مقالات

بعد التحركات الاحتجاجية والمسيرات الجهوية أي حظوظ للحوار وأية افاق للمواجهة؟

نصر الدين ساسي
صحفي

اختتمت نهاية الأسبوع المنقضي التحركات الاحتجاجية والمسيرات الجهوية التي دعا إليها إتحاد الشغل بمسيرة ضخمة ضمت جهات تونس الكبرى مجتمعة (تونس، بن عروس، أريانة ومنوبة) إضافة إلى مسيرات أخرى بعدد من الجهات  منها قابس وسوسة وسيدي بوزيد وتطاوين. وإذ تعتبر بعض الأطراف ومن بينها السلطة الحاكمة هذه التحركات مندرجة في إطار التصعيد والشحن إلا أنها بحسب المنظمة النقابية هي تحركات تصنف ضمن السياق التعبوي والتأطيري للمحطات والمواجهات القادمة وذلك على الرغم من أن دوافع المنظمة الشغيلة محورية في هذه المرحلة وتتعلق أساسا بالتضييقات المتواترة والقوية على الحق النقابي وحق الإضراب أولا من خلال تزامن سلسلة الإيقافات التي طالت سياسيين بالبلاد مع إحالة عديد المسؤولين النقابيين على التحقيق في تهم مرتبطة بنشاطهم النقابي وفي هذا إحالة ضمنية وإيحاء بأن العمل النقابي قد يكون شكلا من أشكال الفساد. ورغم التصريحات الواضحة للمنظمة النقابية بأن لا أحد فوق القانون وإذا كانت هناك ملفات فيجب إحالتها للقضاء لكن هذا لم يحدث ليبقى التلميح والتشويه بالمنصات الإجتماعية هو الطاغي على المشهد.

ورغم كل هذا التوتر والإستفزاز تبدو هذه المرحلة ناعمة إلى حد كبير ولم تسجل إلى حد الآن دعوات صريحة للمواجهة رغم استعمال مصطلحات الحرب ومرادفات المعركة وهو ما يبقى على السيناريوهات مفتوحة لتطورات الأيام القادمة. لكن في الإنتظار ستكون هناك محطة تقييمية أولى للتحركات الجهوية من خلال عقد المكتب التنفيذي الموسع والذي يضم الكتاب العامين للجهات وأعضاء المكتب التنفيذي ورفع عدد من التوصيات للهيئة الادارية الوطنية المبرمجة ليوم 13 مارس القادم والتي بلا شك ستستعرض مجمل التطورات وفي مقدمتها قرار منع قدوم الوفود النقابية الدولية المساندة لمنظمة حشاد وثانيا مصير الاتفاقات العالقة مع الحكومة وكذلك قانون القطاع العام والخيارات الاقتصادية المطروحة أو التي ينتظرها صندوق النقد الدولي.

 بوادر التوتر جلية خصوصا مع الحكومة والخيارات تبقى مفتوحة بين التصعيد والمواجهة مع الحكومة والحوار مع رئيس الجمهورية خصوصا مع قرب استكمال صياغة المبادرة التي سيقدمها اتحاد الشغل في الأيام القليلة القادمة إلى رأس السلطة التنفيذية والتي تتأرجح الأراء حول مصيرها وخصوصا مدى تفاعل رئيس الجمهورية مع محتوياتها لاسيما في الجانب السياسي. إتحاد الشغل يعتبر دوما أن الحوار أولوية مطلقة من زاوية وجوب تشريك الأطراف الاجتماعية في مختلف الخيارات الوطنية تكريسا لثوابت الحوار الاجتماعي وضمانا لإنخراط العمال في إنجاحها وأيضا صيانة للمكاسب التاريخية التي راكمتها البلاد حتى لا يتم اللجوء إلى الحلول السهلة من خصخصة وتفويت في القطاع العام والمرافق الحيوية وإيمانا كذلك بأن الأزمة الخانقة والمتصاعدة التي تعيشها البلاد قد يلعب فيها الوقت دورا مهما إما في تجاوزها أو في تعميقها أو الدخول في نفق يصعب الخروج منه وكلفته قد تمتد إلى أجيال لاحقة. هذه القناعة بدور الحوار وأهميته في خفض التوترات والرغبة المشتركة في التجاوز والتقارب لا تبدو وشيكة أو ممكنة مع إستمرار حملات التشويه والشيطنة للمنظمة النقابية وكذلك تواصل تفصي الحكومة من التزاماتها وتعهداتها في الاتفاقيات الممضاة مع القطاعات والمؤسسات العمومية وعدم الإهتمام بالجانب التفاوضي وعلاقات الشراكة وعدم تثمين دور الأطراف الإجتماعية في هذه المرحلة المتأزمة.

