حوارات

سلوى غريسة للجريدة المدنية: على الدولة تحمل مسؤولياتها لمناهضة كل أشكال التمييز وحماية الحق في الاختلاف

لمياء بوزيان
صحفية

يعتبر مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف مشروعا رائدا في مجال حماية الأقليات والفئات التي تتعرض إلى التمييز. بادرت به جمعية تفعيل الحق في الاختلاف وتشرف عليه الجامعية والناشطة الحقوقية سلوى غريسة التي كان لنا معها لقاء للسؤال عن أهداف المشروع وأهم أنشطته، ورؤيتها لوضع الأقليات في تونس.

هل لك أن تقدمي مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف وأهدافه؟

مرصد الدفاع عن الحق في الاختلاف هو فضاء يجمع حوالي مئة جمعية تتوزع على كامل تراب الجمهورية ويهدف إلى النهوض بوضع حقوق الانسان الخاصة بالأفراد والمجموعات المعرضة للتمييز في تونس. ويسعى إلى التنسيق بينها وبين الجهات الرسمية بهدف التصدي لجميع مظاهر التمييز في القانون والواقع ومعالجتها بوضع إصلاحات هيكلية. كما يعمل المرصد على تعزيز قدرات الأطراف ذات الصلة وذلك لضمان مشاركة فعالة. ويضطلع المرصد بأدوار اليقظة والمراقبة ورفع الوعي حول الممارسات التمييزية المسلطة على الافراد والمجموعات المعرضة للتمييز والقيام بحملات مناصرة من أجل تحسين الإطار التشريعي لحمايتها.

ما هي أهمّ برامج المرصد خلال المرحلة الأولى؟

عمل المرصد على تنظيم دورات تدريبية، لفائدة الشركاء، في مجال حقوق الانسان الكونية والحق في الاختلاف وفي استقبال وتوجيه الأقليات ضحايا التمييز. كما أنشأ المرصد قاعدة بيانات بشأن التمييز ضد الأقليات. ونظم العديد من اللقاءات لتكوين شبكة من الجمعيات الفاعلة والمدافعة عن حقوق الانسان ضمت 57 جمعية وائتلافين. وقد أفضى هذا الجهد إلى صياغة دليل الممارسات الجيدة في مجال الحق في الاختلاف الذي تم تقديمُه خلال يوم دراسي وندوة دولية حول الأفراد والمجموعات المعرضة للتمييز في تونس والعالم ونشرنا أعمال يوم الدراسة والندوة الدولية، كما نشرنا مراجعة مجلة الحريات الفردية وفقاً للقانون الدولي والدستور. وفي مجال المناصرة نفذن حملة حول الحقوق والحريات مع صانعي وصانعات القرار انتجنا خلالها العديد من الومضات التحسيسية كأدوات توعية.

اشتغلتم خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة على متابعة مدى التزام المترشحات والمترشحين بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وخاصة ما تعلّق بمجالات اهتمام المرصد من حقوق وحريات، ما هي أهم النتائج التي توصلتم إليها حينها؟

فعلا تمّت مقابلة العديد من الصحفيين والصحفيات المكلفين/ت بمتابعة الحملة الانتخابية وقدمنا إليهن/م أسئلة موجهة بهدف طرحها على جميع المترشحين من أجل مزيد التدقيق في مواقفهم المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة وجعل مسألة الحريات الفردية والمساواة محورا أساسيا للنقاش خلال الحملة الانتخابية. وعلى هذا الأساس، تقدمنا قبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام إلى جميع الناخبين والناخبات بجدول تقييمي لآراء وبرامج مختلف المترشحين بخصوص المسائل المتعلقة بالحقوق والحريات التي تم طرحها عليهم.

ويهمنا الإشارة إلى أن الجدول التقييمي المقدم قد تم إعداده من خلال متابعة آراء وبرامج المترشحين والمترشحات خلال مختلف البرامج التلفزية والإذاعية التي طرحت المسائل المذكورة، وكذلك من خلال عدد من اللقاءات التي تم تنظيمها مع عدد من المترشحين والمترشحات. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن عددا من المترشحين خاصة منهم المقتنعين كليا بتكريس الحريات الفردية والمساواة أو كذلك المعارضين كليا لها قد كانت مواقفهم واضحة ومستقرة في أغلب مراحل الحملة الانتخابية، بينما لاحظنا أن عددا آخر قد كانت مواقفهم غير مستقرة وقد شهدت تغييرا وفق التقدم في الحملة الانتخابية.

