مقالات

حساب دفع الحياة الثقافية.. محنة زادت من تعميق الأزمة

ايمان الصيد

قطاع الثقافة والفن في تونس هو أكثر القطاعات تضررا بسبب تفشي فيروس كورونا.. فيروس دخلت على إثره الحياة الثقافية في حجر صحي مطول… بدأ بإغلاق الأماكن العامة مثل المعارض الفنية و قاعات الحفلات الموسيقية والمطاعم والملاهي الليلية أبوابها وختمها بصعوبات واجهها الفنانون والمغنون والموسيقيون وكل العاملين في المجال الثقافي والفني، صعوبات مالية جمة لأن عملهم في هذا المجال هو مصدر دخلهم ومورد رزقهم الوحيد.

ثلاثة أشهر من الحجر الصحي عطلت الحركة الثقافية والفنية بالبلاد وعمقت صعوبة الوضعية المالية والاجتماعية لأهل الفن المزرية منذ سنوات حتى وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها دون قوتهم اليومي.

حساب دفع الحياة الثقافية… من أجل الخروج من عنق الزجاجة

تعقدت وضعية الفنان والمهنيين من تقنيين ومصورين وتقنيين خاصة من الذين اتخذوا من الفن مورد رزقهم والوحيد . وضعية صعبة سارعت على إثرها وزارة الشؤون الثقافية منذ منتصف شهر مارس الماضي إلى إنشاء “حساب دفع الحياة الثقافية” وهو صندوق يمول من الهبات والتبرعات من أجل مساعدة المبدعين وكل الفاعلين في القطاع الثقافي على تخطي الازمة الراهنة وتنفيذ مشاريعهم الثقافية والفنية.

وفي بلاغ لها قالت وزيرة الشؤون الثقافية شيراز العتيري إن هذا الدعم سيكون على مرحلتين “تهدف الأولى من بداية الحجر إلى غاية شهر جوان إلى مساعدة المؤسسات والأفراد العاملين في المجال الثقافي والذين هم الأكثر هشاشة وتأثرا بالأزمة الراهنة من أجل تخطي هذه الصعوبات في حين تهدف الثانية من شهر جويلية فصاعدا إلى المساعدة في إحياء وتطوير القطاع.”

وبهذا الخصوص اتصلنا برئيس لجنة حساب دفع الحياة الثقافية نعمان الحمروني الذي أعلن أن” 1582 هو عدد المنتفعين بمنحة الحساب في كل القطاعات بحجم مساعدات بقيمة 1423800د وقد وقع دفع المساعدات على قسطين مؤكدا أن أكثر من 80 بالمائة وقع صرف مستحقاتهم ولم يبقى إلا القسط الخاص بشهر جويلية بقيت بعض المطالب المقبولة لم يقع صرف منحتها بسبب مشكلات في المعرف البنكي “الريب”.

وأشار رئيس لجنة حساب دفع الحياة الثقافية أن “قطاع الموسيقى كان أكثر القطاعات استنفاعا بالمنحة حيث تم قبول 958 مطلب بحجم مساعدات وصل إلى 862200 د ” لافتا إلى أن اللجنة القطاعية “اصطدمت بالعدد المهول للمفات المودعة و التي تجاوزت ال3 آلاف مطلب غير ان اللجنة أعطت الأولوية على وجه الخصوص للأفراد الأكثر هشاشة أو الأكثر تأثرا بانتشار الفيروس”.

وأوضح نعمان حمروني أن اللجان القطاعية لازالت تواصل اعمالها وذلك بدراسة المطالب المودعة من قبل المؤسسات العاملة بالقطاع الثقافي للانتفاع بتدخلات “حساب دفع الحياة الثقافية ” والتي سيقع الاعلان عن نتائجها حال الانتهاء من دراستها” قائلا ان “عملية جمع التبرعات والهبات مازالت مستمرة” لأنه ليس بالأمر الهين وفي ظرف اقتصادي صعب تمر به البلاد توفير سيولة لصندوق تبرعات غير ممول من ميزانية الدولة “.

