مقالات

تجلّيات التمييز والوصم زمن الحالة الإستثنائية: رئيس الدولة ينسب الفساد إلى مهن دون غيرها

مجدي الورفلي
صحفي

خلال الفترة الاستثنائية التي عاشتها تونس منذ 25 جويلية، أصبح التمييز والوصم قائما على المهن والأصل الإجتماعي والنشاط الإقتصادي بربط الفساد ببعضها من طرف رئيس الدولة، وفق تقرير صادر عن الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية لقياس مدى إحترام تونس لمبدأ عدم التمييز الذي أكد أنه شمل الفئات المستضعفة بصيغ أخرى مما عمّق هشاشة وضعيّتها.

كشفت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية، الخميس 2 ديسمبر 2021، عن تقريرها المرحلي الثالث المتعلق بالحقوق والحريات خلال الحالة الاستثنائية والذي تناول “التمييز والوصم في الخطاب والممارسة” من خلال دراسة وضعية الحريات خلال الفترة المتراوحة بين تاريخ اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن الإجراءات الاستثنائية المتمثلة أساسا في إقالة الحكومة وتعليق نشاط واختصاصات مجلس نواب الشعب في 25 جويلية 2021 و25 نوفمبر 2021.

تقرير “الحقوق والحريّات زمن الحالة الإستثنائية: التمييز والوصم في الخطاب والممارسة” أورد أن التمييز والوصم يتعارضان مع أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان وعلى رأسها الفصلان 2 و26 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وعدّد مظاهر الوصم والتمييز الحاصلة خلال فترة العمل بالإجراءات الاستثنائية او الحالة الاستثنائية كما أسماها التقرير الذي بُني على محورين أساسيّين يتجلّى من خلالهما التمييز والوصم ويتمثّلان أولا في وضعية الفئات المستضعفة خلال الفترة الاستثنائية وثانيا في التمييز بين الأشخاص خلال الفترة الاستثنائية.

التمييز والوصم: الصحفيون والسياسيون أمثلة

التمييز والوصم، وفق ما أورده التقرير الذي تم تقديمه يوم الخميس خلال ندوة صحفية بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيّين، طال قطاعات دون غيرها حسب طبيعة النشاط الاقتصادي والأصل الاجتماعي، وأوضح التقرير أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يربط الفساد أساسا بالمهنة أو بالأصل الاجتماعي وهو ما عبّر عنه عديد المرات بطريقة غير صريحة من خلال اتهامه لمهن معينة بالفساد دون غيرها من المهن.

ربط الفساد بمهن وأصل إجتماعي مُعيّن، وفق تقرير، يضرب قرينة البراءة ويؤسس للتشويه والاعتداء من قبل الأفراد أيضا إما مباشرة أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ومن المهن التي ربطها رئيس الدولة بالفساد أورد التقرير كأمثلة الصحفيين والصحفيات والناشطين والناشطات بالأحزاب السياسية والقضاة والمحامين ورجال ونساء الأعمال والناشطين والناشطات بالمجتمع المدني.

صنف التقرير الصحافيين والصحافيات كأكثر الفئات التي تعرضت للاعتداءات منذ 25 جويلية 2021، إذ تم بشكل ممنهج مقاطعتهم من قبل رئاسة الجمهورية بشكل يتعذر معه حصولهم على المعلومات مباشرة مما يضرب جوهر حقهم وحق المواطنين في الحصول على المعلومة، كما ذكر التقرير إعفاء المدير العام للتلفزة الوطنية بشكل وصفه بالـ”مريب” وتسييرها إلى اليوم عبر مديرة عامة بالنيابة.

ولم يتوقف الأمر عند تلك الامثلة حيث اضاف التقرير أن الاعتداءات تواترت سواء من خلال الحدّ من الحقوق والحريات أو من خلال التشويه حيث تعرّضت الصحفية ليليا بلاز،خلال شهر أوت، على مواقع التواصل الاجتماعي من انتهاكات من قبل أنصار الرئيس  وهو ما تكرر ليشمل عددا كبيرا من الصحفيين والصحفيات ليدفع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لإصدار بيان يندد بهذه الاعتداءات التي تمس من حرية التعبير والصحافة وضرورة تتبع الأشخاص المعتدين.