يبرز من خلال المعطيات التي جمعناها أن التعاطي مع مسائل الحريات الفردية والمساواة لم يكن بالشكل الأمثل سواء خلال الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، إذ تم توظيفها توظيفا سياسيا واضحا من خلال جعلها مسائل ثانوية مقارنة بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر هذا التعاطي في حدّ ذاته انتكاسة لهذه المسائل، إذ أن الحملات الانتخابية هي فرصة لطرح المسائل الخلافية داخل المجتمع بطريقة تسمح بالنقاش حولها وفهم مواقف مختلف القوى السياسية بشأنها وهو ما لم يحصل بصفة واضحة للناخبين والناخبات بل بثّ لديهم فكرة تقوم على كون هذه المسائل مسائل ثانوية لا تهم الشعب التونسي اليوم في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها. هذا الخطاب الذي تم التركيز عليه في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس، أفرز أغلبية لا تجعل من المسائل المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة مسائل ذات أولوية لا من حيث خطابها ولا من حيث برامجها، بل أفرز كذلك قوى سياسية تعلن معارضتها التامة والقاطعة لهذه المسائل. هذه القوى السياسية ليست، كما بيّنا سابقا، بالحجم الهين تحت قبة البرلمان وتلتقي مع بعضها بخصوص رؤية مجتمعية متقاربة قائمة على غياب أي تصور لتفعيل الأحكام الدستورية المتعلقة بالحريات الفردية والمساواة (خاصة حزب ائتلاف الكرامة والحزب الدستوري الحر وحركة النهضة) إذ يبلغ حجمها، قرابة 90 نائبا.

هل تعتبرون الدستور التونسي ضامن، في نصه، لكل الحقوق التي تُدافعون عنها؟ وهل نحتاج اصلاحات تشريعية لمزيد ضمان هذه الحقوق؟

تعرّض الباب الثاني من الدستور الجديد، باب الحقوق والحريات، باستفاضة في تعديد الحريات العامة والخاصة التي يجب أن تكون مكفولة لجميع التونسيين. وقد نص دستور 2014 على أن الدولة تكفل حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، وضمن حق الانتخاب والاقتلاع والترشيح وتمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة، وضمن حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات، كما نص على أن أي تعديل لا يجوز ان ينال من مكتسبات حقوق الانسان والحريات المضمونة فيه. وفي المقابل نجد الفصل 49 من نفس الدستور يضبط ويحدّ من هذه الحريات.

كذلك في ظل غياب محكمة دستورية، ضامنة لعلوية الدستور وحامية للنظام الجمهوري والحقوق والحريات وإطار تشريعي يعمل على ملائمة التشريعات الوطنية ذات الصِّلة بحقوق الانسان مع الدستور والتزاماتها الدولية، تبقى العديد من النصوص التشريعية في تضارب صارخ مع الدستور.

كيف لنا أن نكرس هذه الحقوق والحريات في المجتمع؟ ما هي الآليات التي وجب اعتمادُها؟

يؤكّد الدستور التونسي على أن “المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي والمصادق عليها أعلى من القوانين وأدنى من الدستور” (الفصل 20). هذا الإقرار الدستوري بعلويّة المعاهدات تجعل من الالتزامات الدوليّة للجمهورية التونسية أساسيا في إعلاء دولة القانون وهو ما يحتّم اليوم تفعيل الأحكام العامّة لكلّ الاتفاقيّات الدوليّة المصادق عليها.

وستمكن هذه المجلة من تجاوز الانتقادات الشديدة التي وجّهت للجمهورية التونسية عند تقديمها ومناقشتها لتقريرها الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان 2017 حيث وجّهت للجمهورية التونسية 248 توصية تعلّق عدد كبير منها بحريّة الضمير وممارسة الشعائر الدينية والتمييز على أساس المعتقد والجنس والعرق وعلى أساس الميول الجنسية والهوية الجندرية وعقوبة الإعدام وتجريم تعاطي المخدّرات. اذن من المهم المصادقة على مجلة الحريات الفردية وهذا ما نصبو لتحقيقه.

