حوارات

الوضع البيئي في تونس كارثي في ظل عدم تحمل السلطات لمسؤوليتها، ودور المجتمع المدني محوري

رئيسة جمعية "Green Way" ماجدة اليعقوبي لـ"الجريدة المدنية"

قالت رئيسة جمعية “Green Way” ماجدة اليعقوبي لـ“الجريدة المدنية”، إن الوضع البيئي في تونس كارثي شأنه شأن الثروات الطبيعية المستنزفة لدرجة يجعل البلاد معرضة بجدية لتأثيرات التغيرات المناخية في ظل غياب كامل لدور الدولة وأجهزتها وعدم وجود أي دعم تقريبا للمجتمع المدني الناشط في مجال قضايا البيئة والتغيرات المناخية.

ورغم شح الموارد وغياب الدعم المادي واللوجيستي أكدت اليعقوبي أن جمعية “Green Way” تحاول ايجاد بدائل للتمكن من تحقيق أهدافها ونشر ثقافة الحفاظ على البيئة والقيام بأنشطتها وحملاتها الميدانية كحملات التشجير التي تطلقها كل فترة لتعويض ما أتت عليه الحرائق من مساحات خضراء.

وفي ما يلي نص الحوار كاملا:

ماهي أهداف جمعية “Green way” وماهي أهم برامجها؟

تأسست جمعية “Green way” سنة 2015، والهدف منها هو النهوض بالسياحة البيئية والبيئة بصفة عامة، حيث لا يمكن الحديث عن سياحة بيئية أو ايكولوجية دون التعرض والمرور عبر قضايا البيئية والمناخ، فمن البديهي أن يهتم السائح، الذي يفضل الطبيعة، بكل ما هو بيئي ومتصل بالحفاظ عليها والانخراط الفعلي وتبني قضايا المناخ.

وفي بلدان أخرى، تسمى السياحة الذكية أو السياحة المسؤولة… ونحن نعمل على نشر الوعي والثقافة البيئية والحفاظ عليها لدى المشاركين في أنشطتنا المتنوعة بالتوازي مع الاستمتاع بالطبيعة في بلادنا، مما يخلق لديهم تدريجيا احساسا بالمسؤولية تجاه قضايا البيئة والمناخ بالإضافة إلى تحفيزهم من خلال تشريكهم في حملات التشجير وحملات النظافة كالتي قمنا بها في جزيرة جالطة.

كما شملت انشطتنا تنظيم ندوة ثقافية حول السياحة البديلة في تونس ومعرض صور للفوتوغرافيين المولعين بالتخييم، وكان القطار السياحي سنتي 2018 و2019 هو النشاط الأبرز، والهدف من هذا المشروع خلق بديل لوسائل النقل الملوثة للبيئة خاصة أن شبكة السكك الحديدية موجودة في كامل البلاد تقريبا مما يجعل القطار السياحي بديلا جديا ويحقق الموازنة بين التنقل والحفاظ على البيئة، وهنا أريد أن اؤكد أن العالم يتجه نحو اعتماد القطار كبديل لبقية وسائل النقل الملوثة للبيئة.

كما أننا ننظم خلال هذه الفترة حملة تشجير بجبل برڨو بعد الحرائق التي أتت على ما يقارب 530 هكتار من الجبل، ورغم تضاريس الجبل الوعرة وصعوبة التشجير فيه أمضينا اتفاقية مع ادارة الغابات وعدد من الشركات الخاصة لنتمكن من تشجير أكبر ما يمكن من المساحات في جبل برڨو وتعويض الأشجار التي أتت عليها الحرائق خلال الصائفة الماضية.

أي دور للمجتمع المدني في تونس في ما يخص الحد من التغيرات المناخية والانحباس الحراري؟

دور المجتمع المدني في تونس أو حتى خارجها، أساسي في كل ما يتعلق بقضايا المناخ والبيئة، حيث تعمل الجمعيات والمنظمات المتبنية لقضايا البيئة على التوعية والتعريف بمخاطر التغيرات المناخية ومظاهرها باعتماد عديد الوسائل والصيغ.

