مقالات

تنطلق من بيت الشعر: شفافيات مبادرة ثقافية مواطنية لمجموعة من المبتكرين الثقافيين

سيماء المزوغي
صحفية

“شفافيات”هي مبادرة فنية إبداعية لمجموعة من المبتكرين الثقافيين والحاملين لمشاريع ورؤى تؤسس للمعنى وتخلق القيمة. وترحّب بالأفكار المبتكرة والمستحدثة، وتهدف إلى نشر الفكر الحر والوعي المستنير من أجل ترسيخ نبض جديد ينير إنسانيتنا، باعتبار أنّ الثقافة هي نبض المجتمعات، كما تسعى شفافيات للتعريف بالاتجاهات الإبداعية من خلال تكوين حلقات نقاش وتفكير وابتكار وتنظيم تظاهرات وملتقيات متواصلة.

أولى محطات هذه التظاهرة تنطلق في إطار العمل على تثمين تراشح الفنون وتجانسها وتقاربها وتعزيز العلاقة العريقة بين الشعر والفنون التشكيلية خاصة، حيث يحتضن بيت الشعر التونسي هذه تظاهرة “شفافيات” في خطوتها الأولى، وذلك ابتداء من الخميس 09 ديسمبر إلى غاية الأحد 12 ديسمبر 2021.

تفتتح التظاهرة بالمعرض التشكيلي المتنقّل À vingt mille lieux sous la peau لريم سعد الباحثة والفنانة التشكيلية ومؤسسة “شمعدان: الورشات المتنقّلة”،  المعرض الذي يحط الرحال هذه المرّة في بيت الشعر في المدينة العتيقة بعد جولة له في جزيرة جربة.

وعلى هامش المعرض ستقوم الفنانة بعرض حيّ لـ”رحلة العين” في إطار مقاربتها المبتكرة لفنون الشارع كما سيتمّ الإعلان الأول عن الابتكار “فن الشارع الرقمي” street art digital إضافة إلى تقديم خارطة “العين” الرقمية.

وستتخلل التظاهرة أمسيات شعرية ومداخلات فكرية يشارك فيها شعراء وفنانون. وحلقة نقاش وتفكير تديرها أستاذة اللغة والآداب الفرنسية في المعهد العالي للفنون الجميلة  زهرة قدانة ومدير بيت الشعر أحمد شاكر بن ضية حول مختلف التعبيرات والاتجاهات الأدبية والصحفية في علاقة بالفن والثقافة في تونس اليوم، بحضور ثلة من الفاعلين الثقافيين، إضافة إلى قراءات شعرية وورشات كتابة تفاعلية في تمازج بين الشعر والفن التشكيلي.

وعن فلسفة “شفافيات”، تعتبر الفنانة التشكلية ريم سعد لـ”جريدة المدنية” أن رمزية  شفافيات تنطلق من فكرة أنّ الفن التشكيلي تطور كثيرا نتيجة للتطور التكنولوجي وفكر وفلسفة الفنانين المعاصرين بترابط وإحياء السياقات والصياغات، ومختلف الوسائط التشكيلية، وقد ظهرت نتيجة لتك التطورات في الأعمال الفنية المعاصرة العديد من القيم والمعاني التشكيلية كنظريتي الشفافية والفراغ، وهما في آن كانتا بابا للعديد من التصورات الفلسفية والأدبية والابتكارات التشكيلية في مختلف الحضارات وعلى مرّ العصور، والشفافية أيضا هي قدرة المادة على نفاذ الضوء ورؤية ما خلفها من تفاصيل، نتيجة لما تتميز به من نقاء…

وكي نتعمّق أكثر في هذا المفهوم، ورد في عمل بحثي مشترك بين الدكتورة المحاضرة مرام محتسب والأستاذة أميرة سعد يوسف من جامعة جدّة عن “الشفافية كرؤية معاصرة وعلاقتها بالفراغ في الفن التشكيلي المعاصر أنّ مفهوم الشفافية برز في القرن العشرين، وقد ارتبط هذا المفهوم في الفنون بالتطور الفكري للحضارات، ومفاهيمها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية،  إضافة للتطورالمادي، والتقني في اكتشاف آليات جديدة لتحقيقه، فالشفافية إحدى خواص المادة التي يكون الجسم من خلالها منُفذًا للضوء، وتُعد الشفافية عاملا من عوامل إضافة التنوع، فالمناطق المتراكبة تظهر وقد جمعت بين صفات العنصرين اللونية والملمسية”، 

ويحلّل البحث كيف اكتسبت الأعمال التشكيلية البنائية المعاصرة أبعادا فكرية، وحسية، وجمالية، للتنوع في استخدام التقنيات، والأساليب التشكيلية التي تناولها الفنانون، فأضحت أعمالهم التشكيلية الشفافة أكثر تناغماً مع الفراغ المحيط. فالشفافية أداة التواصل بين الفضاءات بمختلف أشكالها، وأنواعها المادية والتعبيرية، حيث أنها تبعث الحياة والضوء في البيئة الداخلية المغلقة، من خلال تواصل ما بداخلها وخارجها معا، أي تعمل على نقل المشاهد من الخارج إلى الداخل وبالعكس، ليصل إلى المعنى الكامل، والتواصل ما بين الداخل، والخارج وما بين الفضاءات المادية، والتعبيرية”. كما تأثر الفن التشكيلي المعاصر بمختلف التقنيات، والأساليب و الخامات التي ظهرت حديثًا، والتي تخضع في تشكيلها، وتصميمها إلى فكر، وفلسفة الفنان المعاصر، بحيث تحوي مضامين، وفلسفات فكرية، تعالج فكرة، أو قضايا مجتمعية، حيث يسعى الفنان المعاصر إلى تحقيق أبعاد تعبيرية وفنية، خاصة من خلال الشفافية التي تقوم على تصوير الموضوعات الإنسانية بأسلوب شفاف، يدعم الإحساس بصور مجازية ورمزية تحمل إيحاءات، وغموضا وتعبيرات أخرى تعكسها قيم رؤية معاصرة.

أما “العين” التي تحدّثنا عنها سلفا فهي حركة فنية لريم سعد انطلقت منذ سنة 2018 ومتواصلة إلى الآن حيث تقدم فيها الفنانة نظرتها لفن الشارع من خلال العيون التي تلصقها في الأماكن العامة لترسّخ فكّرة الانتباه للثقافة والفن باعتبارهما جوهر حياة المواطنة وعمقها وأعمدتها، وتطرح فكرة الاختلافات من خلال التفاعل والرمزية المؤثرة وهي في آن اتجاه لخلق طريق وعي إنساني يقوم على الفكر النقدي، بدأت الفكرة من أنه يجب الانتباه إلى الثقافة والفن باعتبارهما جوهر حياة المواطنة، وتطرح فكرة الاختلافات من خلال التفاعل والرمزية المؤثرة التي تجعل من يراها يتساءل،  وهي في آن اتجاه لخلق طريق وعي إنساني يقوم على الفكر النقدي. وملصقات العين هي نسخ مبتكرة للـ”العين”  عن لوحة فنية اشتغلت عليها بتقنية الفسيفساء المائية بيعت في أحد معارضي،  تجمع العين ألوان إفريقيا والبحر المتوسط وتكتنز درجات  وألوان كوكبنا الأرض بمختلف تنوعات سكانها وأعراقهم وأعرافهم واختلافاتهم. وتحمل صورة  “العين” عدّة دلالات ورمزيات  حسب الثقافات والحضارات.

Skip to content