إذن يبدو أن مبدأ إنتعاش خيار الحوار أو إنعاشه الذي يتبناه إتحاد الشغل حاليا صعب لأنه في تعارض وتقاطع تام مع الخيارات التي تتجه نحوها السلطة التنفيذية أو المفروضة عليها في إطار إملاءات صندوق النقد الدولي والهيئات المانحة وضغوطها وإكراهاتها لكن السؤال هنا، هل إختارت الحكومة الحالية للسيدة بودن وحسمت مواجهة إكراهات الداخل والتمسك بخيط أمل ضعيف يتأرجح بين الإنتعاش أو الغرق في المديونية وبين إكراهات الحوار مع إتحاد الشغل وتفعيل التشاركية للخروج من هذه الأزمة؟ وهل تسعى الحكومة الحالية إلى رد الفعل أمام التصريحات والتأكيدات بفشلها وعدم قدرتها على إدارة المرحلة بالظفر بقرض صندوق النقد الدولي المنتظر ليحسب لها إنجازا حتى وإن كانت فائدته المديرية وكلفته تشاركية بين الأجيال القادمة؟.  

ما من شك في أن كلفة تأزم الحوار هي الأثقل على البلاد خصوصا مع تواتر المعلومات حول المساعي الأخيرة للحكومة المعلن منها والخفي في تأمين الحصول على قرض صندوق النقد الدولي وبعث المزيد من إشارات الإنصياع للتوصيات التي شدد عليها صندوق النقد الدولي من ذلك مبادرة الحكومة بتمرير مشروع تنقيح قانون القطاع العام بشكل أحادي زيادة على التراجع في كيفية تطبيق إتفاق الزيادة وعرقلة تفعيل جل الاتفاقات في القطاع العام والوظيفة العمومية وتجميد الانتدابات ودون أن ننسى رفع الدعم على المواد الاستهلاكية والمحروقات وهذا يتزامن مع لقاءات جانبية للحكومة وإبرام إتفاقيات موازية قد تكون في شكل ضمانات مسبقة مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في مجالات النقل الحديدي والكهرباء والطاقات المتجددة والاتصالات وكذلك الغمزة التي بعثت بها وكالة التصنيف الأمريكية “ستاندر اند بورز” إلى تونس بأنه لا مخرج لها إلا التداين الخارجي. فكل هذه الوقائع تفيد بأن الحوار قد يراد له الفشل من جانب الحكومة والهيئات المالية التي تعد بدعمها. 

تصعيد الحوار 

رغم شراسة الهجمة التي تتعرض لها حاليا المنظمة النقابية إلا أنها تبدو أكثر هدوء من عديد الأطراف الموالية منها أو المعارضة  حيث أثبت التاريخ بأن الحوار هو الخيار الأول والأخير لمنظمة حشاد التي خبرت الأزمات والهجمات وتفاعلت مع مختلف السيناريوهات والتحالفات وانحيازها المبدئي لتونس وشعبها وقد استطاعت في مختلف تلك الأزمات والمعارك أن تنجح في تصعيد الحوار وتوجيهه من خيار إلى ضرورة وكسبت بذلك الكثير من التأييد الشعبي في 1978 وكذلك في مختلف الأزمات السابقة التي شهدتها تونس والتي جنحت فيها الانظمة إلى التصعيد والعنف والاعتقال وبقي إتحاد الشغل منتصرا للحوار.

Skip to content