فنحن مثلا في جمعية GreenWay نعتمد على التواصل المباشر والتشريك الفعلي لعديد فئات المجتمع، وأساسا الشباب، في الأنشطة الميدانية التي تدور في فلك الحد من التغيرات المناخية ومظاهرها كحملات النظافة في الغابات والشواطئ وحملات التشجير، حيث ننظم حملة تشجير بجبل برڨو لإعادة زرع حوالي 70 الف شجرة في مساحة تقدر ب 70 هكتار من المساحات التي أتت عليها الحرائق وانطلقت الحملة يوم 28 جانفي 2023 وستتواصل الى حدود 5 مارس 2023، في ظل ما أصبح عليه الجبل من تصحر في الثروة الحيوانية التي هاجرت من الجبل بسبب الحرائق والعوامل المناخية، وهو ما نعمل على مقاومته عبر تنظيم حملات ميدانية نوعية وحملات تشجير وغيرها.

ورغم شح مواردنا المالية واللوجيستية، باعتبار أننا جمعية غير ربحية، الا أن الايمان بالقضايا التي نتبناها والايمان بحق الأجيال المقبلة في العيش في بيئة نظيفة جعلنا نتجاوز تلك العقبة بالاعتماد على التطوع بدرجة أولى.

واليوم نحن في الجمعية منخرطون في كل ما يتعلق بقضايا البيئة والمناخ سواء بمواردنا أو عن طريق التطوع وإطلاق حملات نوعية والتحسيس بخطورة بعض الممارسات كإلقاء البلاستيك في الشطوط والغابات ومقاومة الوضعية البيئية الكارثية والتلوث والحرائق عبر العمل على تجديد الغطاء النباتي الذي يعتبر عاملا أساسيا للحفاظ على التوازن البيئي والمناخي.

فمثلا في حين يحتفل العالم باليوم العالمي للجبال، نسمع عن تدمير ممنهج لجبل الرصاص باستعمال الديناميت لأهداف تجارية دون التفكير في انعكاسات ذلك على البيئة والمناخ والثروة الحيوانية بالجبل، وقد اطلقنا حملة في هذا السياق للتوعية والتحسيس بخطورة انعكاسات تدمير جبل الرصاص.

هل تحظى الجمعيات والمنظمات الناشطة في المجال بدعم من السلطات في تونس؟

هناك جهات داخل الدولة تحاول دعمنا أو على الأقل تسهيل انشطتنا عبر التأطير وامضاء اتفاقيات تعاون وشراكة كإدارة الغابات ووزارة الفلاحة مثلا ترحب بنا في كل مرة ولا يتوانى العاملون فيها عن تسهيل مهامنا وحملاتنا للتنظيف والتشجير مثلا وامضاء اتفاقيات لتسهيل الانشطة الميدانية بصفة أساسية وازالة العقبات لإنجاحها.

ولكن في المقابل هناك العديد من هياكل الدولة وأجهزتها لا تبدي أي مرونة وتعاون في التعاطي معنا ومع أنشطتنا التي تتمحور حول مقاومة التغيرات المناخية، مما اضطرنا في النهاية إلى التخلي عن وضع مساعدة هذه السلطات ودعمها في الحسبان ولم نعد نعول عليها… اذ يجب تغيير العقليات للنهوض بالجانب البيئي في البلاد وكل المجالات الأخرى خاصة في كل الاجراءات الادارية المعقدة والتعطيلات التي تحول دون القيام بدورنا كما يجب وتنفيذ مشاريعنا لحماية البيئة ومقاومة التغيرات المناخية. وبصفة عامة دعم السلطات في تونس لمجهود المجتمع المدني الناشط في مجال البيئة ومقاومة التغيرات المناخية شبه منعدم وهو ما دفع عديد الجمعيات الى الانسحاب وايقاف النشاط، وهو ما جعلنا نلجأ الى الشركات الخاصة للحصول على الدعم وانقاذ ما يمكن انقاذه.

