مقالات

بعيدا عن التشنّج والمناورات السياسية، سعيّد يكشف رؤيته للحوار الوطني في انتظار توضّح مواقف بقيّة الاحزاب

خليفة شوشان،
صحفي.
كثر الجدل وتعددت القراءات والتأويلات للكلمة التي توجه بها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، الثلاثاء 15 جوان 2021 أثناء اجتماع عقده بقصر قرطاج ضمّ رؤساء الحكومات السابقين وحظره رئيس الحكومة الحالي السيّد هشام مشيشي. وكان عنوان هذا اللقاء الابرز الاجابة عن السؤال الذي يشغل الرأي العام الوطني والدولي ايضا والمتمثل في كيفيّة الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس.
 
* خروج عن النصّ
 واستطرادات غير موفّقة
 
خلال كلمة “المكتوبة” على غير العادة والتي تخللتها بعض الاستطرادات والتي توجه بها إلى من حضر من رؤساء الحكومات السابقين ومن خلالهم الى عموم الشعب التونسي ودامت حوالي 23 دقيقة تطرّق رئيس الجمهورية إلى عديد القضايا وأهمها الظرفيّة الصعبة التي تعيشها البلاد في ظلّ حالة الانقسام وتعطّل السير العادي لدواليب الدولة.
كما تطرّق إلى الاخلالات والتجاوزات القانونية والأخلاقية المتعلقة بحصانة النواب والتي تحوّلت إلى أداة لتجاوز القانون، قبل أن يخوض باسهاب في موقفه ورؤيته “للحوار الوطني” والتي تخللتها اشارتان أثارتا اشكالات سياسية غطت على تصوره للحوار وأثارت ردود فعل كبيرة. تعلّقت الأولى  بتفجيره قضيٍة “التخطيط للتخلص منه بما في ذلك اغتياله” والثانية بوصفه الحوار الوطني “بغير الوطني” وهو ما أثار ردة فعل مستنكرة من المنظمات والقوى المدنية والأحزاب السياسية التي أشرفت أو شاركت في “الحوار الوطني” سنة 2013 وكان رد فعل الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة الراعية للحوار هو الأقوى والذي وصل حدّ الاعلان عن سحب مبادرته للحوار الوطني قبل أن تحسم الهيئة الادارية الوطنيّة الأمر بالمحافظة عليها ومنحها فرصة جديدة على أمل التوصّل إلى توافقات بين الفرقاء السياسيين للجلوس إلى طاولة الحوار أو التلويح بالمضي إلى خيار الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة السابقة لأوانها.
 
 رغم التشنّج والمناورات السياسيّة،
الرئيس يستعرض رؤيته للحوار
 
 لإعادة الجدل إلى سياقة كان من الضروري العودة إلى جوهر القضيّة والتركيز على موقف وتصوّر رئيس الجمهورية للحوار والشكل الذي يراه مناسبا، والذي عرضه فيما يمكن تسميته بخارطة طريق واضحة ومكتملة هي الأولى من نوعها اثر موافقته المبدئية قبل اشهر على المبادرة التي تقدّم بها الاتحاد العام التونسي للشغل. لم تكن اعلانا لانطلاق الحوار ولكنها خطوة مهمّة يمكن اتخاذها منطلقا لنقاش وجدل جدّي وبنّاء لوضع اللمسات الأخيرة.
عرض قيس سعيّد لما يمكن تسميته بخارطة الطريق الرئاسية جاء مسترسلا في ختام كلمته ودام قرابة 9 دقائق وجاء فيه بالتفصيل: 
 
