مقالات

تداعيات الحرب على اقتصادنا: نقص التزود وارتفاع التضخم وتزايد استثمارات الطاقة وارد

طارق السعيدي
صحفي

لم يعد أحد في منأى من مخاطر الحرب ونتائجها فالخطر أصبح اليوم معلوما من حيث الآثار والنتائج على حد قول اولريش بيك. ولذلك فإنه من المؤكد أن تكون للحرب انعكاسات اقتصادية كبرى على بلادنا باعتبارها جزء من هذا العالم القرية. غير أنه منسوب اليقين في وجود التأثير يتضاءل عند الحديث عن درجة التأثير ومداها فتأثيرات الحرب عامل متغير لا يمكن حصره بدقة ويختلف بشكل كبير باختلاف السياسات الدولية والوطنية في التعامل معه.

وضع معقد وضبابي

إن أكثر الأمور بداهة فيما يتعلق بتداعيات الحرب على الاقتصاد التونسي هو تعميق حالة اللايقين فقد كنا إلى أسابيع قليلة نعرف حالة لايقين داخلي نتيجة عدم نجاح الدولة التونسية في توضيح تصورها الاقتصادي والاجتماعي. فنحن لا نعلم حقيقة الخيارات الاقتصادية للدولة خاصة وأن قانون المالية مؤقت وغير واقعي، ومرتبط بشكل وثيق بمدى الحصول على الدعم الخارجي من صندوق النقد الدولي، وهو دعم غير مؤكد مما يزيد في الضبابية والغموض. والآن ومع الحرب أصبحت الضبابية مضاعفة حيث لا نعرف مصير العالم ولا تأثيرات الحرب على حركة التبادل التجاري ولا حركة امداد السلع أو تنقل الأشخاص لأن الوضع الحالي المستقر دوليا قد يتطور في كل لحظة مع تطورات واقع الحرب. فالراسخ أن هناك تغيرات كبرى ستشهد العلاقات الاقتصادية الدولية غبر أننا لا نعرف مسار إعادة تشكلها.

انعكاسات مباشر وغير مباشرة

ورغم الغموض السائد اقتصاديا وسياسيا فإن الانعكاسات المحتملة للحرب تنقسم إلى جزئين فهناك تداعيات عاجلة وهناك تداعيات على المدى القريب والمتوسط. ويرى الأستاذ والخبير الاقتصادي لدى الاتحاد العام التونسي للشغل الدكتور منجي السماعلي أن التداعيات الحينية والآنية للحرب في أوكرانيا تتمثل في تراجع القدرة على التزود نظرا للظروف التي يمر بها المزودون في أوكرانيا وروسيا من ناحية ولارتفاع محتمل لكلفة النقل في ظل الوضع الأمني المعقد من ناحية أخرى. وشرح السماعلي في تصريح للمدنية أن الحرب قد تؤدي إلى تراجع العرض وبالتالي ارتفع الأسعار خاصة في المواد الأساسية وأساسا الحبوب والمحروقات. أما عن الانعكاسات غير المباشرة فتتمثل أساسا في الارتفاع المتوقع للأسعار على صعيد عالمي وهو يخلق تباطئ في النمو على مستوى العالم خاصة مع الشركاء مما يؤدي الى تباطئ النمو التونسي الذي سيتأثر بالنمو العالمي. ومن التداعيات المحتملة الأخرى وفق الخبير منجي السماعلي أن يشهد العالم موجة تضخمية تكون انعكاساتها سلبية على الاقتصاد التونسي سواء عبر التسبب في التضخم المحلي وتدهور المقدرة الشرائية.

خطاب رسمي

إن هذا الوضع المعقد جدا يستوجب سياسة اتصالية رسمية فيها الكثير من الذكاء من أجل طمأنة الفاعلين الاقتصادين التونسيين والأجانب. فالاستثمار قرار ينطوي على المخاطر ولا يحدث في حال تعددت التهديدات ولذلك فإن الخطاب الذي يحمل الكثير من التشكي من الوضع وانعكاساته لا يحفز الاستثمار ولا يخدم مصلحة الاقتصاد فالمطلوب هو خطاب الطمأنة والوضوح. والحقيقة أن ما حمله الخطاب الرسمي الصادر عن بعض الوزراء حول تأثيرات الحرب على الاقتصاد التونسي فيه الكثير من المبالغة وكأن الجماعة يبحثون عن شماعة يعلقون عليها عدم القدرة على التحرك واتخاذ القرارات المناسبة. إن تعداد انعكاسات الحرب على الاقتصاد هو مجال تدخل الخبراء والصحفيين وليس من مشمولات الوزراء في شيء بل على العكس من ذلك فإن السادة الوزراء مطالبون بإيجاد المخارج واقتراح التصورات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتخفيف وطأة الانعكاسات المحتملة للحرب على الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، كما يجب على خطابهم أن يحمل هذا المضمون.

تفاؤل ضروري

على طرف نقيض مع الانعكاسات السلبية للحرب توجد بعض المؤشرات التي قد تدل على إمكانية وجود انعكاسات إيجابية للحرب فهذه الحرب شأنها شأن كل المخاطر بقدر ما تحمل الخوف تحمل التفاؤل والأمل. وقد يكون من المهم التأكيد على الحرب فعل شنيع يجب أن يتوقف فورا وأنه لا توجد فائدة اقتصادية تفوق قيمة حياة انسان وأن الحديث عن الفوائد المحتملة لا يعني الارتياح ولو لحظة واحدة للحرب ولصوت القنابل والرصاص. غير أننا هنا بصدد الحديث عن احتمالات ممكنة لتداعيات ما بعد الحرب التي قد تحمل توزيعا جديدا للإنتاج العالمي للطاقة بما يعني اعادة توزيع الاستثمارات في هذا المجال. وفي هذا الصدد تأتي تصريحات السيد المدير العام للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية تؤكد احتمال وجود انعكاسات إيجابية للحرب على الاستثمارات النفطية خاصة وأن هناك عقود بصدد الدرس مع شركات ناشطة. كما قد يؤدي إعادة تشكل الخارطة الطاقية للعالم بروز دور أكبر لبلدان شمال افريقيا وهو ما يعني ارتفاع حصص تونس من عائدات الطاقة ونقلها.  وعلى صعيد سياحي قد تؤدي توتر العلاقات بين بلدان آسيا وأروبا إلى تزايد فرص بلدان شمال افريقيا ومنهم تونس في الحصول على نصيب أكبر من السياح. وبشكل عام فإن الجزم بنتائج مؤكدة للحرب غير ممكن فهذا الأمر يرتبط بمدى طول الحرب وشكل التسوية التي تؤدي إلى انهائها وموقع الفعالين الدوليين من عملية الحرب والسلام وهي معطيات مؤثرة بشكل عميق على نسق ومسار التأثيرات المحتملة للحرب ولذلك فلنراقب وننتظر.

Skip to content