أغلب دول العالم اتجهت للحد الانبعاثات وغيرها من الاجراءات للحد من التغيرات المناخية من وضع قيود على انبعاثات الغاز ودعم الاقتصاد الأخضر وغيرها، هل يمكن القول أن السلطات في تونس تأخذ على محمل الجد ذلك التهديد عبر اقرار إجراءات؟

هذا صحيح فكل دول العالم اتجهت إلى وضع خطوط لمقاومة التغيرات المناخية بكل الطرق والوسائل، لكن في تونس لم نرى أي توجه واضح للحد من التغيرات المناخية من وضع قيود على انبعاثات الغاز ودعم الاقتصاد الاخضر أو السياحة الايكولوجية.

اليوم في ظل الوضع الضبابي الذي تعيشه البلاد، لا توجد أي استراتيجية أو خطة لمقاومة التغيرات المناخية والحد من مظاهرها ومسبباتها، ويبدو أن السلطات لا تفهم أو غير واعية بخطورة المسألة، فمثلا حين نلقي نظرة على شركات تعليب المياه المعدنية نجد 3 أو 4 شركات في أماكن متلاصقة مما يستنزف الطبقة المائية بشكل كبير على مسمع ومرأى من السلطات التي مكنتهم من الرخص، وهو ما يجعلنا نستخلص أن السلطات تسبح عكس التيار السائد في العالم والذي يدور حول الحفاظ على الثروات الطبيعية والحد من آثار التغيرات المناخية، وهو ما يعمق خطورة الوضع في تونس خاصة مع انحباس الامطار.

ما هو الحلول في رأيكم لتفادي انعكاسات التغيرات المناخية على تونس؟

الحلول تتجاوز المجتمع المدني بطبيعة الحال، حيث يتطلب تفادي انعكاسات التغيرات المناخية في تونس إرادة قوية من طرف السلطات وكل اجهزة الدولة للحفاظ على الثروات الطبيعية والتركيز على حملات التشجير، فمثلا قبل الاستعمار كان في تونس أكثر من 3 ملايين شجرة تم استهلاكها خلال فترة الاستعمار وبعد خروجه أدت مجهودات الدولة الى إعادة زرع حوالي مليون ومائتي الف شجرة يتناقص عددها تدريجيا بسبب الحرائق وتخلي الدولة عن دورها في الحفاظ على الطبقات الخضراء والجبال.

واليوم يتطلب الوضع، اقرار إجراءات عملية من طرف الدولة وتحملها مسؤوليتها بسن قوانين ردعية للتخفيف من حدة استنزاف الثروات الطبيعية والحرائق، كما يجب على الدولة وضع سياسات فلاحية جديدة والتخلي عن الزراعات السقوية التي تستنزف الثروة المائية.

كما يجب على وزارة البيئة محاصرة التلوث الذي ينتج عن عديد الانشطة الصناعية للشركات الخاصة، بالإضافة إلى وضع استراتيجية نوعية على المدى الطويل لتغيير العقليات بداية من المواطن وصولا الى الشركات والمجمعات الكيميائية وتشريك الفئات الملوثة عبر فرض تخصيص جزء من المداخيل للتشجير على كل شركة ملوثة للبيئة أو أي نشاط له انعكاس على البيئة.

كما يجب فرض تصفية فرز النفايات المنزلية على المواطن بالتوازي مع توفير البلديات المستلزمات لذلك من حاويات وغيرها، ومن ثم استغلال تلك النفايات ورسكلتها لاستخراج الطاقة مثلا عوض حرقها ومزيد تلويث البيئة والمناخ بانبعاثات النفايات، دون الحديث عن التلوث البصري الذي ينتجه تركيز مصبات النفايات في المناطق السكنية أو الغابات.

في الخلاصة يجب وضع استراتيجية متكاملة من طرف الدولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه في تونس وتجنيبها انعكاسات التغيرات المناخية، وتنفيذ تلك الاستراتيجية بمعاضدة المجتمع المدني، ففي دول أخرى مثلا يعاقب القانون أي مواطن لا يقوم بفرز نفاياته المنزلية بالتوازي مع توعيته بتلك الممارسة، وهو ما سنعمل عليه كجمعية في تونس عبر اطلاق حملات توعوية وتحسيسية بضرورة فرز النفايات المنزلية وتجنب القائها في أي مكان.

Skip to content