كما اضاف نعمان حمروني انه ومنذ احداث الصندوق تم تكوين لجان لدراسة المطالب عن بعد وفي بعض الاحيان يتطلب الامر الاجتماع في مقر الوزارة وهو ما تطلب الكثير من الجهد والمشقة والحيطة في ظل انتشار فيروس كورونا.


فنانون و مبدعون ضحية الحجر الصحي…

شلل تام أصاب الأنشطة الثقافية والفنية فتوقف مدخول الفنان في تونس وهو الذي ينتظر منذ زمن طويل صدور قانون يضمن حقوقه ويعترف بمكانته فما راعه إلا أن تفاقمت وضعيته المالية بعد أن ألقت كورونا بضلالها على قطاع بأكمله.

وفي ظلّ هذه الأزمة الصحيّة غير المسبوقة والتي توقّفت بموجبها جميع الأنشطة الثقافية والفنيّة، وجد الفنّانون والتقنيون وخاصة العاملون العرضيون في القطاع الثقافيّ والفنيّ، أنفسهم إزاء بطالة قسرية وفي مواجهة وضعية هشة دون مورد رزق أو رؤية واضحة للمستقبل.

منحة الصندوق أصبحت محنة الفنانين والمبدعين

“حساب دفع الحياة الثقافية مهزلة كبرى” هكذا عبر عازف الكمان المحترف كمال الشريف الذي قال إنه تمت الموافقة على ملفه منذ 7 ماي و لا يزال لليوم لم يتحصل على أي قسط من الأقساط مشيرا الى أن اغلبية المتحصلين على منحة الصندوق هم ممن أودعوا ملفات ورقية بمكتب الضبط أما الفنانين الذين أرسلوا مطالبهم عبر المنصة الالكترونية فقد تحصلوا فقط على الموافقة بتعلة وجود مشكلة في المعرف البنكي مواصلا حديثه بقوله أنه قد أرسل المعرف أكثر من مرة ولكن دون جدوى ولا يجد سوى المماطلة والتعطيل كرد على طلبه وهكذا يتواصل مسلسل الذل مع هذا الصندوق، صندوق الهدف منه حفظ كرامة الفنان فما راعنا ألا يهان به الفنان”.. مضيفا أن “3 أشهر و 5 أيام دون أي مدخول واليوم المهرجانات لم تستأنف نشاطها والوضعية كارثية لأغلب الفنانين”.

من جانبها قالت الممثلة نجوى ميلاد إن وزارة الشؤون الثقافية ولئن بذلت قصارى جهدها لمتابعة الوضعيات الأكثر صعوبة ببعث هذا الحساب فإنه قد كان “وهما وكذبة كبيرة” وفق تعبيرها. كما عبرت نجوى ميلاد عن غضبها من عدم تشريك تعاونية الفنانين التونسيين وتغييبها في عملية فرز وضبط المطالب والملفات المعروضة وفي ذات السياق نوهت الممثلة بوضعيتها المادية المتأزمة في ظل الغاء 7 عروض مسرحية كانت مبرمجة للعرض خلال فترة الحجر الصحي بسبب تداعيات كورونا والتي فرضت تعليق كل الانشطة الثقافية من بينها العروض المسرحية.

الأكثر تضررا من شلل القطاع الفني بالكامل، حسب المطرب حمدي سيالة، “هم أعضاء الفرقات الموسيقية التي كانت تصاحب الفنانين المشاهير في حفلاتهم وسهراتهم وأعراسهم ولا يسلط عليهم الضوء مثلهم” وقد أشار حمدي سيالة إلى انه لم يتقدم بمطلب للحصول على المنحة بالرغم من أنه يتمتع بجميع الشروط المطلوبة إلا أنه اختار ان يترك المجال لزملائه الأكثر تضررا باعتباره أعزب وباعتبار معاناة الكثير منهم في الوضع الحالي من اجل توفير القوت اليومي لعائلاتهم و اطفالهم”.مضيفا أنه “ومع غياب إطار قانوني ومؤسّساتي واضح ينظّم القطاع ازداد الوضع تعقيدا وأصبح معه الفنّ قطاعا هشّا لا يؤمّن حياة كريمة لممتهنيه”.

Skip to content