وبعد ذلك تجاوزت الفضاء الافتراضي ليقع التهجم في يوم 10 أكتوبر على عدد من الصحفيين والصحفيات خاصة من طرف أعوان الأمن خلال مواكبتهم  للمظاهرات التي تم تنظيمها بشارع الحبيب بورقيبة مما أدى إلى إصابة عدد منهم، وقد تم قبل ذلك الاعتداء على الصحفية أروى بركات أيضا من قبل أعوان الأمن، وفق ما أورده تقرير “الحقوق والحريّات زمن الحالة الإستثنائية: التمييز والوصم في الخطاب والممارسة”.

الناشطون والناشطات في الأحزاب السياسية مثال آخر أوردته التقرير عن المهن والأصل الإجتماعي التي ربطها سعيد بالفساد، حيث أورد التقرير أنه منذ إعلان الحالة الاستثنائية ضُرب الحق في النشاط السياسي وذلك من خلال الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية ورفضه الحوار مع الأحزاب السياسية سواء المؤيدة له أو المناهضة، وخطاب التشويه الذي تداوله لإدانتهم والإتهام بالفساد دون سند ودون وجود قضايا في حقهم جاعلا جميع السياسيين والسياسيات في نفس الخانة دون أي تمحيص وتنسيب.

على المستوى الفردي تم المس من كذلك من حقوق الناشطين والناشطات بالأحزاب السياسية وذلك من خلال حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم، إذ تم منذ يوم 26 جويلية إيقاف عدد كبير من النواب ووضع العديد منهم تحت الإقامة الجبرية دون أي موجب قانوني قبل أن يتم الإفراج عن بعضهم لاحقا، كما تم إخضاع ابن السياسي والأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، الذي اتهمه رئيس الجمهورية بالفساد عندما كان وزيرا أملاك الدولة، عند السفر للاستشارة الحدودية تطبيقا لإجراء س17 دون موجب قانوني.

ليخلص تقرير “الحقوق والحريّات زمن الحالة الإستثنائية: التمييز والوصم في الخطاب والممارسة” إلى أن كل هذا التحريض والإتهام من قبل رئيس الجمهورية صاحب الشعبية الكبيرة، حسب نتائج سبر الآراء، جعلت من حملات التشويه والتحريض تجاه الناشطين والناشطات في الأحزاب السياسية أكثر حدّة مما يهدد سلامتهم الجسدية والنفسية.

 وضعية الفئات المستضعفة

التجلّي الثاني للتمييز والوصم الذي تضمّنه تقرير “الحقوق والحريّات زمن الحالة الإستثنائية: التمييز والوصم في الخطاب والممارسة” هو  وضعية الفئات المستضعفة، حيث أورد أن وجود الحالة الاستثنائية وتنامي الخطاب الشعبوي للرئيس وأنصاره عمّق من هشاشة الوضعية التي تعيشها الفئات المستضعفة خاصة منها النساء رغم من تكوين حكومة يحضرن فيها بقوة إلا أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنساء لا تزال هشة وفي تدهور.

تعمّق هشاشة الوضعية التي تعيشها الفئات المستضعفة خلال الحالة الاستثنائية لم يتوقّف على النساء، حيث أكد التقرير أنه شمل المهاجرين والمهاجرات وطالبي وطالبات اللجوء واللاجئين واللاجئات الذين وجدوا أنفسهم إضافة إلى الوضعية الصعبة التي يعيشونها غير مشمولين بالقدر الكافي من حملات التلقيح والتحسيس بها، ونفس الشيء بالنسبة للأطفال خاصة مع اقتراح الرئيس التلقيح للأطفال وهو ما يؤدي إلى التمييز بينهم على أساس الحالة الصحية.

 أما بالنسبة للمثليّين والمثليات والعابرين والعابرات (مجتمع م.ع+)، فقد أكد التقرير ان الوصموالتمييز بشأنهم  يتصاعد أكثر فأكثر إضافة إلى الاعتداءات التي طالت مؤخرا رئيس الجمعية التونسية للعدالة والمساواة (دمج) وأخيرا الأشخاص المنتمون لديانات غير الديانة المهيمنة، الذين يعيشون في دولة “لا يدري رئيسها كيف يقرأ الفصل السادس من دستورها الذي يكرس حرية الضمير”، وفق ما أورده التقرير.

Skip to content