة للأول وإدارة الحرب وحماية حقوق الانسان في حالات النزاع المسلح بشكلخاص بالنسبة للثاني.

كرّست مواثيق حقوق الانسان بما فيها اتفاقية اللاجئين ومواثيق القانون الدولي الانساني جملة من المبادئ لحماية اللاجئين أهمها:

1-مبدأ عدم الرد الى البلد الاصلي

2- الاعفاء من أحكام التدابير الاستثنائية لمجرد انتمائهم إلى جنسية معينة المادة 8 من الاتفاقية.

3-عدم التمييز لأي سبب كان المادة 3 مناتفاقية 1951.

4- ضمان حرية الفكر والتعبير والعقيدة

5- الإعفاءمنمبدأالمعاملةبالمثل

6- ضمان التمتع بالحقوق الاساسية

وتتضمن مواثيق حقوق الانسان احكاما خاصة ترمي الى حماية اللاجئين من ذوي الاعاقة ( المادة 11 من الاتفاقية الدولية لحقوق الاشخاص ذوي الاعاقة الصادرة في13 ديسمبر 2006) وتفرض رعاية خاصة لكبارالسن(خطةعمل فيينا الدولية للشيخوخة التي اعتمدتها الجمعية العالمية للشيخوخة في عام 1982،وأيّدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة – مبادئ الامم المتحدة لحقوق الاشخاص المسنينقرار46/91 بتاريخ16 ديسمبر 1991)

ت- مبادئ حماية الأطفال اللاجئين

يتمتع الطفل اللاجئ بحماية اتفاقية اللاجئين وبحماية اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 التي اكتسبت

اهمية خاصة بالنسبة للأطفال اللاجئين بسبب الاجماع الدولي حولها وقد صادقت او انضمت اليها كل الدول العربية. وهي وان لم تكن معاهدة خاصة باللاجئين، الا انها خصصت جزءا مهمّا من احكامها للطفل اللاجئ والتزامات الدول الأطراف في هذا الشأن، وتعتبر مرجعا لجميع الاطفال اللاجئين لأنها تحدد معايير شاملة تغطي كل ناحية من نواحي حياة الطفل وبالتالي فان الدول العربية التي لم تصادق على اتفاقية حماية اللاجئين لسنة 1951 فإنها ملزمة بحقوق الطفل اللاجئ المنصوص عليها باتفاقية حقوق الطفل

ث- مبادئ حماية النساء اللاجئات:

اثبت تاريخ الحروب والنزاعات والازمات الانسانية بصفة عامة ارتباطها بحركات اللجوء من جهة  وبان النساء من اكثر الفئات تضررا واستهدافا للانتهاك، و كان لذلك الاثر الواضح على الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، من حيث تجسيم فكرة تعزيز حماية النساء في حالات اللجوء اعمالا لمبدأ  تحقيق الاعتراف بالحقوق في المساوة بين الرجال والنساء الذي تبلور بشكل واضح مع صدور اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة سنة 1979 التي انضمت اليها غالبية دول العالم.

الى جانب احكام اتفاقية 1951 تضمنت اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، اهم المبادئ الرامية الى حماية المرأة في اماكن اللجوء كما نصّت اتفاقيات جنيف الاربع المتعلقة بحماية حقوق الانسان اثناء النزاعات المسلحةلسنة 1949 على حماية النساء الحوامل والامهات الرضع، ونصّت المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة بصفة صريحة على الالتزام الكامل دون قيد او شرط  لأطراف النزاع المسلح بحماية النساء بصفة خاصة من أي اعتداء على شرفهن مثلا لاغتصاب والاكراه على الدعارة واي اعتداء جنسي والرعاية الصحية وحقهم في التغذية السليمة والرعاية الاجتماعية والتعليم والتكوين والتأهيل وضرورة مساعدتهم على لم شمل اسرهم.

-*قاض من الرتبة الثالثة/ – أستاذ القانون بالجامعة /  – خبير لدى جامعة الدول العربية في سياسات السكان والهجرة/  – خبير لدى المعهد العربي لحقوق الانسان وعضو هيئته العلمية/ -خبير لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مكتب تونس

Skip to content