هل تعتبرين أن جهود المجتمع المدني كافية للمساهمة في تحقيق هذه الأهداف وللضغط على الدولة لتحمل مسؤولياتها؟

الى حدّ ما نعم، ولكن جهود المجتمع المدني في غياب إرادة سياسية لتكريس الحقوق والحريات تبقى محدودة، لأن الدور الأساسي في حماية كل هذه الحقوق موكول إلى الدولة ومؤسساتها. وأعتقد أن كل ما توصلنا إليه منذ إعداد دستور 2014 وإلى اليوم يعود الفضل فيه إلى المجتمع المدني الذي كان متيقظا وتصدى إلى كل محاولات المس من الحريات والحقوق والأساسية. كما أن جهودا مدنية كثيرة بذلت في اتجاه التعريف بهذه الحقوق وصيانتها والتصدي إلى كل محاولات المس منها من خلال التعريف بها ورفع مستوى الوعي المواطني بها.

أثرت جائحة كورونا على مجالات كثيرة من الحقوق، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، هل هنالك تأثيرات مباشرة على الفئات والأقليات التي تُدافعون أو تهتمون بها بشكل أساسي؟

لجوء الدولة الى تطبيق “حالة طوارئ صحية”، سمحت لها باتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة انتشار الفيروس القاتل، فسنّت، على عجل، أوامر تحدّ من تحرّكات الناس، وتمنح للسلطات التنفيذية مساحاتٍ واسعةً للتحرّك لتقييد حريات الناس، بما فيها الشخصية، بدعوى حماية صحتهم. ولقد انخرطنا، ككل فعاليات المجتمع المدني المؤثرة، في جهد الدولة في هذا المجال، ولكننا أيضا ننبه إلى كل محاولات التعلل بالوضع الوبائي للمس بحريات التونسيات والتونسيين، وهذا ما استوجب منا يقظة دائمة ومتابعة إلى وضعيات الناشطات والناشطين في مختلف جهات البلاد.

ما هي أهم مميزات المرحلة الثانية من مشروع المرصد، وأهمّ برامجها؟

المرحلة الثانية هي مواصلة للمرحلة الأولى مع إضافة نشاط جديد الا وهو تنظيم مهرجان الاختلاف وهو الحدث الأبرز ولكننا نعمل أيضا على تنظيم يوم برلماني مفتتح السنة القادمة وتقديم دراسة حول حالة حرية الاختلاف في بلادنا. وسيتمر المرصد في تنظيم لقاءات بين مختلف الجمعيات المنضوية صلبه. كما أننا نواصل، رغم الوضع الصحي الدقيق، في تنظيم عديد الدورات التدريبية والورشات المتعلقة بالأهداف المشتركة لهذه الشبكة في إطار برنامج نلاحظ أن أثره مهم بعد كل مرة خاصة بتنوع المنخرطات والمنخرطين فيه وثراء تجاربهن/م.

كيف تجدون تعاطي الإعلام مع قضايا الأقليات والحق في الاختلاف؟

لا نستطيع الحديث على الاعلام ككل ولكن يمكننا القول بأن محاولات تدجين الإعلام وتركيعه من قبل قوى سياسية رجعية يمثل خطرا فادحا للإعلاميين والاعلاميات في تناول قضايا الحقوق والحريات. بالمقابل نُكبر سعي وسائل إعلام وصحافيين كثر تحليهم بأخلاقيات المهنة والتزامهم بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي تعتبرها مرجعا مهما في عملهم. كما أن مؤسسات إعلامية عمومية وخاصة تتابع ما نقوم به وتساعد في نشر قيم الحرية والعدالة.

هل لك أن تقدمي رسالتك إلى مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأكادميين، بصفتك جامعية، والإعلام من أجل أن تكون هذه القضايا أولوية لبناء دولة المواطنة؟

ننتظر موافقة المجلس النيابي على تسمية أعضاء المحكمة الدستورية والهيئات الدستورية الأخرى مثل هيئة حقوق الإنسان والمصادقة على مشروع مجلة الإجراءات الجزائية ومجلة جزائية جديدة وغيرها من النصوص الأساسية للمضي قدما في درب دولة القانون والمؤسسات. ونطالب مختلف مؤسسات الدولة بمزيد العمل من أجل التوعية وحماية حقوق التونسيات والتونسيين، وكل المقيمين على أرض تونس، مهما كان دينهم أو لونهم أو جنسيتهم أو ميولهم الجنسية وعلى الدولة تحمل مسؤولياتها لمناهضة كل أشكال التمييز وحماية الحق في الاختلاف. وعلى الجامعة أن تعمل أكثر على صناعة المعرفة في علاقة بهذه القضايا الحقوقية والإنسانية الأساسية، وهذا أمر في صلب رسالة الأكادميين. وأعتقد أن الاعلام هم الرابط بين كل هذه الجهات وهو قادر على التأثير الإيجابي في الرأي العام من أجل تكريس القيم المدنية وقيم المواطنة.

Skip to content