كيف تتحقق السيادة الوطنية؟

دفع تونس للاقتراض الخارجي والاعتماد على المانحين الدوليين أهمّ آلية لتثبيت تبعيّتها للخارج

الخبيرة في الشأن الاقتصادي جنّات بن عبد الله لـ"الجريدة المدنيّة"

مجدي الورفلي
صحفي

لا يبدو الحديث عن السيادة الوطنية بمعزل عن الوضع الاقتصادي والمالي لاي دولة صائبا، وفي كل الحالات دفعت العولمة المالية والاقتصادية إلى تخلي الدول عن جزء من سيادتها لكن في سياق منافع يضمنها تكتلها في إطار تحالفات كالإتحاد الأوروبي. أما دول العالم الثالث كتونس فقد كان دفعها إلى الاقتراض الخارجي والاعتماد على المانحين الدوليين أهم آلية لتعميق حالة المديونية في هذه الدول وتثبيت تبعيّتها إلى الخارج وخروج قراراتها السيادية من يدها، هذا أهم ما جاء في حوار أجرته “الجريدة المدنية” مع الخبيرة في الشأن الاقتصادي والمالي جنات بن عبد الله.

أي علاقة بين وضع أي دولة اقتصاديا وماليّا وسيادتها الوطنية؟

جاءت العولمة المالية والاقتصادية من منظار الفكر الليبرالي لرفع كل الحواجز المادية واللامادية بما في ذلك الثقافية والحضارية والتاريخية في اتجاه توحيد المفاهيم والقوانين استنادا إلى الفكر الليبرالي الذي يعمل على إرساء مفاهيم ونظريات تقوم على “تأليه” رأس المال على حساب القيم والمبادئ التي راكمتها الشعوب على مرّ التاريخ. لقد عملت المدرسة الليبرالية على ضرب الخصوصيّة الفكرية والثقافية والحضرية والتاريخية للشعوب لفتح الطريق أمام رأس المال العالمي لنهبها والاستحواذ على العقول والخيرات الوطنية من خلال التسويق لأقلمة القوانين الوطنيّة مع المعايير الدوليّة التي صاغتها على مقاس رأس المال العالمي في اتجاه القضاء على الدولة الوطنيّة وتحويلها الى مقاطعة لخدمة الرأس المال العالمي.

وفي هذا السياق دخلت الدول في تحالفات وتكتّلات اقتصادية عبر ضرب أجزاء من سيادتها الوطنية بما في ذلك سيادتها النقدية بتحوّل القرار السياسي والمالي والنقدي والاقتصادي إلى يد سلطة أعلى من سلطة الدولة الوطنيّة. وبالنسبة للدول النامية كتونس فقد عملت القوى العظمى على تركها مُنفردة وخارج التكتّلات الاقتصادية لإضعافها والتمكن من الاستحواذ على ثرواتها وطاقاتها البشريّة تحت شعارات رنّانة مثل دعم انتقالها الديمقراطي ومساعدتها على بلوغ مرتبة الدول المتقدّمة، وفي الحقيقة تتناقض تلك الشعارات الجوفاء في ظاهرها مع ما تُخفيه من ألغام دمّرت المفهوم التقليدي للسيادة الوطنيّة.

وفي هذا السياق عملت القوى العُظمى على إضعاف اقتصاديات تلك الدول بتواطئ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفيما بعد المنظمة العالمية للتجارة وحكومات تلك الدول من خلال دفعها للاقتراض الخارجي والاعتماد على المانحين الدوليين الذين سخّروا النظريات الاقتصادية الليبرالية من أجل تعميق حالة المديونية في هذه الدول وتثبيت تبعيّتها للخارج مقابل إرساء قوانين تضرب حضارتها وتاريخها وهويّتها وخصوصيّتها، على أمل الالتحاق بدول جشعة تحتكر التكنولوجيا وتمنعها على الدول النامية، وهذه القوانين كذلك جاءت لخدمة مصالح الشركات العالمية ورأس المال العالمي على حساب الشعوب والدولة الوطنية.

في تقديركم، هل يُمكن اعتبار تونس دولة ذات سيادة وطنية بالنظر الى تعهداتها المالية لدى المانحين وخاصة صندوق النقد الدولي ووضعها الاقتصادي؟

لقد انخرطت تونس في العولمة الاقتصادية من خلال اتفاقيات ومعاهدات دولية في جميع المجالات بما في ذلك حقوق الانسان، وهذا الانخراط لم يرافقه انتماء الى تكتّل اقتصادي حقيقيّ حيث بقيت السوق العربية المشتركة والاتحاد المغاربي شعارات لا أثر لها في الواقع، وهذا الوضع أضعف القدرات التفاوضية مع المانحين الدوليين وفي مقدّمتهم صندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي وهما وجهان لعملة واحدة بالعمل لصالح الشركات متعددة الجنسيّات ورأس المال العالمي في السوق التونسية.

هذه القدرات التفاوضية غابت اليوم في ظل تفاقم الازمة المالية الداخليّة وحاجة البلاد للسيولة المالية لتمويل ميزانية الدولة وفتح الطريق أمام الاستثمار الأجنبي ورأس المال العالمي لفرض قوانينه على حساب القوانين الوطنية ومصلحة الشعب التونسي وأولوياته التنموية.

بعد 25 جويلية أصبح الرئيس يتحدث دوريا عن السيادة الوطنية لكن يبدو انه اصطدم بواقع يفرض تلبية إملاءات الجهات المانحة مقابل مواصلة الدعم المالي، ما رأيكم؟

بكل أسف منذ تولي قيس سعيد لرئاسة الجمهوية لم نر له طرحا حقيقيّا لمفهوم السيادة الوطنية في ظل الصراعات الإقليمية والدوليّة كما اننا نجد لرئيس الجمهورية بديلا اقتصاديا واجتماعيا يؤمّن تحويل تطلّعات الشعب التونسي وخاصة الشباب إلى واقع وخيارات اقتصادية واجتماعية، هذه الحقيقة تُرجمت أكثر بعد 25 جويلية 2021 و22 سبتمبر 2021 لتدخل البلاد في متاهات أضاعت بوصلة السيادة الوطنية وقذفت بالبلاد والعباد في مستنقع الضياع وتتحول أولوية الأولويات اليوم الى إنقاذ الدولة الوطنيّة من الاندثار.

بصفة عامة، كيف يُمكن تجاوز المعوقات الاقتصادية والمالية لتحقيق السيادة الوطنية في رأيكم؟

أوّلا لابدّ ان تتحمّل كل الأطراف الفاعلة في الساحتين السياسيّة والاقتصادية لمسؤوليّتها التاريخيّة، وثانيا يجب تقييم المسار السياسي والاقتصادي بكلّ وطنيّة وموضوعيّة بعيدا عن الانتماءات الحزبية والسياسية والإيديولوجيّة وثالثا تحديد موقع تونس في محيطها الجيوسياسي أما رابعا فيجب وضع منوال تنموي يُعطي الأولوية للاستثمار الوطني وأخيرا تجميع كل القوى حول مشروع وطني موحّد يقطع مع كل ما هو سائد.

Skip to content