ما بعد 25 جويلية، كيف نبني تونس الجديدة؟

سياسة اتصالية اقصائية و شعبوية أم خلاف قديم؟

قيس سعيد واقصاء وسائل الاعلام

علي بوشوشة
صحفي

منذ وصوله قصر قرطاج، تكاد تكون الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية هي المنصة الوحيدة التي تنشر اخبار الرئيس قيس سعيد وتحركاته وخطبه. وقد تجنب الرئيس الظهور على وسائل الاعلام حتى في المناسبات الوطنية والدينية خلافا لما تعود عليه الجمهور ووسائل الاعلام حتى فهم منه أنه يمارس سياسية اقصائية ضد الصحفيين ووسائل الاعلام.

 فهل هو خلاف قديم، أو منهجية اتصالية أو ممارسة شعبوية؟ 

اقتصر ظهور الرئيس قيس سعيد منذ توليه الحكم، في برنامج حواري وحيد بمناسبة 100 يوم من انتخابه، أو بعض التصريحات القصيرة النادرة. 

الرئيس.. سياسة تعتيم واقصاء الصحفيين

 اتبع قيس سعيد، واقتدى به كل من عمل أو يعمل في مكتب الاعلام والاتصال بقصر قرطاج، سياسية اتصالية احادية الاتجاه لا تقبل التفاعل الذي تفرضه العملية الاتصالية. فمنذ تقلده مهام الرئاسة كان سعيد يتواصل مع الجميع، ناخبين وسياسيين وصحفيين ومجتمع مدني و..، من خلال بلاغات تنشر على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أو الفيديوهات المسلمة لجلساته ولقاءاته أو تحركاته الميدانية. وكذلك تبنت، مجبرة لا مخيرة، المستشارة لأولى السابقة بالرئاسة الصحفية رشيدة النيفر، سياسة تقليدية “تعميمية” في تعاملها مع الصحفيين الذين يرغبون في انجاز أعمال صحفية متعلقة بساكن قرطاج. بطاقتها الشخصية كانت تقتصر فقط على الاسم والصفة ورقم الهاتف القار أو الريد الالكتروني، وترفض أن يتم الاتصال بها عن طريق الهاتف الجوال أو خارج أوقات العمل الادارية وفي العطل الرسمية ومهيأة الأسبوع.

 وبحسب ما يتداوله الصحفيون الذين تواصلوا  مع الرئاسة عبر الخط الوحيد “الهاتف القار” يجدون أنفسهم في انتظار لوقت طويل بين الاستقبال و السكريتار لتكون الاجابة في اغلب الاحيان “تجدون كل ما يلزمكم للعمل على صفحة الفايسبوك فقط”. ويرفض سعيد بتعال، أن يساءله صحفي أو صحفية خلال جولة ميدانية إن حالفه الحظ، راميا بعرض الحائط حق المواطنين في المعلومة ومتابعة نشاط الرئيس و دور وسائل الاعلام في ممارسة رقابة على السلط. ولم تكن هذه السياسة خاصة بظرفية معينة وإنما هي السياسة الاتصالية الاقصائية التي ينتهجها قيس سعيد في التعامل مع وسائل الاعلام. 

تهميش الاعلام خدمة للشعبوية 

اعتمد قيس سعيد على التواصل المباشر مع المواطنين إما عبر صفحة رئاسة الجمهورية، التي يعبر فيها كيفما شاء في فيديوهات أو نصوص قد تكون “غريبة بعض الاحيان” في صياغتها فلا يمكن تصنيفها اتصاليا، ليعبر لمناصريه وناخبيه أنه جاء لتجديد المشهد السياسي والمشهد العام في تونس و “تطهيره” من كل المنظومة القديمة بمختلف آلياتها بما في ذلك وسائل الاعلام التي كانت حسب تصوره في خدمة الحكومات السابقة. معتبرا أن وسائل الاعلام كان جزءا من المنظومة التي احدث فيها تغييرات ما عرف بـ 25 جويلية. إضافة إلى التحامه المباشر بـ”الجماهير” أو أنصاره أو المواطنين في الشوارع خلال نشاطاته الميدانية، التي يرفض فيها أيضا الادلاء بتصريحات للصحافة ويكون اتصاله وتجاوبه مباشرة مع المواطنين. 

سعيد ليس في خلاف مع وسائل الاعلام

 لا يمكن القول بأن الرئيس قيس سعيد في خلاف مع وسائل الاعلام “التقليدية”، لأمر بسيط، وهو أنه كان كثير الظهور في عدد من التلفيات والاذاعات زمن صياغة الدستور “المجلس الوطني التأسيسي”، وبعدها خلال الفترتين السابقتين كخبير في القانون الدستوري، خاصة في نشرة اخبار الثامنة على القناة الوطنية الأولى. 

الأمر الأخر الذي قد يوضح أن الرئيس ليس له أي خلاف حقيقي مع مسائل الإعلام، هو أنه لم يتعرض في أي تصريح قبل أو بعدها الانتخابات أو حتى بعد 25 جويلية، يكشف فيه علاقته”غير السليمة” بوسائل الاعلام . 

ويصنف المختصون في الاتصال السياسي الرئيس قيس سعيد شعبويا، انطلاقا من دراسة خطابه وتقنيات الاتصال التي يستخدمها، الأمر الذي يتقاسمه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وهو ما قد يفسر العلاقة الوطيدة بينهما. ويذكر أن الرئيس قيس سعيد ارتكز في حملته الانتخابية على الاتصال المباشر بالجماهير مستعملا خطابا “ثوريا” موجها لعواطف المواطنين.

Skip to content