* مشروع سعيّد للحوار يؤكد على
تغيير النظام السياسي وتحوير الدستور 
 
 جاء في حلمة سعيّد “اننا مستعدون للحوار لكن لن يكون هذا الحوار محاولة يائسة بائسة لاضفاء مشروعيّة كاذبة على الخونة واللصوص ولن يتم الحوار الا لحل مشاكل التونسيين والتونسيات ولن يكون أبدا كسابقيه.. وأهمّ محاور هذا الحوار هو التفكير في نظام سياسي جديد لنظام انتخابي جديد حتى يكون كل من تم انتخابه مسؤولا امام ناخبيه وليس هذا بالبدعة قد يكون الحوار حول مرحلة انتقال من هذه الحال الى حال جديدة بعيدا عن أيّ صفقات لا في الداخل ولا الخارج في انتظار نظام سياسي جديد أمّا الحوار الذي يوصف بأنّه وطني كما كان الشأن في السابق فلا هو حوار ولم يكن وطنيا على الاطلاق..
إنني ادعوك الى نقاش (حوار) متسق مع مسار التاريخ متناغم مع مطالب الشعب وأؤكد مرّة اخرى انه لا مجال لترك الدولة في مهبّ الصفقات كما لا مجال لترك شعبنا جائعا يقتات من فضلات القمامة. 
يعمل البعض هذه الايام الأخيرة على مزيد التجويع وعلى مزيد الخراب لكن المتاجرة بفقر الفقراء وببؤس البؤساء لم تؤدي بهم إلى أي شيء بل تؤدي إلى مزيد فضحهم.
لندخل في حوار جدّي يكون مرحلة انتقاليّة لحوار يمهّد لحوار آخر  يتعلّق بنظام سياسيّ جديد وبدستور حقيقيّ لأنّ هذا الدستور قام على وضع الاقفال في كلّ مكان ولا يمكن أن تسير المؤسسات بالاقفال وبالصدقات.
إنّ طريق الحوار عندنا واحدة فإن شاء من شاء أن يسلكها وإن أصرّ من أصرّ على  أن يتابعه في هذا النهج المغلوط فليتحمّل مسؤوليته وليتأكّد أن مآله ليس في حاويات القمامة التي يقتات منها الفقراء والبؤساء والمعدمون بل ليتأكّد أنّ مآله هو قمامة التاريخ.
نحن مع الحوار وسنعمل على ابقاء مؤسسات الدولة ولدينا من الامكانيات على الابقاء عليها مهما كانت الترتيبات ومهما كانت الصفقات ومهما كانت مؤامرات الذين لا يظهرون وتظهر أعمالهم أو تظهر ترتيباتهم في بعض المواقف التي يعلمها الجميع.
أرجو أن نكون جميعا في مستوى اللحظة التاريخيّة ان تونس والشعب التونسي لديه من الامكانيّات الكثير ولديه من الارادة الصلبة التي يجعله يواجه كلّ العقبات. لدينا أموال كثيرة في الخارج ولدينا اموال كثيرة في الداخل ولكن للاسف هذه الأموال وهذه الامكانيّات إمّا تمّ السطو عليها وإما أنّه تمّ دفعها لمن يريد أن يبيع هذا الوطن. وتونس لن تكون أبدا بضاعة ولا موضوع صفقة ولن تكون ضيعة يتهافت عليها المتهافتون في الداخل وفي الخارج على السواء”.
 
* الاحزاب السياسية مطالبة بتوضيح
رؤيتها وتصوّرها للحوار قبل انطلاقه
 
رئيس الجمهورية ختم كلمته بدعوة رؤساء الحكومات السابقين إلى تقديم مقترحاتهم للخروج من الأزمة واتفق معهم حسب ما ورد في الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة على “الاجتماع مجدّدا في أقرب الآجال حتى يقدّم كلّ مشارك تصوّره للحلول” والانفتاح” على إمكانية تشريك أطراف أخرى شرط أن يكون العمل نابعا من تصوّرات وطنية لا من اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيّقة”.
هل يمكن أن نعتبر لقاء الثلاثاء انطلاقة حقيقية للحوار أم هي مجرّد مشاورات تمهّد لانطلاقته الفعليّة؟ أعتقد أن ما قدمه سعيّد يمثّل خطوة جديّة لوضع كل المواقف والتصورات على الطاولة وتعزيز لمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لم تخل من تنازلات ومناورات ستتوضح خلال الأيام القادمة في علاقة بمصير حكومة المشيشي والتحوير الوزاري المعلّق وفي علاقة بفرض عنوان ابرز أطلق عليه “المرحلة الانتقالية” التي تنتهي لزوما بتغيير النظام السياسي والانتخابي ومراجعة الدستور، وعدم الاكتفاء بتركيز الحوار على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي كما ترغب تصريحا وتلميحا الحكومة وحزامها السياسي وفي مقدمتهم حركة النهضة. خطوة حررت الرئيس من حشره في الزاوية السياسية وتحميله مسؤولية رفض الحوار.  وما على بقيّة الاطراف السياسيّة المعنيّة بالحوار سوى عرض تصوراتها للحوار وموقفها من تصوّر الرئيس بكل وضوح وبعيدا عن المناورات والتمترس في خندق التعبير عن الاستعداد للحوار.
Skip to content